قضايا وآراء

مستقبل العلاقة الأردنية ـ الإيرانية في ضوء النموذج القطري

1300x600
1300x600

لا يمكن تفسير التقارب المتسارع بين عمّان والدوحة دون النظر إلى التطورات الإقليمية المتسارعة في منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر؛ إذ تميز النصف الثاني من العام 2019 بتفكك وانهيار المحاور التي تشكلت على وقع الأزمة الخليجية (حصار قطر) والحرب اليمنية.

 

حاجة أردنية


فرغم أن الإنفراجة في العلاقات الأردنية ـ القطرية جاءت بمبادرة قطرية لمساعدة الأردن على تجاوز أزمته الاقتصادية؛ إلا أنها عبرت من حيث الجوهر عن حاجة أردنية عميقة لتنويع الخيارات السياسية والاقتصادية؛ وتجاوز سياسة المحاور وحالة الاستنزاف التي غرقت فيها المنطقة العربية وهددت مكانة الأردن ودوره السياسي كما هددت استقراره الداخلي.

توجه عززته الاستجابة السريعة وغير المتحفظة أو المشروطة لدولة قطر بتقديم نصف مليار دولار منحة مالية وتوفير عشرة آلاف وظيفة للأردنيين لمواجهة الأزمة الاقتصادية والتخفيف من آثارها في حزيران (يونيو) 2018؛ استجابة مثلت المدخل الأساس للتقارب الأردني ـ القطري بتقديمها مبررات موضوعية خاصة بالمملكة الأردنية تجنبها التجاذبات الإقليمية والصراعات البينية العربية.

 

مسعى قطري

الخطوة القطرية رغم أنها قوبلت بانفتاح أردني رسمي بطيء في النصف الثاني من العام 2018 إلا أنها امتازت بالتراكم والتسارع في الربع الثاني من العام 2019؛ متأثرة بعدد كبير من العوامل أبرزها تراجع الضغوط الإقليمية على المملكة الأردنية؛ وتفكك والمحاور الإقليمية وتبخر التحالفات التي رافقت اندلاع أزمة حصار قطر؛ مسألة عكسها تحول كثير من الدول المنخرطة في أزمات الإقليم من سياسة الهجوم والضغط إلى سياسة دفاعية قائمة استعدادا وتقبلا لعمليات إعادة هندسة التحالفات والمحاور والتي تعززت نتيجة الإرباك المتولد عن الانتخابات الإسرائيلية مضعفا مكانة نتنياهو؛ والأهم أنها تزامنت مع الاستعدادات المقلقة للانتخابات الرئاسية الأمريكية والتي يتم الإعداد لها على وقع أزمة اقتصادية متوقعة في الولايات المتحدة تضعف فرص الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في البقاء في السلطة وتزعزع من مكانة حلفائه وشركائه في الإقليم. 

حقائق ومتغيرات انعكست على شكل تسارع مطرد وعلني في تطوير العلاقات بين عمّان والدوحة إذ بات من الواضح أن الأسبوع الأول من شهر أيلول (سبتمبر) من العام الحالي 2019 كان احتفاليا بكل ما تعنية الكلمة بهذه العلاقة؛ فاستقبلت عمّان رئيس هيئة الأركان القطرية المشتركة الفريق الركن (غانم بن شاهين الغانم) بحفاوة وبمراسم رسمية كان على رأسها رئيس هيئة الأركان الأردنية اللواء يوسف الحنيطي.

 

لم يعد خافيا على أحد أن العلاقات الأردنية ـ القطرية تسير باتجاه التقارب والتنسيق على مختلف المستويات


وشهدت العاصمة عمّان في ذات الوقت افتتاح مقر جديد للخطوط الجوية القطرية بحضور ثلاث من الوزراء الأردنيين على رأسهم وزير النقل ووزيرة السياحة ووزير التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي؛ كما أعلن عن زيارة وفد رياضي أردني ممثل بالمنتخب الوطني لإجراء تدريبات وخوض مباريات ودية مع نظيره القطري ليتوافق الاعلان مع كشف قطر عن شعارها لبطولة كأس العالم لكرة القدم التي ستعقد في قطر 2022.

لم يعد خافيا على أحد أن العلاقات الأردنية ـ القطرية تسير باتجاه التقارب والتنسيق على مختلف المستويات إذ لم تقتصر على الجوانب الاقتصادية بل امتدت نحو العسكرية والثقافية والسياحية إذ وقعت البلدان اتفاقية للتعاون العسكري في نيسان (أبريل) من العام الحالي 2019؛ وهي تتجه بشكل واضح نحو مزيد من تنسيق الجهود في المحافل الدولية متحررة من الضغوط الناجمة عن المحاور الإقليمية المتصارعة .

توجه أردني بات سياسة عامة لا تقتصر على دولة قطر؛ فالمملكة الأردنية تنزع نحو الانفتاح على تركيا وتتجه إلى توقيع اتفاق إطار اقتصادي يحل محل الاتفاقية الملغاة بين البلدين كما تنزع نحو التعاون في العديد من المجالات كالنقل والسياحة؛ وتتجه نحو الانفتاح على العراق ومكوناته السياسية اقتصاديا وسياسيا؛ وتترقب التغيرات المرتقبة في العلاقة الأمريكية الإيرانية خصوصا في ظل الوساطة الأوروبية (الفرنسية الألمانية) بما يسمح بفتح الأبواب للانفتاح على طهران.

فالانفتاح على إيران لم يعد يمثل معضلة، خصوصا أن دول الخليج العربي عامة تملك علاقات قوية مع طهران وعلى رأسها أبو ظبي التي وقعت اتفاقات تنظم العمل في الممرات البحرية مع طهران؛ كما تملك دبي علاقات اقتصادية وثيقة مع طهران في حين تملك سلطنة عمان علاقات مميزة تشمل مد خطوط أنابيب الغاز الإيرانية وتطوير الموانئ في حين تتعاون طهران في مجالات متعددة  ومتنوعة مع  الكويت وقطر.

 

المملكة الأردنية تنزع نحو الانفتاح على تركيا وتتجه إلى توقيع اتفاق إطار اقتصادي يحل محل الاتفاقية الملغاة بين البلدين


الأردن أمام هذا المشهد الواقعي يتبع مع طهران سياسة الترقب والانتظار أسوة بالنموذج القطري؛ إذ تترقب عمّان مزيدا من التغيرات في المحاور الإقليمية والتحالفات التي تعاني من السيولة والتبخر وسرعة التغير على وقع الأزمات في الإقليم وعلى وقع التحولات السياسية الكبرى المتوقعة في القارة الأوروبية والولايات المتحدة التي تشهد انتخابات وحراك سياسي داخلي يوحي بتراجع القوى اليمينية والشعبوية.

ترقب يقود الأردن نحو اتباع سياسة متحفظة وبطيئة ولكنها قابلة للتسارع كحال العلاقة والتقارب مع دولة قطر الذي تسارع على وقع التحولات الدولية والإقليمية؛ تحولات تفتح الباب للمملكة للتعامل مع مصالحها وقوى الإقليم بمرونة عالية في المرحلة المقبلة وإيران لا تعد استثناءا في حال انفتاح الولايات المتحدة والقوى الغربية على طهران.    

التعليقات (0)