صحافة دولية

JP: هل يمكن لسوريا أن تصبح فيتنام إيران؟

جيروزاليم بوست: ليس هناك دليل على أنه يمكن اقتلاع إيران من سوريا إلا إذا اختارت هي ذلك- سانا
جيروزاليم بوست: ليس هناك دليل على أنه يمكن اقتلاع إيران من سوريا إلا إذا اختارت هي ذلك- سانا

نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" مقالا لمحررها لشؤون الشرق الأوسط سيث فرانتزمان، يقول فيه إن وزير الدفاع الإسرائيلي، نفتالي بنت، حذر إيران من أنه بالرغم من ظهورها وكأنها تقيم طوقا من النار حول إسرائيل، فإن سوريا قد تكون فيتنام إيران.

 

ويشير فرانتزمان في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى قول وزير الدفاع الأسبوع الماضي: "يجب علينا أن نتحول من الاحتواء إلى الهجوم"، لافتا إلى أن الإعلام الذي يركز على الشرق الأوسط اهتم بالتصريح، وتلقفته كل من "الشرق الأوسط" و"روسيا اليوم".

 

ويعلق الكاتب متسائلا: "لكن هل يمكن لسوريا فعلا أن تكون (فيتنام) إيران؟ ومفهوم (فيتنام) يعني كارثة عسكرية، فيتم جر قوة تمتلك تكنولوجيا عسكرية أفضل إلى صراع عن طريق تمرد، وهذا الوضع يستنزف البلد القوي ببطء، والمصطلح يشير إلى تجربة فرنسا وأمريكا في جنوب فيتنام والبلدان المجاورة في الفترة بين عام 1960 وعام 1976، لكن تتم مقارنة تجارب كثيرة بتلك التجربة، فمثلا اعتبرت جنوب لبنان بين عام 1980 وعام 2000 فيتنام إسرائيل، واعتبرت أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي فيتنام روسيا، كما نسمع ذلك عن اليمن بالنسبة للسعوديين، بالإضافة إلى أن الكشف مؤخرا عن كيفية خداع أمريكا حول أفغانستان يستحضر أشباح فيتنام".

 

ويقول فرانتزمان إن "المصطلح يعني أيضا تجربة صادمة تدخل فيها البلد في حرب أجنبية، وتصبح ضد نفسها في بلدها، وقد يكون هناك تغير في السلطة أو ثورة اجتماعية تكسر الوضع الراهن، وقد تؤدي إلى تغير في النظام، ومن هذه الناحية فإن تدخل إيران في سوريا له تداعيات حقيقية، فلم يسبق وأن تدخلت إيران عسكريا في الخارج بالحجم الذي تدخلت به في سوريا، وهكذا قد تكون الجمهورية الإسلامية جعلت نفسها عرضة لسيناريو فيتنام؛ لأنها خصصت الكثير من الموارد لإدارة كل من سوريا والعراق واليمن وحتى لبنان".

 

ويجد الكاتب أن "هذه هي إحدى المفارقات في الدور الإيراني في المنطقة، فمن ناحية تبدو إيران معقدة وقوية جدا، وتقوم بصناعة صواريخ بالستية جديدة وطائرات مسيرة وتهدد الخليج، وتحاول إخراج أمريكا من أفغانستان بتوظيف مهاراتها الدبلوماسية بالعمل مع حركة طالبان، وتضايق إسرائيل في غزة عن طريق الجهاد الإسلامي، وترسل شبكات الحرس الثوري للجولان لاستخدام الطائرات المسيرة القاتلة، كما كشف عنه في آب/ أغسطس، وفي كل يوم هناك تعليقات إيرانية جديدة حول دورها في المنطقة، فهي تهدد حركة الملاحة البحرية في الخليج، وتسقط طائرة تجسس أمريكية، وتستهدف بالألغام سفن شحن النفط، وترسل المليشيات لإطلاق الصواريخ على القواعد الأمريكية في العراق، وتحاول حتى إرسال دفاعات جوية لسوريا، وتنشئ فيها قواعد طائرات مسيرة وقواعد صواريخ، وتقوم ببناء أنفاق في قاعدة الإمام علي في البوكمال على الحدود السورية العراقية، ولذلك ليس غريبا أن ينظر إلى دور إيران على أنه أخطبوطي عبر المنطقة".

