قضايا وآراء

مسار جديد للعلاقات الأردنية الإسرائيلية

1300x600
1300x600

استدعت عمّان يوم الأربعاء (30 تشرين الأول/ أكتوبر سفيرها في "تل أبيب" غسان المجالي، على خلفية اعتقال قوات الاحتلال الإسرائيلي المواطنين الأردنيين هبة اللبدي وعبد الرحمن مرعي. وجاء القرار بعد جهود أردنية لم تنجح للإفراج عن المعتقلين اللبدي ومرعي، لتفقد القنوات الدبلوماسية بين الأردن و"إسرائيل" قيمتها الفعلية في نزع فتيل الأزمات وحل الإشكالات وخفض التوتر بين الدول والكيانات السياسية، وهي الوظيفة الأساسية للدبلوماسية.

الإجراء الأردني باستدعاء السفير المجالي جاء بعد مضي أقل من 48 ساعة على تسريب القناة الـ13 الصهيونية؛ معلومات بأن ملك الأردن عبد الله الثاني فكّر بتخفيض العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الإسرائيلي واستدعاء السفير الأردني في "تل أبيب" المجالي، في أعقاب إعلان نتنياهو نيته ضم غور الأردن إلى الكيان الإسرائيلي، عشية الانتخابات الإسرائيلية شهر أيلول/ سبتمبر الماضي. والإعلان الذي جاء مفاجئا ومخالفا للأعراف الدبلوماسية ولروح اتفاقية وادي عربة التي تضم ملحقات اقتصادية وأمنية وسياسية؛ مثّل صدمة للدبلوماسية الأردنية التي تملك أطول حدود وأعقد الملفات مع الكيان الإسرائيلي.

 

هل اختلف التقديرات الأردنية بعد اعتقال اللبدي ومرعي لتدفع المملكة الأردنية هذه المرة إلى استدعاء سفيرها للتشاور في عمان؟

تراجع الملك عبد الله الثاني عن خفض التمثيل الدبلوماسي في أيلول/ سبتمبر الماضي جاء نتيجة حسابات سياسية؛ ذهبت إلى القول بأن تصريحات نتنياهو لا تعدو كونها دعاية انتخابية، فهل اختلفت التقديرات الأردنية بعد اعتقال اللبدي ومرعي لتدفع المملكة الأردنية هذه المرة إلى استدعاء سفيرها للتشاور في عمان؟

مشكلة الأردن أن الدعاية الانتخابية الإسرائيلية لم تتوقف عن التحول إلى أزمات سياسية؛ فالانتخابات الإسرائيلية تعكس أزمة عميقة تتمثل بأزمة الحكم والزعامة في إسرائيل خصوصا داخل اليمين الإسرائيلي؛ الذي يتنافس فيه الهواة والمخضرمون لملء الفراغ المتوقع بعد سقوط زعامة نتنياهو، بعد أن فشل على مدار دورتين انتخابيتين من تحقيق أغلبية نيابة وتشكيل حكومة تمكنه من استعادة زمام المبادرة.

أزمة الأردن لم تعد مع نتنياهو وحملاته الانتخابية، بل مع اليمين الإسرائيلي بأكمله، سواء الهواة فيه والمخضرمون الباحثون عن زعامة جديدة والطامحون لها في نفس الوقت. فقد جعل هؤلاء من الأردن وملف القدس وغور الأردن وملف استعادة الباقورة والغمر والمياه والطاقة؛ ملفات يتنافس فيها الطامحون للزعامة لمضايقة الأردن وإثبات قدرتهم على فرض أجندتهم على عمّان، باستعراض قوة بلغ حد اعتقال مواطنين أردنيين والتشكيك بقدرة الأردن على ضبط الحدود، بإعلانات متكررة عن دخول أجانب عبر الحدود الأردنية من جنسيات آسيوية وأفريقية للعمل في الكيان الإسرائيلي، في غمز ولمز ينتقص السيادة على الحدود وغور الأردن من جديد.

 

أزمة الأردن لم تعد مع نتنياهو وحملاته الانتخابية، بل مع اليمين الإسرائيلي بأكمله، سواء الهواة فيه والمخضرمون الباحثون عن زعامة جديدة والطامحون لها في نفس الوقت

ورغم وجود أصوات يمكن تسميتها بالعاقلة داخل الكيان الإسرائيلي تدعو إلى تخفيف حدة التوتر والامتناع عن تأزيم العلاقة الأردنية الإسرائيلية، من خلال تقديم تنازلات بحسب اعتقادهم في ملف الغمر والباقورة وفي ملف المياه والطاقة، بل والقدس، للحفاظ على العلاقة الأردنية الإسرائيلية؛ إلا أن الاتجاه العام والمناخ داخل مؤسسات الكيان الصهيوني والساحة السياسية تذهب نحو تأزيم العلاقة، مُفقدة اللغة الدبلوماسية معناها ومغزاها.

ملفات التازيم تتراكم واحد تلو الآخر بين الكيان الإسرائيلي والأردن؛ بدأ بملف قتل مواطن أردني في السفارة الإسرائيلي في عمان العام 2017، مرورا بملف الغمر والباقورة والرعاية الهاشمية للقدس، وليس انتهاء بملف مرعي واللبدي. فملف المياه وناقل البحرين بات في مهب الريح بعد أن أعلن الكيان الإسرائيلي توقيع عقود لإنشاء محطات لتحلية مياه البحر المتوسط بالقرب من سوريك، متخليا عن محطات التحلية على البحر الأحمر التي سيستفيد منها الأردن، بحسب ما كشف عنه الوزير الأردني السابق للمياه الدكتور حازم الناصر، إلى جانب تهديدات مبطنة بتحميل الأردن أعباء مالية كبيرة في حال التراجع عن اتفاقية استيراد الغاز تمتد إلى العلاقات الأردنية الأمريكية.

الأزمات المتراكمة والمسار المتدهور في العلاقات الدبلوماسية الأردنية مع الكيان الإسرائيلي تطرح تساؤلات كثيرة، وتفتح الباب لسيناريوهات عديدة حو مسار العلاقة المستقبلي؛ إذ لا زالت أزمة اعتقال مواطنين أردنيين تتفاعل بقوة في الساحة الأردنية لترسم معالم العلاقة مع الكيان الإسرائيلي. فإعلان عمّان القبض على إسرائيلي عبر الحدود إلى الأردن بطريقة غير شرعية يكشف عن أضرار جسيمة لحقت بقنوات التواصل الدبلوماسي والأمني، فهل تغيرت لغة الحوار وبتنا أمام مشهد جديد يعلن فيه الأردن عن اعتقال إسرائيليين؛ وعن عمليات تهريب من الجانب الإسرائيلي لا تختلف عن تلك التي يعلن عنها الكيان، خصوصا أن الكيان الإسرائيلي يمتلك مافيا قوية ونافذه بلغ صيتها الافاق من أمريكا اللاتينية إلى أوروبا فآسيا والفلبين؟ هل أخذت اللغة الدبلوماسية بالتلاشي وبتنا على أبواب لغة وخطاب جديد عبر عنه وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في مؤتمر دول عدم الانحياز في باكو، عاصمة أذربيجان، عندما وصف الممارسات الإسرائيلية بالاستعمار الإسرائيلي للضفة الغربية؟

ختاما: أسئلة كثيرة سيكون من المبكر الإجابة عنها، إذ إن العلاقة بين الكيان الإسرائيلي والأردن دخلت نفقا ضيقا ومظلما، وهو مسار جديد يصعب التكهن بمآلاته.

التعليقات (0)