هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: البربر الأمازيغ عرب عاربة ـ وعروبة الشمال الأفريقي عبر التاريخ
الكاتب: الدكتور عثمان سعدي
الناشر: دار الأمة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر.
الطبعة الأولى: 2018 ـ 269 صفحة من القطع الكبير
هناك اتجاه سياسي تاريخي عرف منذ نشأته بتبنيه للنزعة الأمازيغية في الجزائر مدعوما من فرنسا، التي دعمت الدعوة البربرية 1949، من أجل التصدي للثورة الوطنية التحررية الجزائرية، وأنشأت الأكاديمية البربرية في باريس عام 1967، أي سنة الهزيمة التي منيت بها الحركة القومية العربية بكل ما يعنيه هذا التاريخ من دلالات.
وتساند فرنسا اليوم هذا الاتجاه في إطار اللعب بجدية بورقة البربر في نطاق مواجهة سياسة الهيمنة الأمريكية في منطقة المغرب العربي، بعد التحسن الواضح في العلاقات الجزائرية ـ الأمريكية، وبعد إشادة واشنطن بالرئيس بوتفليقة أيضا، والكلام عن موقع الجزائر في السياسات الأمريكية اتجاه قيادة المغرب العربي، والتحسن في العلاقات العسكرية بين الجزائر وأمريكا وحلف شمال الأطلسي.
اقرأ أيضا: الخيار العروبي والنزعة الأمازيغية في الجزائر (4-1)
وهذا الاتجاه يقف باستمرار إلى جانب التشديد على العنصر الأثني البربري، وكذلك إلى جانب التشديد على ازدواجية اللغة (الفرنسية) ضد التعريب. ويعادي هذا الاتجاه في الوقت الحاضر المسألة القومية (العربية)، ويعتبرها حركة شوفينية عنصرية، ويشدد على طرح المسألة الأمازيغية التي يهدد بتحويلها إلى إشكالية سياسية (أي قومية انفصالية) في نهاية المطاف، ويطرحها حاليا ضمن نطاق الاهتمام بالثقافة والهوية الأمازيغية، أو ضمن العناية بالثقافة الشعبية.
وهذا الاتجاه يستند إلى بعض الجوانب المعطاة في الواقع الموضوعي المستند عليها لتبرير دعواه، هذه الجوانب التي تعود في جوهرها إلى سبب اجتماعي اقتصادي، وبشكل ثانوي "لغوي ثقافي"، تضفي نوعا من الشرعية الواقعية.
العروش القبائلية
إن العروش القبائلية ـ العروش تعني وجهاء القبائل الذين ينتمون إلى مختلف المناطق البربرية ـ انقسمت على نفسها إلى تيارين: تيار ما زال يراهن على جدوى الحوار مع الحكومة الجزائرية ونهج السبيل السلمي لتحقيق المطالب القبائلية، وتيار بات يؤمن بالعنف والحتمية الثورية لتحقيق كل الأهداف البربرية، وهذا التيار لا يتبنى المطلب الثقافي فقط، بل يطالب بالسماح للبربر بإقامة دولتهم والانفصال الكامل عن الدولة الجزائرية التي تسببت في نظرهم في أزمات البربر وغيرهم، وضمن هذا التيار تنشط حركة القبائل الحرة التي تطالب بالانفصال عن الدولة المركزية وصممت علما أصفر، وراحت تقيم المهرجانات في كبريات المدن القبائلية لنشر خطابها التجزيئي الانفصالي.
وتؤكد العديد من المؤشرات في مناطق القبائل أن احتمال التصعيد في المرحلة المقبلة وارد، وخصوصا بعد تعرض زعيم التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية البربري سعيد سعدي إلى محاولة اغتيال، ولو حدث أن عملية اغتياله نجحت لكان ذلك كفيلا بإضرام نار الفتنة في منطقة القبائل، تماما كما أدى اغتيال المطرب البربري معطوب الوناس إلى تفجير فتيل الأزمة في المناطق القبائلية؛ حيث تتهم القوى البربرية المخابرات الجزائرية باغتيال معطوب الوناس لحمل المناطق القبائلية على حمل السلاح ومحاربة الجماعات الإسلامية المسلحة، التي توجد في مناطق كالأخضرية والبويرة ومشدالة وكلها مناطق قبائلية.
