توالت الاعترافات الإسرائيلية اليوم الجمعة، بارتكاب
الجيش جرائم حرب في قطاع غزة، وذلك بعد تصريحات مثيرة أدلى بها يائير غولان زعيم
حزب "الديمقراطيين" الإسرائيلي المعارض، وأدت إلى جدل واسع وتصاعد
الاتهامات بشأن ارتكاب جنود الاحتلال لجرائم وحشية في غزة.
وكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود
أولمرت
مقالا في صحيفة "هآرتس" العبرية، بعنوان: "حتى هنا، نحن نرتكب
جرائم حرب"، مؤكدا أنه "لا يمكن تجاهل ما يحدث في وحدات معينة بالجيش،
ويوجد هناك الكثير جدا من حالات إطلاق النار الوحشي على المواطنين وتدمير
الممتلكات والبيوت بشكل غير مبرر".
وتابع أولمرت: "حكومة إسرائيل تدير في هذه
الأيام حرب عديمة الجدوى، بدون هدف وتخطيط واضح أو أي احتمالية للنجاح. منذ
اقامتها لم تبادر دولة إسرائيل الى حرب كهذه. أيضا بذلك مجموعة المجرمين التي يقف
على رأسها بنيامين
نتنياهو اوجدت سابقة ليس لها مثيل في تاريخ الدولة".
وأردف قائلا: "النتيجة الواضحة لعملية
"عربات جدعون" هي قبل أي شيء آخر، فوضى في عمليات وحدات الجيش، التي
تنتشر في أرجاء القطاع. هذا ينطبق بالتحديد على الأحياء التي حارب فيها جنودنا
وقُتلوا وأصيبوا، وأيضا قتلوا الكثير من جنود حماس الذين يستحقون الموت، والكثير
من المدنيين غير المشاركين. الأخيرون انضموا لإحصائيات الضحايا العبثيين في أوساط
السكان الفلسطينيين، التي اخذت تأخذ ابعاد وحشية".
وشدد على أن "ما يحدث في قطاع غزة في الأسابيع
الأخيرة ليس له صلة بهدف حرب مشروع، المقاتلون والجنود يرسلون من قبل قيادة
الدولة، وقيادة الجيش الخاضعة لها، من أجل ارتكاب أعمال وحشية في احياء مدينة غزة،
جباليا وخانيونس، في عملية عسكرية غير شرعية. الآن هذه حرب سياسية – خاصة،
ونتيجتها الفورية هي تحويل القطاع الى منطقة كارثة إنسانية".
اظهار أخبار متعلقة
ولفت إلى أنه "في السنة الأخيرة سمعت في العالم
اتهامات شديدة ضد سلوك الجيش الإسرائيلي والحكومة في غزة، بما في ذلك اتهامات
بالإبادة الجماعية وجرائم حرب"، مبينا أنه "في نقاشات إعلامية إسرائيلية
وفي الساحة الدولية عارضت بشدة هذه الاتهامات، رغم أنني لم أوفر أي انتقاد لتوجيهه
للحكومة (..)".
حرب وحشية
وأكد أولمرت أن "العدد الكبير من المدنيين غير
المشاركين الذين قتلوا في غزة كان غير معقول وغير مبرر وغير مقبول، لكنهم جميعا،
كما قلت في كل قنوات الإعلام الدولية، كانوا نتيجة حرب وحشية".
ورأى أن "هذه الحرب كان يجب أن تنتهي في بداية
العام 2024، ولكنها استمرت بدون مبرر أو هدف معين أو رؤية سياسية لمستقبل قطاع غزة
وكل منطقة الشرق الأوسط. وحتى لو أن الجيش المخول، الذي يجب عليه تنفيذ تعليمات
المستوى السياسي، قد عمل في حالات كثيرة بتهور وبدون حذر وبعدوانية مفرطة، فقد فعل
ذلك بدون أمر أو توجيه من مستوى قيادي كبير للمس بالمدنيين بدون تمييز. لذلك، حسب
فهمي في حينه، لم يتم ارتكاب جرائم حرب".
واستكمل قائلا: "إبادة جماعية وجرائم حرب هي مصطلحات
قانونية تتطرق بشكل كبير إلى إدراك ومسؤولية من توجد في يده الصلاحية لتحديد أهداف
الحرب، وسيرها وحدود القتال وقيود استخدام القوة. أنا حاولت في كل المناسبات التي أتيحت
لي التمييز بين الجرائم المنسوبة لنا، التي رفضت الاعتراف بها، وبين عدم الحذر
واللامبالاة تجاه الضحايا الفلسطينيين في غزة، وتجاه الثمن الإنساني غير المحتمل
الذي نجبيه هناك. التهمة الأولى نفيتها، أما الثانية فقد اعترفت بها".
وتابع: "في الفترة الأخيرة لم يعد باستطاعتي
القيام بذلك. ما نفعله في غزة هو حرب تدمير، قتل المدنيين بدون تمييز أو حدود، قتل
وحشي واجرامي. نحن نفعل ذلك ليس بسبب فقدان سيطرة طارئة في قطاع معين، وليس بسبب
اندفاع عديم التوازن لجنود وحدة ما، بل نتيجة سياسة املتها الحكومة، عن قصد وبصورة
متعمدة واجرامية وخبيثة وباهمال. نعم، نحن نرتكب جرائم حرب".
اظهار أخبار متعلقة
وفي سياق متصل، هاجم رئيس الوزراء السابق إيهود
باراك مسار الحرب في غزة، قائلا: "سيضطر نتنياهو لاختيار بين بن غفير
وسموتريتش وبين ترامب وزعماء العالم الحر، وبين حرب عبثية سياسية وبين تحرير
الأسرى وإنهاء الحرب".
