قضايا وآراء

وجهة نظر أخرى حول حرب أكتوبر

سيد أمين
1300x600
1300x600

ونحن نعيش أجواء انتصارات الماضي في جو من انتكاسات الحاضر، لم يعد خافيا على أحد أن ما تحقق من انتصارات في تشرين الأول/ أكتوبر 1973، بسواعد الأبطال من جنود وضباط وجبهة شعبية عربية واسعة ومتلاحمة امتدت من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي، تحول بقدرة يد مقتدرة إلى هزيمة نكراء في النتائج، وبدلا من أننا كمصريين نكون قد حررنا سيناء، اكتشفنا أن إسرائيل هي من تحكم القاهرة ذاتها. من هنا بدت تتردد الكثير من الأقاويل حول تلك الحرب التي لا نؤكدها ولا نكذبها، ولكننا بحاجة ماسة لقتل "الفأر" الذي يلعب في عب البعض منا نحوها، ويجعلهم يحملون وجهة نظر خاصة بهم عنها.

اكتشفنا ذلك عقلا ونقلا، بدءا من محاضرة آفي ديختر، رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي، في معهد أبحاث الأمن القومي التي نشرتها صحف إسرائيلية عام 2009، حول موقف إسرائيل من انفجار أي ثورة في القاهرة تطيح بنظام الكنز الاستراتيجي، مبارك، وقوله نصا "إن إسرائيل لن تقبل بذلك أبدا حتى لو اضطرت إلى الكشف عن وجود سرايا عسكرية سرية لها بالقرب من القاهرة وإجهاض الثورة عسكريا"، وانتهاء بادعاءات إسرائيلية تقولها علنا بأن الحرب كانت انتصار عسكريا إسرائيليا وليس مصريا (1).

شهادات موجعة

ولذلك ذهب البعض بخياله بعيدا وتصور أن هناك مؤامرة كبرى، تضخمت فرسمت حربا حقيقية، ترضي المصريين في شكلها العام المباشر وهو النصر، وترضي الكيان الصهيوني بالنتائج، وساقوا العديد من الشواهد التي قد تفضي إلى ذلك، ودللوا على ذلك بما أعلنته صفحة إسرائيل بالعربي على فيسبوك عام 2016 بأنها علمت بقرار السادات بتطوير العبور من خلال نقل القوات المخصصة لتأمين منطقة الدفرسوار إلى شرق القناة وقت اتخاذه. والسؤال من نقل إليها هذا القرار الذي أصر عليه السادات، رغم اعتراض القيادة العليا للقوات المسلحة وعلى رأسهم الفريق سعد الدين الشاذلي، معللا ذلك بأنه إذا خرجت القوات خارج مظلة الدفاع الجوي المصرية فستصبح هدفا سهلا للطيران الإسرائيلي، وهو ما حدث فعلا، علما بأن هذا القرار غيّر مسار الحرب ونتائجها (بشهادة السادات نفسه)، حيث أنقذ حياة عشرة آلاف جندي إسرائيلي، واستهان بحياة سبعين ألف عسكري مصري (ضباط وجنود)، كثير منهم قضى نحبه.

أيضا هناك ما أعلنه محمد حسنين هيكل ووزير الخارجية الأمريكي هنري كسينجر في الثمانينيات؛ بأن السادات أبلغ الأمريكان عشية السادس من أكتوبر "منفردا" بعدم نيته تطوير الهجوم والتوغل في سيناء، ما أدى إلى تكثيف هجوم الجيش الصهيوني على حلفاء مصر في جبهة الجولان السورية وإلحاق الهزيمة بهم.

وهناك شهادة للفريق عبد المنعم خليل، قائد الجيش الميداني الثاني، والتي قال ما معناه أنه في صباح يوم 16 تشرين الأول/ أكتوبر وصلته أنباء تفيد بتسلل سبع دبابات للعدو غربا من عند منطقة الدفرسوار، ولم يصدق نفسه ساعتها، بعد النصر الكبير الذي حققوه ابتداء من يوم 6 و7 و8 تشرين الأول/ أكتوبر 1973 إلى فترة الوقفة التعبوية (التي طالت بلا داع) مرورا بقرار تطوير الهجوم شرقا، والذي جاء بأوامر من الرئيس السادات شخصيا، وكان قرارا سياسيا محضا ولم يكن عسكريا في شيء، ما تسبب في تدهور الموقف، ابتداء من ليلة 13 حتى صباح 16 تشرين الأول/ أكتوبر فقد كان الموقف حرجا (2).

