هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للزميل في معهد أبحاث ترومان للسلام في الجامعة العبرية، والعالم المرتبط بمركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة باسكينت في أنقرة، الأكاديمي مايكل تانكام، يقول فيه إنه في وقت سابق من هذا الشهر تم الهجوم على قلب البنية التحتية للنفط في السعودية، ما اضطر أكبر مصدر للنفط في العالم لتخفيض الإنتاج إلى النصف، وهو ما يعد أكبر عملية تعطيل في التاريخ.
ويجد تانكام في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، أنه "مع أن الحوثيين الذين تدعمهم إيران أعلنوا مسؤوليتهم عن الهجوم المعقد، الذي شمل صواريخ كروز إيرانية وطائرات مسيرة، فإن مثل هذا الهجوم لا يمكن القيام به إلا تحت رعاية الحرس الثوري، وفي الغالب جاء من إيران أو من العراق، وحجم الهجوم يمثل مستوى جديدا من التصعيد الذي يبدو أنه يتحدى أمريكا بأن ترد، أو أن تغامر بخسارة موقعها بصفتها موفرة للأمن في المنطقة".
ويشير الكاتب إلى أن "استراتيجية الحرس الثوري، التي شرحتها في مقال سابق في مجلة (فورين بوليسي)، في حزيران/ يونيو، هي بالضبط لحصر أمريكا في هذا الخيار الثنائي: (إن لم تعترف أمريكا بدور إيران في الأمن البحري من خلال تقديم المحفزات مثل (التفاوض)، فإن الهجمات ستستمر، وإن حصل هذا فإن أمريكا ستكون في وضع يجبرها عليها إثبات أن قوة الحرس الثوري لا توازي صوتها العالي، من خلال نزع كمية كبيرة من إمكانياتها التي تستخدمها لحرمان (السفن من استخدام مياه الخليج) مثل بطاريات صواريخ كروز المنشورة على شواطئ الخليج، من خلال استخدام القوة العسكرية)".
ويقول تانكام: "يحسب لإدارة ترامب أنها إلى الآن لم تقع في الفخ، ويجب عليها تجنب الوقوع فيه، فإن كان هناك شيء يشير إليه الهجوم الجريء فإنه يشير إلى حقيقة مهمة: إيران تخسر حرب الاستنزاف مع أمريكا، وكما أن صبر أمريكا الاستراتيجي لم يكن متوقعا، فإنه لم يكن من المرجح أن يتفوق أحد على الحرس الثوري -الفنان في الحرب غير المتكافئة- في لعبته التي يتقنها، وهي القيام بهجمات يمكن إنكارها، وفي الواقع فإن موجة من الهجمات الغامضة التي لا يمكن تحديد الجهة التي قامت بها ضد أسلحة تخزنها المليشيات الشيعية في العراق تقوض المحاولات الإيرانية في بسط هيمنتها الإقليمية".
ويرى الباحث أن "إمكانية إيران عكس قوتها في قلب العالم العربي تعتمد على تمكنها من السيطرة على العراق، ودون الأخير فإنه ليس لإيران طريق إلى البحر الأبيض ولا للحدود السعودية، ومع ذلك فإنه منذ 19 تموز/ يوليو استهدفت خمس ضربات جوية على الأقل مخازن ذخيرة تابعة لمليشيات شيعية، تخزن فيها صواريخ إيرانية، ومع أنه لم يعلن أحد مسؤوليته عن العمليات، إلا أن الشك يحوم حول أمريكا وإسرائيل، ودعم مزعوم من دول مختلفة، تتراوح بين السعودية وأذربيجان، وبغض النظر عن المصدر فإن الهجمات استخدمت أسلوب إيران ذاته؛ وذلك لإحباط محاولاتها في بسط هيمنتها في الشرق الأوسط".
ويقول تانكام: "يظهر أن أمريكا (أو شريكاتها) قامت بشكل ذكي في حرب طويلة يمكنها أن تكسبها في الواقع، بالاستمرار في جعل إيران تخسر".
