رهانات طالبان وواشنطن في مفاوضات الدوحة

لم تكد واشنطن تنهي مفاوضاتها مع حركة طالبان في العاصمة القطرية "الدوحة" حتى توجه المبعوث الأمريكي إلى أفغانستان "زلماي خليل زاده" إلى كابول معلنا عن تقدم كبير في المفاوضات؛ سلوك عكس حقيقة مغيبة تمثلت برفض الحركة التفاوض المباشر مع حكومة كابول؛ وإصرارها على التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة؛ أمر تحقق باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية إجراء لقاءات رسمية مع وفد حركة طالبان في الدوحة.

حركة طالبان فرضت شروطها باختيار المكان والزمان في الدوحة؛ كما فرضت شروطها برفض التفاوض المباشر مع حكومة كابول دافعة خليل زاده إلى السفر إلى كابول لإبلاغ الحكومة الأفغانية بنتائج المفاوضات؛ فمخاوف كابول كبيرة خصوصا أن الدوحة أكدت عدم حضور أي مسؤول أفغاني حكومي المفاوضات بنفيها مشاركة مدير المخابرات الأفغاني "محمد معصوم ستانِكْزاي" متجاهلة بذلك دعوته للجلوس وجها لوجه في مفاوضات مباشرة مع طالبان.

 

إقرأ أيضا: انتهاء مفاوضات الدوحة بين طالبان وأمريكا وإعلان مسودة اتفاق

فطالبان فاوضت من موقع قوة متأثرة بإعلان ترمب نيته سحب 7 الالف جندي من اصل 14 الف في حرب كلفت الولايات المتحدة الامريكية أكثر من ترليون دولار بحسب آخر المعلومات المتداولة في الصحافة الأمريكية؛ والأهم من ذلك الآداء الميداني لطالبان إذ أعلن الرئيس الأفغاني أشرف غني بأن بلاده فقدت 45 الف جندي خلال السنوات الأربع لتوليه الرئاسة التي بدأت في العام 2014؛ محذرا في وقت سابق من العام 2018 من امكانية انهيار حكومة بلاده وجيشها خلال 3 و6 أشهر على التوالي من انسحاب القوات الأمريكية؛ مسألة تجعل عملية التفاوض معه بعيد انسحاب القوات الأمريكية أكثر جدوى بالنسبة لحركة طالبان.

الناطق الرسمي باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد أكد هذه الحقيقة برفض الحركة التفاوض المباشر مع حكومة كابول معتبرا الحكومة دمية في يد الولايات المتحدة؛ مبديا إصرار طالبان على التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة وتأجيل المفاوضات مع الحكومة إلى ما بعد انسحاب القوات الأمريكية؛ بل وذهب ذبيح الله أبعد من ذلك برفض وفد الحركة لقاء المبعوث الأمريكي خليل زاده في إسلام أباد إذ أبدى ارتياح الحركة بلقاء الأمريكيين في الدوحة لتوافر الأجواء المريحة المدعمة بمكتب معترف به في العاصمة القطرية معززا بذلك مكانة قطر ومعززا من استقلالية الحركة في قراراتها وتوجهاتها. 

 

طالبان فاوضت من موقع قوة متأثرة بإعلان ترمب نيته سحب 7 الالف جندي من اصل 14 الف في حرب كلفت الولايات المتحدة الامريكية أكثر من ترليون دولار

تصريحات ذبيح الله جاءت بعد سلسة من المفاوضات الأمريكية مع حركة طالبان شملت لقاء في الإمارات العربية وعواصم غربية لم تؤكد حكوماتها الأنباء حول ذلك قبل أعوام؛ غير أن الحركة حسمت أمرها في اعتبار الدوحة المكان المناسب للتفاوض؛ مفاوضات تناولت تحديد مدة زمنية للانسحاب الأمريكي.

رفض التفاوض المباشر مع حكومة أشرف غني الرئيس الأفغاني إلى حين انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان مسألة حظيت بقبول أمريكي مؤخرا متجاوزة رغبة الحكومة الأفغانية بشكل سمح بحدوث اختراق مهم في مفاوضات الدوحة كما أعلن خليل زاده؛ فالبلاد مقبلة على انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة خلال الأشهر القليلة المقبلة أحد مرشحيها زعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار، معطيا بذلك العملية السياسية والمفاوضات والمواجهة العسكرية نكهة مختلفة؛ تضاف إلى الحسابات الأمريكية الداخلية المتعلقة بالاستحقاق الانتخابي الرئاسي في أمريكا إذ سيقدم ترمب الانسحاب كإنجاز مهم في حملته الانتخابية المرتقبة بعد 18 شهرا.

 

إقرأ أيضا: ترحيب بمسودة اتفاق أمريكي مع طالبان.. وزاده يصل كابول

الولايات المتحدة الأمريكية تراهن على الزمن وعلى تطورات العملية السياسية في أفغانستان إلا أن الإدارة الأمريكية تعطي أهمية كبيرة لموعد الانتخابات الرئاسية؛ إذ احتفت بالإعلان عن المفاوضات التي استمرت ستة أيام بالقول: "إن الاتفاق يشترط عدم توفير الحركة الغطاء أو الحاضنة لأي من الجماعات التي تصنفها ارهابية؛ المبرر الذي سوقته الولايات المتحدة لاحتلال أفغانستان قبل 17 عاما باعتباره انجازا مهما للإدارة الأمريكية الحالية؛ مسألة كان بالإمكان التوافق حولها قبل 17 عشر عاما وبذات الطريقة؛ إذ عرضت الحركة في حينها التفاوض مع واشنطن لمعالجة المسألة في حال توافر الأدلة الأمريكية على تورط الجماعات المسلحة التي استضافتها في أحداث 11 أيلول (سبتمبر).

ختاما؛ تخوض واشنطن وحركة طالبان سباقا مع الزمن يتضمن رهانات توافق الطرفين على ضرورة توافر سقف زمني لانسحاب القوات الأمريكية تقدره بعض المصادر بـ 18 شهرا دون وقف إطلاق النار يعد تسوية كبرى تتخللها حسابات معقدة؛ إذ ستكون فترة عصيبة تهدف لجدولة عمل الحكومة الأفغانية بما يتناسب مع متطلبات الانسحاب الأمريكي سواء في الساحة الداخلية الأمريكية أو الأفغانية المحلية؛ مسألة تعد حاسمة إذ ستحدد في ضوئها عودة طالبان إلى أفغانستان كحاكم مطلق أو شريك سياسي نافذ ومسيطر؛ مسألة سيكون لها تداعيات مهمة وخطيرة على الإقليم وعلى مكانة الولايات المتحدة في المنطقة.