وهناك شهادات موجعة للفريق سعد الشاذلي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، والمؤرخ العسكري جمال حماد، وآخرين كثر، تحمل ألغازا حول تعامل السادات مع الحرب.

ثم جاء مؤخرا فيلم "الملاك" الشهير الذي تؤكد فيه إسرائيل بأن "أشرف مروان"، زوج ابنة عبد الناصر كان عميلا لها، وأنه هو من قد زودها بتفاصيل ووقت الهجوم. وعلامة الاستفهام هنا أن مروان كان صديقا مقربا جدا وموثوقا من "السادات"، حتى أنه عينه المستشار السياسي والأمني له!!

كما أنه قد يبدو عاديا في دولة كمصر أن يبقي بطل النكسة في الحكم، وأن تطالبه الجماهير باستكمال المهمة، لكن اللافت المدهش حقا أن إسرائيل، وهي كيان يمتاز بالتعددية السياسية، (داخل الطائفة اليهودية) لم تعاقب موشيه ديان، رئيس أركان جيشها، الذي من المفترض أنه هُزم في الحرب، بل رقته بعدها إلى وزير للخارجية ليبلور اتفاقية السلام مع السادات بعد ذلك!!

علامات استفهام!!

ومن غير المستساغ أن نعزو سبب ضعف جيش الاحتلال في سيناء في يوم العبور، إلى انشغالهم بالاحتفال بعيد الفصح اليهودي؛ لأنه لو كان الأمر كذلك لحرر الفلسطينيون بلادهم في أي عيد فصح سابق بنفس الطريقة، ولأصبح من قواعد شن الحروب في العالم عامة هو التوافق مع أيام أعياد الخصم، فضلا عن أن هذا العيد أساسا هو لتخليد ذكرى "الخروج من مصر" وظلم فرعونها وصمود اليهود في وجهه، ما يعنى أن قتال المصريين في هذا اليوم أمر محمود.

كما أنه من المثير للخزي أن تقوم القوات الإسرائيلية عقب التوغل في غرب القناة بعد أحداث "الثغرة"، وإغلاق طريق مصر السويس، وتدمير كل وحدات الجيش التي صادفتها، بعمل حيلة لأسر أكبر عدد من الجنود المصريين لمقايضتهم بأسراهم الذين أسرتهم السرية المضادة للدبابات، ومنهم قائد الفرقة "119 مدرعات" الإسرائيلية، عساف ياجوري، في ثالث أيام الحرب.

تضمنت الحيلة (بحسب شهادات حية لمن خاضوا الحرب) بأن توجهت سيارات نقل مصرية، تقل جنودا صهاينة يرتدون ملابس مصرية، إلى "نقاط الشاردين"، التي أنشئت من أجل تجميع ضحايا "الثغرة" على غرار ما حدث في النكسة، ثم يدعي هؤلاء الجنود الجواسيس بأنهم كلفوا بنقل زملائهم في تلك المواقع إلى مواقع بديلة وقسموهم إلى مجموعات طبقا لكشوف كانت بحوزتهم، ثم قاموا بنزع السلاح منهم في الطريق بدعوى التأمين، ثم اقتادوهم إلى صحراء النقب كأسرى، وقد أسر بتلك الطريقة آلاف الجنود بسهولة ويسر. والسؤال: من أخبر الصهاينة بأماكن نقاط الشاردين، ومن أعطاهم كشوف الأسماء؟

ومن دلائل تحول الانتصار إلي هزيمة بعد أيام من انطلاق الحرب هو عقد مفاوضات الكيلو 101، بين مصر وإسرائيل بإشراف الأمم المتحدة، للوصول إلى تحديد خطوط وقف إطلاق النار. ولمن لا يدري، فالكيلو 101 يقع بالقرب من مدينة العاشر من رمضان حاليا، على مشارف القاهرة، وهي آخر نقطة وصلت لها القوات الإسرائيلية في الثغرة.

الأديب الكبير يوسف إدريس طرح أيضا في مقال قديم منسوب له نشرته صحيفة عكاظ الكويتية في تموز/ يوليو 1983، تساؤلات مهمة كان ملخصها تأكيده باستحالة أن تكون ثغرة الدفروسوار هي نتاج عمل 24 ساعة من قبل العدو الصهيوني، متسائلا كيف يمكن لهذه القوات عبور غرب القناة وإنشاء طريق مرصوف، مع أن إحداث طريق في أسوان يربط بين ضفتي النيل بهذه الكيفية يستغرق شهورا، وقناة السويس هي أعرض وأعمق من النيل! معبرا عن خوفه من أن تكون الثغرة قد أنشئت قبل بدء حرب أكتوبر نفسها، لاستخدامها إعلاميا في تلك اللحظة وتمرير وضع ما (كامب ديفيد).