اقرأ أيضا: الخيار العروبي والنزعة الأمازيغية في الجزائر 2من4
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده سعيد سعدي في فندق لالَّا خديجة ـ لالَّا بمعنى سيدة ـ في منطقة تيزي أوزو اتهم سعيد سعدي المخابرات الجزائرية بطريقة غير مباشرة، وصرح بأن دوائر في السلطة الجزائرية أصدرت أوامرها بتجميد التحقيق في محاولة اغتياله، وهو الأمر الذي دعا سعدي إلى رفع قضية محاولة اغتياله إلى لجنة حقوق الإنسان الأممية في جنيف، والبرلمانات الأوروبية كما اجتمع مع مسؤولي 17 سفارة عاملة في الجزائر، وحمل سعدي الأجهزة باللجوء الدائم والفوري إلى التصفية الجسدية.
وقد رأى المراقبون في محاولة اغتيال سعيد سعدي، وتوقف لجنة التحقيق في أحداث القبائل الأخيرة عن مواصلة عملها وعودة العروش إلى تكثيف التظاهرات والمواجهات والإضرابات، بأنه مؤشر على قرب عودة التصدع إلى المناطق القبائلية. والسلطة الجزائرية التي قدمت للعروش القبائلية وعودا بتصحيح الأوضاع في مناطق القبائل ومنح البربر حقوقهم الثقافية، إنما تخشى أن ينتقل البربر فور حصولهم على حقوقهم الثقافية إلى المطالبة بتنفيذ مشروعهم السياسي، وخصوصا أن بعض المحاور الدولية والإقليمية مع الاعتراف بحق البربر في إقامة دولتهم في الجزائر.
من هنا، ينبغي إعطاء هذه القضية أيضا كل ما تستحقه من اهتمام، لما تشكله من خطر حقيقي على تفجير الصراع بين العرب والبربر، وعلى علاقة الشعب الجزائري بالشعب العربي، والمصير العربي المشترك، وبحركة القومية العربية، من خلال توضيح الأسباب التي جعلت المجتمع الجزائري يظل متخلفاًعلى هذا الصعيد (القومي)، وتوضيح الثقافة الوطنية الديمقراطية القومية، وموقع وحدود الثقافة الشعبية ضمنها، ثم موقع وحدود اللغة الأمازيغية كجزء من تراث الشعب الجزائري التاريخي.
من دون ديمقراطية ليست ثمة دولة جزائرية حديثة مستقلة، ولا وحدة وطنية يتعايش فيها العرب والبربر على قدم المساواة
يندرج ضرب الرصيد الروحي واللغوي للشعب الجزائري في سياق الإجهاز على الهوية الوطنية الجزائرية
اقرأ أيضا: دوّن بالفيديو: اللغة العربية وموقعها في التدريس بالجزائر
فالعربية في هذه المرحلة هي المستهدفة، فمنذ نهاية العقد الثامن من هذا القرن تزرع العواصم العربية بالنوادي والجمعيات المشبوهة، من أجل توجيه الشباب إلى الأغنية الغربية، والوطن بالكلمات الأجنبية في تعاملهم؛ ومن أجل توسيع سيطرة الفرنسية بالمغرب، والإنجليزية بالمشرق، على تدريس العلوم والتكنولوجيا، وعلى ما يسمى بالبحث العلمي، خدمة لاقتصاد (التربندو - الشنطة)، الذي يتسبب في هجرة المئات من الكفاءات العربية سنويا.
واكتشفت دوائر الصهيونية، والاستعمار الجديد، التي تتحكم الآن في الأوضاع، أن أنجع طريقة لضرب العربية، خلق ضرات لها، كالكردية، والنوبية، والقبطية، والبربرية وتطويرها بالحرف اللاتيني من لهجات إلى لغات، يتم على أساسها بلقنة الوطن الكبير. فقد بدأت المسألة الكردية في العراق باللغة الجهوية، وانتهت بالانفصال. وهذا ما يخطط له في الجزائر. بل إن المسألة أخطر من المسألة الكردية، فالأكراد لم يطلبوا في يوم من الأيام إصدار مرسوم عراقي يعترف فيه باللغة الكردية كلغة رسمية ووطنية، وإنما طالبوا بالاعتراف لهم بلغتهم كلغة جهوية تدرس بمناطق الأكراد فقط وبالحرف العربي، مع التسليم بأن اللغة العربية الرسمية الوطنية العامة بالعراق بما في ذلك المناطق الكردية. لم يطالب الأكراد بإلزام تعليم الكردية للطفل البغدادي أو الموصلي أو البصري العربي.