 

ويتساءل فرانتزمان عما نعرفه عن التدخل الإيراني المتنامي في سوريا، قائلا إن "إيران حليفة لنظام بشار الأسد، ودمشق قناة مهمة لتحويل الأسلحة إلى حزب الله، وسعت إيران لدعم النظام السوري ضد الثوار وتنظيم الدولة، وبالإضافة إلى ذلك سعت للحصول على نفوذ كبير في جنوب سوريا، وقامت بإنشاء قواعد للحرس الثوري في أنحاء سوريا كلها، ومع حلول عام 2014 كانت قد أنفقت مليارات الدولارات لدعم دمشق، وبحسب وزارة الخارجية الإسرائيلية فإن إيران فقدت 500 فرد مع حلول عام 2016 كانوا قد أرسلوا لمساعدة نظام الأسد، وبالإضافة إلى ذلك فإنه قتل 10 ضباط إيرانيين كبار وهم يقاتلون في سوريا، بحسب موقع الجيش الإسرائيلي على شبكة الإنترنت".

 

ويلفت الكاتب إلى أن "إسرائيل تقول إنه كان لدى إيران حوالي 2500 فرد في سوريا في لحظة ما، وتراجع ذلك الرقم إلى أقل من ألف بسبب الانتقادات الداخلية في إيران، بالإضافة إلى أن إيران أرسلت المليشيات الشيعة للقتال من العراق ومرتزقة من الأقليات الشيعية في كل من باكستان وأفغانستان، وكانت الوحدة الإيرانية الرئيسية في سوريا بقيادة قوات القدس والقائد قاسم سليماني، لكن الوحدات الأصغر والأقل أهمية من الجيش الإيراني الرسمي أرسلت عام 2016، وذكرت التقارير أن إيران كانت تدفع أكثر من 100 مليون دولار رواتب للمجندين في سوريا".

 

وينوه فرانتزمان إلى أن تقريرا للمفتش العام الأمريكي ذكر أن إيران نشرت حوالي 3000 عنصر من الحرس الجمهوري في سوريا، إضافة إلى حوالي 100 ألف مقاتل شيعي، بالإضافة إلى أن إيران حسنت من إمكانياتها الصاروخية والطائرات المسيرة.

 

ويذكر الكاتب أن إسرائيل قامت بشكل متزايد باستهداف العناصر المرتبطة بإيران في سوريا، وقال قائد سلاح الطيران الإسرائيلي أمير إيشيل إنه مع حلول عام 2017 كانت إسرائيل قد ضربت 100 هدف "إيراني"، ومع حلول كانون الثاني/ يناير 2019 تضاعف هذا الرقم إلى 1000 هدف، بحسب رئيس الأركان السابق غادي إزينكوت، وقد بدأت أمريكا تلاحظ هذه الضربات عام 2018 وتعلق عليها؛ بسبب قلقها من التهديدات الإيرانية في العراق وسوريا، وقام عناصر من الحرس الثوري بإطلاق صواريخ على إسرائيل من سوريا في أيار/ مايو 2018 وفي كانون الثاني/ يناير وفي أيلول/ سبتمبر وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، وتم إطلاق طائرة مسيرة في شباط/ فبراير 2018، وقامت إيران بإنشاء ما بين 10 و20 قاعدة في سوريا، كثير منها استهدف بغارات جوية، بما فيها غارة في تشرين الثاني/ نوفمبر، حيث استهدف "بيت الزجاج" في مطار دمشق وغارات جوية بالقرب من البوكمال.