جاءت تلك التساؤلات أيضا في كتابه "البحث عن السادات" الذي مُنع من النشر داخل مصر، والذي قام العقيد الليبي "القذافي" بطباعته بعد ذلك.

الجانب الآخر

وعلى الجانب الآخر، فإن مواسم حرب أكتوبر تقترن هناك في إسرائيل بالانتقادات الحادة للجيش حول تقاعس الجيش الصهيوني عن صد الهجوم في بداياته، وليس نهاياته، رغم توقعه المسبق بالحرب، ما وفر دماء نحو ألفي قتيل صهيوني، بل إن صحف عبرية طالبت مؤخرا صراحة بضرورة الاحتفال بانتصارات أكتوبر.

وها هو بيني غانتس، أول رئيس أركان حرب بعد تلك الحرب، يؤكد بشكل قاطع أن "حرب تشرين/ أكتوبر بدأت كوسيلة دفاعٍ لصد العدو، وتحولت، فيما بعد إلى انتصار كبير للجنود"، فيما يصفها المعلق الإسرائيلي يسرائيل هرئيل، في مقاله له في صحيفة "هآرتس" في أواخر أيلول/ سبتمبر 2017 بأنها "كانت انتصارا غير مسبوق".

أما ليغال كيبنس فنشر في كتابه "الطريق إلى حرب" وثائق تثبت أن السادات حاول أن يتوصّل إلى استسلام منذ تولى السلطة، والتسليم بإخراج مصر كليّا من الصراع العربي الإسرائيلي.

الشهادات هنا وهناك كثيرة، وقطعا نتمنى لجيش مصر الانتصار في أي حرب ضد أي معتد، لا سيما الكيان الصهيوني، لكنها فقط تساؤلات تجول في الأذهان حول أسباب تحول حرب من المفترض أننا كسبناها إلى هزيمة!

لا يمكن تخبئة ضوء الشمس.

التعليقات (2)
سليم الجزائري
الخميس، 10-10-2019 02:43 م
مقياس النصر في اي حرب كانت هي خاتمتها , واذا كانت مصر ترى نفسها انتصرت في ت لك الحرب لقلت ان المانيا النازية بقيادة هتلر هي اكبر منتصر في هذا القرن.
محيى الدين غريب
الخميس، 10-10-2019 10:02 ص
??من كتلب "هكذا تكلمنا" لسنة 2008 أكتوبر 1973 فرحة مع وقف التنفيذ يوم أغرقت العيون بدموع الفخر والاعتزاز ولمعت بدموع الأمل ، كم كنا نود أن نهنأ فرحة الانتصار ونحن فى أحضان وطننا الأم. يوم إنتظرناه طويلا منذ سنوات حبست فيها الأنفاس ، كنا على يقين منذ نكسة 67 أنه سيأتى هذه اليوم رغم المصاعب والتحديات. وكانت حرب الإستنزاف دليل قاطع على قوة العزيمة ومدى الإصرار. مرت الايام القليلة الاولى ونحن فى خوف من أن نطلق لفرحتنا العنان ، فكان الخوف والحسرة يتوريان خلف دموع الفرح ، فعبرة نكسة 67 لاتزال تقرع آذاننا ومازلنا متأثرين بجراح الهزيمة وتلك الأيام العصيبة. كان التوجس والقلق يملآن وجوهنا كلما تتابعت الاحداث ، وكان التربص والشك يلمعان فى نظرات المجتمع حولنا مما كانوا يتعاطفون مع أسرائيل وما أكثرهم هنا. ورددت جميع الصحف الغربية بأن الغرب لن يسمح لمصر إلا بنصر سياسي محدود. ثم تمهلت دموع الفرح فى انحدارها عندما أعلن الرئيس أنور السادات "أن حرب السادس من أكتوبر هى معجزة عسكرية على اى مقياس عسكرى". ثم تجمدت دموع الفرح فى مرقدها عندما أخفقت القيادة المصرية وحدثت الثغرة ليبدأ تطويق الجيش الثالث من القوات المصرية. واكتفينا كما تعودنا ربما بنصر سياسي محدود.

خبر عاجل