ويلفت الكاتب إلى أن "الحرب الطويلة تتجاوز الغارات الجوية الغامضة، فكل يوم تبقى العقوبات مفروضة فإن أمريكا تعمق حرب الاستنزاف دون أن تطلق رصاصة واحدة، وبعد أن سحب الرئيس ترامب أمريكا من الاتفاقية النووية الإيرانية العام الماضي، بدأت واشنطن بفرض عقوبات جزئية لمدة ستة أشهر ضد قطاع الطاقة الإيراني في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، وتسببت تلك العقوبات بخسارة طهران 10 مليارات دولار، ويتوقع صندوق النقد الدولي تراجعا بنسبة 6% في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2019".
وينوه تانكام إلى أن "إدارة ترامب بدأت في 2 أيار/ مايو في هذا العام سياسة (الضغط الأقصى)، التي بموجبها تراجعت مبيعات إيران من النفط، من 2.8 مليون برميل في اليوم في العام السابق إلى 200 ألف، وإذا أخذنا في عين الاعتبار الحظر على الصناعات البتروكيماوية وصناعة المعادن الإيرانية، فإن الاقتصاد الإيراني تحول من اقتصاد تحت الضغط إلى اقتصاد ينهار".
ويفيد الكاتب بأن "هذا كله، بحسب السياسة العلنية لأمريكا، بهدف إرجاع إيران إلى طاولة المفاوضات للتعامل مع عيوب تراها واشنطن في الاتفاقية النووية، وأهمهما هو أن أمريكا تعترض على أن الاتفاقية لم تضع قيودا على تطوير إيران لصواريخ بالستية قادرة على حمل رؤوس نووية، أو دعمها للمليشيات الشيعية في بلدان عربية ذات سيادة، وحتى تعود طهران لطاولة المفاوضات ستستمر واشنطن -ومعها حلفاؤها وشركاؤها- في حربها المتنوعة، محاولة إضعاف إمكانيات إيران من خلال خليط من الضغط المادي والضربات، التي لا يمكن تحديد من يقف وراءها؛ للتقليل من المكاسب التي حققتها إيران في هذين المجالين".
ويقول تانكام: "قد تنجح أمريكا، فبرنامج إيران الصاروخي مصدر قلق مشترك لأمريكا وحلفائها الأوروبيين، الذين لا يزالون موقعين على الاتفاق، وتتهم كل من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة إيران بخرق القرار 2331 الصادر عن مجلس الأمن، الذي يدخل الاتفاقية النووية في القانون الدولي، ويدعو إيران للتوقف عن تطوير صواريخ بالستية قادرة على حمل رؤوس نووية لمدة ثماني سنوات، وهذا الخلاف بين طهران وأوروبا وفر لأوروبا تبريرا للالتزام بعقوبات ترامب، وجعلها تدعم ضمنيا حرب الاستنزاف التي تشنها واشنطن على إيران".
ويشير الكاتب إلى أنه "في الوقت ذاته فإن المليشيات التي تحارب بالوكالة عن إيران تهدد أمن شركاء أمريكا في الشرق الأوسط -بالذات السعودية والإمارات وإسرائيل- وقد اقتطعت إيران لنفسها محيط نفوذ كبير باستخدام المليشيات الشيعية -المليشيات في العراق وسوريا وحزب الله في سوريا ولبنان والحوثيين في اليمن- التي تحيط بالسعودية وتشكل ممرا بريا من إيران حتى الحدود الإسرائيلية، وقد استمرت الهجمات على القواعد الرئيسية التابعة للحرس الثوري ومليشياته الوكيلة، بما في ذلك في الأنبار غرب العراق ومدينة بوكمال السورية مقابل معبر القائم الحدودي، التي تشمل مشاركة إسرائيلية وسعودية، وانضمت كل من السعودية والإمارات والبحرين لقوة الحماية البحرية التي تقودها أمريكا، وحتى أن الكويت الأكثر ترددا وحيادية تفكر في الانضمام".
ويلفت تانكام إلى أن "ثمن إمبراطورية المليشيات بالوكالة لإيران يقدر بـ 16 مليار دولار، تمولها إيران من دخلها من النفط، والتكلفة أكبر إذا ما أخذنا في عين الاعتبار المساعدات المادية والنفطية التي تقدمها إيران للأنظمة المتحالفة معها، فبحسب المبعوث الخاص لإيران، بريان هوك، فإن العقوبات جعلت إيران تخفض هذا العام نفقاتها العسكرية بنسبة 29%، كما تراجع مبلغ الـ 700 مليون دولار التي تحولها إيران لحزب الله، ما جعل الحزب يتبني سياسة تقشفية، حيث يدفع للمقاتلين المتزوجين نصف رواتبهم والعزاب أقل من ذلك".
