قضايا وآراء

"داعش" والحشد غيّبا محافظات السنة عن التظاهرات الشعبية!

هارون محمد
1300x600
1300x600

بعد تجربة ساحات الاعتصام السلمية، التي شهدتها أجزاء من العاصمة بغداد ومحافظات الأنبار وديالى وصلاح الدين ونينوي وكركوك وشمال بابل، منذ نهاية العام 2012 حتى مطلع العام 2013، ووسائل الغدر والتنكيل، التي اتبعها رئيس الحكومة، وقتئذ، نوري المالكي، للإجهاز عليها، بالتواطؤ مع الحزب الإسلامي، دفعت الجمهور السني العربي إلى حالة من الإحباط، زادت من حدتها، الملاحقات الأمنية، والاعتقالات العشوائية، والممارسات الطائفية، مما اضطر الكثير من أبناء تلك المناطق والمحافظات إلى النزوح، ومغادرة ديارهم وبيوتهم، إلى إقليم كردستان وتركيا والأردن، والهجرة إلى خارج العراق، الأمر الذي أحدث فراغاً سياسياً واجتماعياً فيها، استغله تنظيم "داعش"، بالتخادم مع حزب الدعوة الحاكم، يومذاك، وتمكن من احتلالها بسهولة غير متوقعة، وسط تخاذل حكومي، وتساهل إيراني، وتجاهل أمريكي.

 

المادة (4 إرهاب)


ولم تكتف أجهزة المالكي وفرق الموت التابعة له، بمطاردة الناشطين المدنيين، والمثقفين ورجال الدين، وشيوخ العشائر، والعسكريين المتقاعدين، وشمولهم بالمادة (4 إرهاب)، التي لا تحكمها أطر قانونية، وعدّت كل سني عربي متهماً بها، حتى لو ثبتت براءته، وإنما شجعت التنظيم الإرهابي، على مد رقعة احتلاله، من دون أن تطلق على مقاتليه طلقة واحدة، لمنعهم من الامتداد والانتشار، والأمر نفسه حدث مع حكومة حيدر العبادي، التي في عهدها سقطت الرمادي مركز محافظة الأنبار.

 

أثار الهدوء الحذر، الذي تعيشه المحافظات السنية العربية، وهي المعارضة أصلاً، لحكومات الفساد والمحصصات، والمتحفزة دوماً، للانتفاض وإشعال الساحات، تساؤلات لدى كثير من المراقبين والمتابعين للشأن العراقي


وبرغم أن الاعتصامات السلمية، كانت حضارية في مسارها، وحافظت على سلميتها، فلم تقطع طريقاً، ولم تخرب منشأة، ولم تدمر مرفقاً، ولم تقتل جندياً، أو موظفاً حكومياً، إلا أن المالكي تعامل معها بقسوة مفرطة، وطائفية طاغية، وهو سلوك ينمّ عن تخلف وعنجهية، ويبدو أن هذا النهج المتطرف، هو الذي يتحكم في طبيعة قادة الأحزاب والكتل الشيعية، والدليل أن رئيس الحكومة الحالي عادل عبدالمهدي، يتبع النهج ذاته، ويقلد ممارسات المالكي، في التعاطي مع التظاهرات السلمية الحالية، في بغداد ومحافظات الفرات الأوسط والجنوب، سواء بالمواجهات المسلحة، التي لا مسوّغ لها، أم عبر عمليات القتل العمد، وحملات الاختطاف والاخفاء القسري.

وقد خلفّت سياسات المالكي المستبدة، وإجراءات داعش المتشددة، واحتلال فصائل الحشد الشيعي للمحافظات السنية، كماً هائلاً، من القلق والخيبة والانكفاء، في نفوس أبنائها، وهم يواجهون الاضطهاد والتهميش والإقصاء، بعد أن سُدت في وجوهم أبواب الرزق، مع تصاعد عمليات التدقيق الأمني ضدهم، ومنعهم من العودة إلى بيوتهم، وسلب ممتلكاتهم، الأمر الذي أشاع أجواء من الغُربة والشعور بالإهمال، لدى الجمهور السني، الذي وجد نفسه، يُعامل من السلطات الحكومية والأطراف الشيعية، بصفة مُذلة واستخفافية، كمواطنين من الدرجة الثالثة، ومما رفع من مستويات معاناتهم أن نوابهم ومحافظيهم وأعضاء حكوماتهم المحلية، تملكهم تردد وخوف، من ردود أفعال الحكومة والاحزاب والمليشيات الشيعية، التي ترفض أي شكل من أشكال العدل واسترداد الحقوق للبيئة السنية، وتعدّ دعوات انصافها، حتى تلك الفردية، التي صدرت من بعض النواب والمحافظين، نوعاً من العبث، قوبلت بسخرية وتهكم.

