لهذه الأسباب تراجع السيسي عن الصدام مع الأزهر

حذر سياسيون ومختصون مصريون من مبادرة "جمع الشمل" التي طرحها مستشار رئيس نظام الانقلاب العسكري للشؤون الدينية، أسامة الأزهري، لإنهاء الخلاف الدائر بين مؤسسة الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، التي وصلت لحد القطيعة بين الشيخ والوزير.

وأكد المختصون الذين تحدثوا لـ"عربي21" أن المبادرة أشبه "بالسم الذي يوضع في العسل"، حيث تعمل المبادرة التي أطلقها الأزهري قبل أيام على المساواة في المكانة والمنزلة بين الأزهر الذي يمثل المؤسسة الدينية العريقة والمستقلة، وبين وزارة الأوقاف التي تعد مؤسسة حكومية.

وكان الأزهري وصف مبادرته بأنها حظيت بموافقة وزير الأوقاف ومفتي الديار المصرية، وأن الكرة أصبحت الآن بملعب شيخ الأزهر، موضحا أن المبادرة كانت بدعوة من الوزير لنشر روح التآخي، وتوحيد الرؤى الدينية بين كافة المؤسسات.

وحسب بيان أصدره الأزهري، فإنه تقدم مع قيادات المؤسسات الدينية بالمبادرة لشيخ الأزهر، باعتبار أن الجميع من أبناء الأزهر وجنوده ورجاله، ويعملون تحت مظلته، وأنه يجب أن تتضافر جهودهم لمواجهة الإرهاب بمختلف صوره، بدءا من الإخوان وانتهاء بداعش، على حد وصفه.

تحذير من الصدام

من جانبه، يرى الباحث بشؤون التنظيمات الدينية عبد الله حمادي مبادرة الأزهري بأنها "انعكاس لشدة الأزمة التي تشهدها المؤسسات الدينية الرسمية بمصر، كما أنها تشير إلى أن هناك هدفا بوضع شيخ الأزهر في مربع، وباقي المؤسسات مثل الأوقاف ودار الإفتاء بمربع مقابل، كما أن إعلان الأزهري أن المبادرة كانت بدعوة من وزير الأوقاف، محاولة أخرى لإظهار الشيخ بأنه سبب الأزمة، وليس الوزير الذي يمثل الدولة".

ويضيف حمادي لـ"عربي21" أن توقيت طرح المبادرة له دلالة كذلك، "حيث تم طرحها بالتزامن مع التعديلات الدستورية، وتوسع الحديث قبل تقديمها للبرلمان عن تعديل المواد الخاصة بالأزهر، وطريقة اختيار شيخه، وأحقية رئيس الجمهورية في عزله، إلا أن التعديلات التي تم تقديمها لم تشهد هذه المواد"، ما أثار جدلا عن أسباب تراجع نظام السيسي عن المواجهة الدستورية مع شيخ الأزهر بهذا الشكل المفاجئ.

وكشف حمادي عن وجود معلومات متداولة في الأوساط القريبة من هذا الملف، بأن قياسات الرأي العام التي أجرتها الأجهزة المعنية قبل طرح التعديلات الدستورية، حذرت السيسي من الإقدام على الدخول في صدام مع شيخ الأزهر، نتيجة الدعم الشعبي الذي حصل عليه الأخير، بعد كلمته الشهيرة في احتفالات المولد النبوي الشريف قبل ثلاثة أشهر، التي أحرج فيها الطيب كلا من السيسي ووزير الأوقاف فيما يتعلق بقضية تجديد الخطاب الديني.

ووفقا لرأي الباحث بالتنظيمات الدينية، فإن "ما يحدث هي محاولة لتحييد موقف الأزهر في قضية التعديلات الدستورية، خاصة أن حالة الاحتقان الموجودة لم تعد بين السيسي والشيخ، وإنما أصبحت بين السيسي وبين علماء ومشايخ الأزهر، وفي حالة الإقدام على أي خطوة ضد استقلالية الأزهر، فإن الصدام كان قادما لا محالة بين الطرفين، وفي هذه الحالة فإن السيسي سوف يخرج منها خاسرا وليس رابحا، على عكس صراعاته مع المؤسسات الأخرى".

مواجهة غير مباشرة

من جانبه، يؤكد الباحث السياسي أسامة أمجد لـ"عربي21" أن نظام السيسي يسير في الأزمة الدائرة مع الأزهر بطرق غير مباشرة، لأنه عمليا فشل في الصدام المباشر مع الأزهر طوال السنوات الماضية، وفي كل أزمة يخرج الشيخ منتصرا على الرئيس، سواء في الحرب الإعلامية وحملات التشويه التي قام بها إعلاميون مقربون من النظام، مثل محمد الباز وعمرو أديب، أو في الحرب السياسية بين الطرفين في قضية تجديد الخطاب الديني، وأخيرا في التعديلات الدستورية".

وعن شكل هذه المواجهات غير المباشرة، يشير الباحث السياسي إلى أنها "تتنوع بين حملات التشويه للشيخ الطيب، وإبعاد الشخصيات ذات التأثير، والتي كانت تمثل دعما كبيرا في صراعات الشيخ مع السيسي والوزير".

وضرب أمجد مثالا برفض التجديد لوكيل الأزهر السابق الشيخ عباس شومان، وإلغاء ندب المستشار القانوني لشيخ الأزهر المستشار محمد عبد السلام، بالإضافة لتشويه صورة مدير المكتب الفني لشيخ الأزهر الدكتور حسن الشافعي؛ بسبب موقفه الرافض لفض رابعة، والانقلاب العسكري منذ بدايته.

ويضاف لما سبق، على حد وصف الباحث السياسي، "تجييش مؤسسات الدولة الدينية الأخرى في صف واحد ضد الأزهر وشيخه، حتى يظهر الرجل في صورة المعزول والمنبوذ، والشخصية العنيدة المخالفة لإجماع قادة المؤسسات الدينية الأخرى".

ويستبعد أمجد التقارير التي تتحدث عن استقالة الشيخ طواعية نتيجة الضغوط التي يتم ممارستها عليه، موضحا أنه "لن يقوم بذلك على الإطلاق، لأنه استطاع أن ينقل المواجهة من شخصية لمواجهة مع المؤسسة، وساعده في ذلك أن مشايخ وعلماء الأزهر ما زالوا يشعرون بالذنب تجاه ضحايا فض رابعة، وأن النظام اتخذ من مواجهة الإخوان المسلمين غطاء لمحاربة التوجه الإسلامي بشكل عام في إطار حملة العلمانيين لتحويل مصر لدولة علمانية صريحة".

اقرأ أيضا: الطيب يرد على دعاوى التجديد ودور الأزهر وتبني مذهب الأشاعرة