 

ويتساءل فرانتزمان: "لو أصبحت سوريا هي فيتنام إيران، فكيف يتم هذا؟ لقد عملت إيران جاهدة على دعم النظام السوري منذ عام 2011، وضغطت على حلفائها في المنطقة كلهم، بما في ذلك المليشيات الشيعية في العراق وحزب الله، وعنى ذلك أنه في 2012 و2013 ذهب المزيد من المقاتلين من لبنان والعراق إلى سوريا، وذهب مجندون آخرون من بلدان أخرى أيضا، وهذا عكس الدور الأمريكي في فيتنام، حيث وضعت أمريكا في قمة تدخلها 500 ألف جندي في جنوب فيتنام، التي كان عدد سكانها مشابها لعدد سكان سوريا، الذي تضاءل إلى 17 مليون مع استمرار الحرب الأهلية، وقتل 60 ألف أمريكي في فيتنام بين عامي 1960 و1976". 

 

ويبين الكاتب أنه "عندما يتعلق الأمر بالأضرار وعدد الجنود فإن إيران فعلت عكس أمريكا في فيتنام، فاستخدمت القليل من جنودها، فسياسة إيران هي جعل الآخرين يقاتلون ويموتون لأجلها، ولا تريد أن يعود إليها الكثير من القتلى، ولذلك فهي تتحفظ على خسائرها".

 

ويشير فرانتزمان إلى أنه "من ناحية الإنفاق، فإن إيران قامت بإنفاق موارد كثيرة في سوريا، تقدر بما بين 15 و30 مليار دولار، فهناك الكثير من التكاليف في الدور الإيراني المعقد، فتنفق مئات الدولارات شهريا على كل من مرتزقتها الباكستانيين والأفغان الذين يخدمون في وحدات (فاطميون)، وهناك أيضا الصواريخ والمدرعات، وتقول بعض التقارير إنه تم ارسال 400 عربة إضافة إلى المدافع".


ويقول الكاتب إن "إيران ترسل النفط إلى سوريا، ووفرت إيران قروضا لسوريا بقيمة 6 مليارات دولار، وتنفق مئات الملايين من الدولارات على حزب الله، بعضها للعمليات في سوريا، وتتفق التقارير على أن سوريا غيرت الطريقة التي تحارب فيها إيران الحروب، وتسعى إيران لوجود طويل الأمد في سوريا".

 

ويلفت فرانتزمان إلى الكيفية التي تغيرت فيها إيران بسبب سوريا، حيث شجب المتظاهرون الإيرانيون عام 2016 إيران لتبذيرها في سوريا، فيما يريد الإيرانيون إنهاء هذه النفقات.

ويقول الكاتب: "السؤال الأكبر هو إن كان هذا هو سيناريو فيتنام بالنسبة لإيران، إلى الآن لا يبدو الأمر كذلك، فلأن إيران أبقت وجودها العسكري صغيرا، وعملت خلف الكواليس، فإن أكبر خسائرها كانت مالية، ولذلك هناك أثر طويل الأمد للمظاهرات في إيران وأثر طويل الأمد للدور الإيراني في سوريا، وتريد إيران أن تقيم قواعد وتنقل الصواريخ الى سوريا، وتريد إرسال صواريخ دقيقة التوجيه إلى حزب الله، واستخدمت إيران سوريا لتجريب صواريخها التي كانت تطلقها ضد تنظيم الدولة من إيران، وأرسلت صواريخها وقوات جوية إلى سوريا، لكن إلى الآن لا يبدو ان شيئا من هذا فيه مشكلة".

 

ويفيد فرانتزمان بأن "إيران تريد احتلال الجنوب السوري من خلال النفوذ، ولا تبدو أنها تخسر، وعادة ما تكون الغارات (الإسرائيلية) على الأهداف الإيرانية (في سوريا) دقيقة التوجيه، وهو ما يعني عدد ضحايا إيرانيين أقل، وعادة ما يتم تدميره في الغارات مخازن، كما حصل في قاعدة الإمام علي في البوكمال، ويمكن إيران تعويض الطائرات المسيرة والصواريخ والدفاعات الجوية، وهذا كله قد يضع المزيد من الضغط على الاقتصاد الإيراني، لكن التحدي الحقيقي لإيران ليست سوريا، وإنما التورط الأوسع في المنطقة".