وأضاف باراك في مقال نشرته صحيفة "هآرتس"
العبرية، أنه "لا توجد هنا مقارنة. حتى السير مع ترامب وزعماء فرنسا،
بريطانيا وكندا لن يكون مفروشًا بالورود. سيكون مصحوبًا بصعوبات، وسيتطلب قيادة
واقعية مزودة برؤية وثقة بالنفس. قيادة تمتلك القدرة على قراءة نفس الشعب، وفهم ما
الذي يحرّك الأصدقاء والأعداء. والأهم: شجاعة اتخاذ القرارات وقوة تنفيذها. كلام
أقل، أفعال أكثر".
وقف حرب بلا جدوى
وأردف قائلا: "نحن بحاجة إلى قيادة تعترف
بإمكانية تحرير جميع الأسرى دفعة واحدة، ووقف حرب بلا جدوى، وإنهاء الأزمة
الإنسانية، واقتلاع حماس من السيطرة والقدرة على التهديد من غزة، والانضمام – ولو
متأخرين – إلى "الشرق الأوسط الجديد" بنسخته الترامبية، بما يشمل
التطبيع مع السعودية وفرصة المشاركة في مشروع "ممر التجارة" من الهند،
إلى الخليج، إلى أوروبا".
وذكر أن "اختيار الحرب العبثية، يتخفى تحت ستار
خادع وكأنها معركة على أمن الدولة ومستقبلها، بينما هي في الواقع حرب سياسية،
"حرب السلام الائتلافي"، سيكتب فصلًا جديدًا في "موكب
الحماقة": من جهة، من المشكوك فيه جدًا أن تحقق نتائج مختلفة عن جولات سابقة
في القطاع، ومن جهة أخرى، بلا شك ستفاقم عزلة إسرائيل الدبلوماسية والقضائية،
وستوقظ موجة معاداة للسامية، وتحكم بالإعدام على بعض الأسرى الأحياء".
واستكمل قائلا: "كانت ستستحق العناء لو كان
بالإمكان أن تحقق "نصرًا حاسمًا" على حماس، لكن هذا لن يحدث. لأنه عندما
ستتوقف (في وقت قصير نسبيًا) تحت ضغط دبلوماسي على خلفية أزمة إنسانية أو أحداث
ميدانية، سنجد أنفسنا من جديد في نفس الوضع تمامًا كما هو اليوم".
وأشار إلى أن "الحقيقة هي أن الطريق الوحيدة
لضمان أن حماس لن تتمكن من السيطرة على غزة وتهديد إسرائيل من هناك، تكمن منذ 7
أكتوبر في استبدالها بجهة أخرى، تتمتع بشرعية في نظر المجتمع الدولي والقانون
الدولي، وجيراننا العرب، والفلسطينيين أنفسهم. التفسير العملي لذلك هو قوة عربية
مشتركة مؤقتة، ممولة من دول الخليج: حكومة تكنوقراط مع بيروقراطية فلسطينية وجسم
أمني يتم بناؤه تدريجيًا تحت إشراف القوة العربية المشتركة والولايات المتحدة".
اظهار أخبار متعلقة
ولفت إلى أن "إسرائيل ستضع شرطين لذلك: أولًا،
لا يحق لأي شخص كان عضوًا في الذراع العسكري لحماس أن يشارك في الجسم الجديد.
وثانيًا، سينسحب الجيش الإسرائيلي إلى محيط خارجي، لكنه لن يعود إلى الحدود ما لم
تُستكمل جميع الترتيبات الأمنية، كما سيتم الاتفاق عليها مسبقًا".
مخطط نتنياهو
وتابع: "عندما نفهم أن هذا هو المخطط العملي
الوحيد لـ"اليوم التالي"، مخطط يهرب منه نتنياهو منذ 7 أكتوبر، ندرك أنه
لا جدوى من التضحية الآن بحياة الأسرى أو تعريض الجنود للخطر بلا فائدة. من سيجرؤ
على النظر في عيون الآباء، الأرامل، الأيتام الجدد، المصابين والمعاقين نفسيًا،
ويقول بضمير مرتاح إن كل شيء قد تم فعله لمنع الخسارة، أو أنه كان هناك مبرر لذلك
أصلًا؟".
ونوه إلى أنه "كلما أصرت إسرائيل على الهروب من
هذا النقاش، زاد خطر مبادرة دولية واسعة، تشمل بعض الجيران العرب، تدعو إلى مقاطعة
إسرائيل، والترويج الفعلي للاعتراف بدولة فلسطينية (وللأسف، "تسونامي
دبلوماسي" ينهض أمام أعيننا الآن)".
وشدد على أن "احتلال دائم للقطاع، ترحيل مليوني
فلسطيني، وإعادة توطين القطاع بإسرائيليين.. كل هذه أوهام مجنونة، ستعود إلينا مثل
السهم المرتد، ولن تؤدي إلا إلى تسريع المواجهة مع باقي العالم".
وختم قائلا: "هذه هي الخيارات أمامنا. من
المشكوك فيه بشدة ما إذا كان نتنياهو وحكومته قادرين على التعامل معها بدافع قلق
حقيقي على أمن الدولة ومستقبلها. وهذه، إذًا، سبب إضافي للحاجة العاجلة إلى التخلص
من هذه الحكومة الفاشلة في تاريخنا. وكلما أسرعنا كان ذلك أفضل".