قضايا وآراء

عندما صار عادل عبدالمهدي (وسطانيا) بين مقتدى والعامري!

هارون محمد
1300x600
1300x600

في العراق، ثمة مثل دارج يمثل نصيحة، وربما تحذيراً أيضاً، يقول: لا تضع نفسك وسطا أو (وسطانيا) كما تلفظ شعبياً، بين اثنين، لأنك ستكون رهينة في أيديهما، وأسيراً لرغباتهما، والمثل ينطبق، تماماً، على حالة رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي، الذي وافق على عرض تقدم به زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ورئيس تحالف (الفتح) هادي العامري، في نهاية العام الماضي، لتشكيل حكومة جديدة تخلف حكومة حيدر العبادي السابقة، من دون أن ينتبه إلى أنهما ورطاه في تولي مهمة، هو أصلا غير قادر على النهوض بها، وسط صراعات شيعية ـ شيعية، للحصول على مزيد من المكاسب والامتيازات.

 

تفاهم بطعم الهزيمة

وكما تبين، لاحقاً، فإن الصدر والعامري، وبعد إخفاق كتلتيهما في انتخابات أيار (مايو) 2018، في تكوين ما سمي بـ(الكتلة الأكبر)، التي تحتاج إلى مقاعد نيابية بحدود (165) مقعداً، من أصل 329 من مقاعد البرلمان، اضطرا إلى التفاهم بينهما، وتجاوز خلافاتهما، واختارا عبدالمهدي، لعديد أسباب، منها أنه ضعيف شخصياً وسياسياً، ولا يستند إلى حزب يقف معه، ولا كتلة نيابية تسنده، وهو في أدائه في المناصب التي شغلها، عقب احتلال العراق في 2003 نائباً لرئيس الجمهورية ووزيراً لوزارتي المالية والنفط، كان أشبه بموظف في المجلس الأعلى، الذي كان ينتسب إليه سابقاً، ينفذ تعليمات رئيس المجلس عبدالعزيز الحكيم، ومن بعده ابنه عمار، قبل أن يغادر الأخير، رفاق والده وعمه، ويشكل تيار الحكمة.

 

من المفارقات المضحكة في المشهد السياسي العراقي، أن يظهر رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، على شاشات التلفزة ويقسم بأغلظ الأيمان أن الشهداء المتظاهرين، لم يقتلوا برصاص الحكومة،


وحتى يبقى عبدالمهدي رهين محبسي مقتدى والعامري، فقد اتفق الأخيران على تشديد العزلة عليه، ومنعاه من اتخاذ قرارات لا تتوافق مع توجهاتهما، فعمد الأول إلى اختيار أحد مساعديه ويدعى (حميد نعيم الغزي) وهو مسؤول سابق لمليشيا "سرايا السلام"، في مدينة الناصرية، وعيّنه أميناً عاماً لمجلس الوزراء، فيما عيّن الثاني، رفيقاً قديماً له في "مليشيا بدر"، منذ سنوات هروبهما إلى إيران في ثمانينيات القرن الماضي، واسمه محمد عبدالرضا، ويلقب بـ (أبو جهاد الهاشمي) نسبة إلى مسقط رأسه: مدينة الهاشمية بين الحلة والديوانية، مديراً عاما لمكتب رئيس الحكومة. 

ووفقاً لهذا الترتيب الصدري البدري المحكم، بات الثنائي الغزي والهاشمي هما اللذان يُديران مجلس الوزراء، ويُعدّان جدول أعماله، ويتناوبان على إصدار قراراته، وباتت لهما صلاحية الاتصال بالوزراء على انفراد، وتوجيههم بما يحقق رغبات الصدريين والبدريين، ولعل أبسط مثال صارخ على تدخل الإثنين في عمل الوزراء، منعهما وزير الصحة السابق علاء العلوان من مقابلة عبدالمهدي، وإيضاح ما يتعرض له من ضغوط ومتاعب ومساومات، لتعيين 7000 من أنصار الطرفين في وزارته، واستقطاع نسبة 20 بالمائة من عقود الوزارة واستيراداتها لمصلحتهما، الأمر الذي دفع الوزير إلى الاستقالة من منصبه ومغادرة العراق إلى عُمان حزيناً ساخطاً.