ويقول الكاتب إن "إيران تريد صفقة في اليمن، وسعت للحصول على مساعدة عمان لتخفيض التوتر في الخليج، بالإضافة إلى أنها تريد ممارسة الإرهاب بشكل رخيص من غزة، وتشجع جس نبض إسرائيل، لكن دون إشعال حرب كبيرة، وفي العراق تقلق إيران من أن حلفاءها المحليين يخسرون نفوذهم، وتسعى إيران إلى وجود لعدة عقود وليس مكافأة سريعة، وبهذا المعنى فإنها فعلت ما لم تفعله أمريكا في فيتنام، وظنت أمريكا أن القوة العسكرية وإغراق فيتنام بالجنود سيكسبانها الحرب، وانتظر العدو ببساطة أمريكا وبنى قوته في الوقت الذي كانت فيه أمريكا تدعم حكومة ضعيفة في جنوب فيتنام".

 

وينوه فرانتزمان إلى أنه "بالمقارنة فإن نظام الأسد تحمل ثماني سنوات من الثورة وهو يتمتع بدعم روسيا، التي توفر الغطاء الجوي وغيره من الدعم، في الوقت الذي تقوم فيه إيران بقضم نفوذ الدولة في سوريا وبسط النفوذ الإيراني، لكن أمريكا لم تستوعب أشخاصا من مستوى متدن في فيتنام، ولم يكن لديها حليف آخر مثل روسيا يساعدها في الحرب، وعلى عكس الفيت مين، فإن الثوار السوريين لم ينتصروا ولا يزيد نفوذهم، لكن يبدو أن إيران والنظام السوري في آخر مراحل تحقيق انتصار".

 

ويبين الكاتب أنه "على عكس الدعم الذي تلقته فيتنام الشمالية، فإن أمريكا ليست في سوريا لتوازن الوجود الإيراني، وإن كان مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون سعى لتحقيق توازن مع إيران في سوريا، لكن بولتون ذهب، وألمحت أمريكا إلى أنها قد تغادر شرق سوريا، وإيران تنتظر فقط مغادرة أمريكا".

 

ويشير فرانتزمان إلى أن "الدور الإسرائيلي في سوريا لم يكن لجعلها فيتنام إيران، وعلى الأقل لم تقل إسرائيل هذا، ولا التقارير أشارت إلى أن هذا ما فعلته إسرائيل، فعمليات الاستهداف الدقيقة لم تحول سوريا إلى فيتنام، ولا تعاني إيران من سقوط ضحايا بشكل يومي، إنها تعاني من بعض التراجع في الوقت الذي يتم فيه كشف قواعدها ولديها صعوبة في الرد، إن إيران تدخر قوتها البشرية في إيران، وهي ليست منفقة مبذرة، وتعلم أن النظام السوري يحتاج إليها، وكل ما على إيران فعله هو ضمان عدم انهيار النظام، ويقدم لها النفوذ في جنوب سوريا على طبق من فضة، ولا أحد سيستطيع تدمير البنية التحتية الإيرانية في سوريا، فألف غارة جوية على مدى عدة سنوات لم تدمرها، وليس هناك دليل على أنه يمكن اقتلاع إيران من سوريا إلا إذا اختارت هي ذلك؛ ولذلك فإن إيران قد تشعر بالتهديد أكثر بالمظاهرات الداخلية أو في جارتها العراق من القتال في سوريا."

 

ويختم الكاتب مقاله بالقول: "أما بالنسبة لكون سوريا هي فيتنام إيران، فهي عملية انتظار لنرى إن كان الشعب الإيراني يتعب من محاولات النظام المتكررة لبسط نفوذه على المنطقة، لكن نفوذ إيران ليس ثقيلا، فهو يستخدم الآخرين، وأمريكا والغرب لم يتعلموا أبدا أن يفعلوا ما تفعله إيران، حيث يخطئ الغرب في تفضيل مظهر النفوذ والقوة على أهمية التجذر البطيء على مدى عقود".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)