ويقول الكاتب: "ليس غريبا إذن أن تكون إيران تحاول ما بوسعها تقويض سياسة الضغط الأقصى التي تمارسها أمريكا، ففي 12 أيار/ مايو قام الحرس الثوري بالإضرار بأربع سفن في مرفأ الفجيرة النفطي في الإمارات، وبعدها بأيام تم ضرب محطات ضخ تغذي أنابيب النفط السعودية، ومع أن الحوثيين أعلنوا مسؤوليتهم عن الهجوم، إلا أنه يبدو أن مصدره هو العراق".
ويفيد تانكام بأن "رسالة إيران كانت بسيطة: إن منعت هي من بيع نفطها فإنها ستمنع حلفاء أمريكا من بيع النفط أيضا، وقد تكون الهجمات رفعت من مستوى التوتر، لكنها لم تعطل نقل النفط".
وينوه الكاتب إلى أنه "في الفترة من حزيران/ يونيو حتى أيلول/ سبتمبر، قامت إيران وشركاؤها بهجمات معطلة أخرى، وكلها مصممة بحرص لتبقى تحت المستوى الذي يوفر تبريرا لتأييد دولي لأمريكا لمهاجمة الأراضي الإيرانية، وقامت بحرية الحرس الثوري بمهاجمة ناقلات نفط بألغام بحرية، وضعت أعلى من مستوى الماء لئلا تتسبب بغرق السفن، وقامت قوات الحرس الثوري بإسقاط طائرة تجسس أمريكية مسيرة، لكنها لم تهاجم الطائرة المرافقة التي يوجد فيها طاقم، وعندما كان الأمر ممكنا أنكرت إيران التورط المباشر".
ويقول تانكام إن "أمريكا استطاعت أن تبقي شركاءها في الشرق الأوسط وأوروبا متحدين، وبقي الالتزام العالمي بالعقوبات على إيران سليما ما عدا استثناء جزئي من الصين، التي قررت إدارة ترامب الدخول معها في حرب اقتصادية في الوقت ذاته، ويبدو أن الصبر الاستراتيجي الأمريكي أثبت أنه صفة رابحة".
ويجد الكاتب أنه "لكون ما تحمله إيران أوراقا خاسرة، فإنها حاولت أن تخلط الأوراق بهجومها الذي شنته في 14 أيلول/ سبتمبر على منشأة بقيق النفطية الضخمة وحقل نفط خريص، ولأن منشأة بقيق تقوم بتصنيع ثلثي النفط الخام، فإن الأضرار تسببت بانخفاض الإنتاج بمقدار ما بين 5 إلى 7 ملايين برميل في اليوم، وهو ما يعادل 5% من الإنتاج العالمي، وأرادت إيران تحرشا كبيرا بما يكفي لجر أمريكا إلى رد فعل قد يشعل نارا لا يقدر عليها حلفاء أمريكا في الخليج".
ويشير تانكام إلى أن ترامب قال ردا على الهجمات في تغريدة إن بلده "مستعدة وجاهزة"، وفي الوقت ذاته أظهر صبرا استراتيجيا عندما قال: "أنتظر أن أسمع من المملكة عمن يعتقدون أنهم سبب هذا الهجوم، وبناء على أي أسس سنتحرك"، لافتا إلى أن "الرياض بحكمة لا تسعى إلى رد، وفي الوقت ذاته تستمر الهجمات التي تستهدف القواعد التي تعود للحرس الثوري ووكلائه".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "لا تحتاج واشنطن أن تورط نفسها في فخ لا يمكن أن يأتي بانتصار، فقد وفرت طهران لواشنطن سببا مقنعا لتجميع قوة حماية بحرية في الخليج، وربما بقرار من الأمم المتحدة، ما سيسمح للدول المترددة مثل ألمانيا بالمشاركة، وإن قررت أمريكا أو عندما تقرر أن تهاجم منشأة إيرانية نفطية أو منشأة عسكرية، فإنه يجب أن يكون الهجوم غير معروف المصدر، وأن يكون أقل من أن يبرر لإيران الرد، وبذلك يمكن لأمريكا أن تعود للكسب بترك إيران تخسر حرب الاستنزاف".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)