 

سر السكون

وقد أثار الهدوء الحذر، الذي تعيشه المحافظات السنية العربية، وهي المعارضة أصلاً، لحكومات الفساد والمحصصات، والمتحفزة دوماً، للانتفاض وإشعال الساحات، تساؤلات لدى كثير من المراقبين والمتابعين للشأن العراقي، وخصوصاً في الخارج، عن سر السكون، الذي يلف الانبار وصلاح الدين والموصل وديالى وكركوك، وعدم التحاقها بشقيقاتها الثائرات، محافظات الفرات والجنوب، من دون ان ينتبهوا إلى أن المحافظات السنية تعيش أوضاعاً مأساوية، فهي ما زالت تئن من آثار سياسات المالكي، التي دمرتها، ومن بعده العبادي، الذي استمر في اهمالها، وما زالت، ايضاً، تدفع ثمن احتلال تنظيم داعش لها، وتهمة (داعشي) الجاهزة، تلاحق أبناءها، حتى أولئك الذين تصدوا لمسلحي التنظيم، ودفعوا شهداء وضحايا، في المواجهات معه، وأخطر من هذا كله، انها خاضعة لسيطرة مليشيات الحشد، التي أمعنت في ايذاء سكانها، والحاق أضرار جسيمة بهم، تتمثل في مصادرة حقوقهم، وتكميم أفواههم، وسلب حرياتهم، وسرقة مواردهم.

ومن يتابع ما يجري في الموصل على سبيل المثال، يلحظ بوضوح، أن مليشيات الحشد هي صاحبة القرار فيها، حتى وصل الأمر بفصيل صغير منها يقوده النائب الشيعي، استرالي الجنسية، أحمد الأسدي، إلى فرض معلمة لا خبرات تربوية لديها، مديرة عامة لتربية المحافظة، التي تزخر بآلاف الأساتذة والعلماء والخبراء والمتخصصين، برغم أن وزير التربية بالوكالة قصي السهيل، رفض في كتاب رسمي، تعيينها، المخالف للقانون، ولكن إرادة الأسدي، هي التي مشت وسادت.

 

من يتابع ما يجري في الموصل على سبيل المثال، يلحظ بوضوح، أن مليشيات الحشد هي صاحبة القرار فيها


وفي محافظة ديالى، التي تتحكم بها مليشيات بدر وعصائب قيس الخزعلي، ما زال ربع مليون نسمة من سكانها النازحين، ممنوعون من العودة إليها، في وقت يعاني سكان المحافظة وغالبيتهم من السنة العرب، أوضاعاً كارثية، بعد أن استولت المليشيات الشيعية، على ممتلكاتهم ومزارعهم وبساتينهم، وحرمتهم من العمل والوظائف، وتصوروا أيضا، على سبيل المثال، أن مليشيات بدر، التي يقودها المحافظ مثنى التميمي، تمتلك جميع محطات الوقود في المحافظة، وتدير منفذ مندلي الحدودي مع إيران، وتشرف على مركز الصفرة التجاري على طريق كركوك ـ بغداد، وإيراداته اليومية وحده، وفقاً للجنتي الخدمات والنزاهة البرلمانيتين، أكثر من مليار دينار (مليون دولار)، علماً أنه محظور على السنة العرب العمل في تلك المحطات والمنافذ والمراكز.

أما محافظة صلاح الدين فان حاكمها العسكري العام هو ابو مهدي المهندس، القائد الميداني لقوات الحشد، يديرها ويستحوذ على مبيعات حقولها النفطية، التي تنتج 55 ألف برميل يومياً، وفق تقارير وزارة النفط، التي تلتزم الصمت أزاء هذا النهب المنظم، ويعاون المهندس في سرقاته، النائب عن صلاح الدين ومحافظها السابق، أحمد الجبوري (ابو مازن) ورئيس مجلس المحافظة علي الكريم، وشقيقه النائب السابق شعلان الكريم.

أما محافظة الأنبار، فإن عشرات الفصائل الشيعية تتواجد فيها، وتحكم سيطرتها عليها، وخصوصاً منافذها الحدودية مع سوريا والأردن والسعودية، التي يشرف عليها، موظفون ومحاسبون وحراس، من خارج المحافظة.

وبرغم الشدة التي يعيش تحت وطأتها سكان المحافظات السنية، وقيود العزلة والاهمال والتهميش، التي تسوّرهم، والملاحقات الطائفية التي تستهدفهم، إلا أن صبرهم بدأ ينفد، ولم تعد لهم طاقة على تحمل الظلم المليشياوي، واستمرار الاحتلال الحشدي، وباتوا يتطلعون إلى فرجِ آتِ، تلوح مقدماته في الأفق القريب، وعندها سيكون التحامهم مصيرياً، مع إخوتهم المتظاهرين، في تجسيد حي، لشعار (إخوان سُــنّة وشيعة.. هذا الوطن ما نبيعه) سياسياً واجتماعياً وميدانياً، وليس كما استغلته الطبقة السياسة الحاكمة، في المرحلة السابقة، للاستهلاك الدعائي والخداع الطائفي.

التعليقات (0)