 

التظاهرات واللجوء إلى المرجعية

وعندما بدأت حركة التظاهرات الشعبية، التي انطلقت في الأول من الشهر الحالي، تتسع في بغداد وخصوصاً في شرقي العاصمة، حيث الكثافة السكانية الشيعية، وفي محافظات الجنوب، والفرات الأوسط، وسقط أكثر من 130 شهيداً في أسبوعها الأول فقط، تحرك عادل عبدالمهدي وأجرى اتصالات مع نجل المرجع السيستاني السيد محمد رضا، يستأذن المرجعية في تقديم استقالته، احتجاجاً على عدم تقيدّ القوات العسكرية والأمنية، وفصائل الحشد الشعبي، بتعليماته الخاصة، التي أصدرها بصفته القائد العام للقوات المسلحة، الداعية وفقاً لما ينقل عنه، بتجنب استخدام القوة المفرطة، والرصاص الحي ضد المتظاهرين، تحرك في المقابل مقتدى الصدر وهادي العامري، وتعاونا سوية على قطع الطريق عليه ومنعه من تقديم استقالته، ليس حباً به أو حرصاً عليه، وإنما لجعله كبش فداء، والتضحية به، إذا تصاعدت التظاهرات، عقب انتهاء الزيارة الأربعينية الحسينية، ويظهر الصدر والعامري، حيئذ، وكأنهما استجابا إلى مطالب المتظاهرين في استقالة الحكومة.

 

ليس من السهل في ظل الأوضاع الراهنة، أن يقبل الشارع الشيعي المحتقن، بشخصية تقليدية من داخل العملية السياسية، ترأس حكومة جديدة تخلف حكومة عادل عبدالمهدي، التي لم تُكمل عامها الاول.


ولعلها من المفارقات المضحكة في المشهد السياسي العراقي، أن يظهر رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، على شاشات التلفزة ويقسم بأغلظ الأيمان أن الشهداء المتظاهرين، لم يقتلوا برصاص الحكومة، وكأن أشباحاً نزلوا من الفضاء، وحصدوا أرواح العشرات، وأصابوا المئات، في حين تعج وسائل التواصل، والشبكات الإخبارية، بعشرات صور القناصين، وهم ملثمون ويرتدون بدلات عسكرية مرقطة، على أسطح المباني المحيطة بساحة التحرير، والفنادق في ساحة الأندلس، في حين كانوا يحتمون بالمصفحات والمدرعات، في مواجهة متظاهري مدينة الثورة، ومناطق الحبيبية والبلديات وقناة الجيش وساحة الفلاح.

 

أزمة سياسية في الأفق


وإذا صدقت تنبؤات صحيفة (الأندبندت) اللندنية، نهاية الأسبوع الماضي، بأن الصدر والعامري، اللذين، التزما الصمت إزاء التظاهرات، واكتفى مقتدى بتغريدات (شعاراتية)، توصلا إلى ضرورة ترحيل حكومة عبدالمهدي، خلال الأيام القليلة المقبلة، فإن أزمة سياسية جديدة ستطل برأسها على المشهد السياسي المضطرب أصلاً، وليس من السهل في ظل الأوضاع الراهنة، أن يقبل الشارع الشيعي المحتقن، بشخصية تقليدية من داخل العملية السياسية، ترأس حكومة جديدة تخلف حكومة عادل عبدالمهدي، التي لم تُكمل عامها الاول.

وبرغم أن اثنين من القيادات الشيعية: حيدر العبادي رئيس الحكومة السابق، وفالح الفياض مستشار الأمن الوطني، ورئيس هيئة الحشد الشعبي (الرسمي) ينشطان، حالياً، في الاتصال بالكتل النيابية، والأطراف السياسية، ويتطلعان إلى خلافة عبدالمهدي، إلا أن حظوظهما في رئاسة الحكومة المقبلة، تبدو خائبة، فالأول يواجه بمعارضة شرسة من فصائل الحشد، التي تتهمه بالعلاقة مع الأمريكان والانكليز، في حين ما زال الصدريون متمسكون بـ(الفيتو) على الفياض، ويصرون على عدم التعاطي معه.

وتأسيساً على ذلك، فإن الحركة الشيعية السياسية، التي حكمت العراق، منذ الاحتلال الأمريكي إلى يومنا الراهن، تمر، الآن، في مأزق شديد الوطأة، لا تستطيع الخروج منه، بعد أن أثبت أقطابها وقادتها، فشلهم في التحول إلى رجال دولة تقوم على القانون والنظام المؤسساتي، وعجزهم في قيادة حكومة نزيهة تتصدى للفساد، في حين لم يعد للمرجعية الشيعية في النجف، ذلك الدور المؤثر، الذي لعبته في السنوات السابقة، بعد انصراف جمهور شيعي واسع عنها، لافتضاح مواقفها المتذبذبة، في مساواة المتظاهرين السلميين مع أجهزة القمع الحكومية، بالإضافة إلى انشغالها بتنمية مواردها المالية، وتوسيع استثمارتها التجارية، حتى باتت، اليوم، امبراطورية لها أعمدتها وركائزها وأرصدتها ومؤسساتها داخل العراق وخارجه.

التعليقات (0)