هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
شهد مؤتمر حزب العمال البريطاني الذي عقد قبل أيام تأييدا تاريخيا للقضية الفلسطينية، كما تخللته مظاهر غير مسبوقة لهذا الدعم؛ لم تشهدها مؤتمرات الأحزاب البريطانية الكبيرة من قبل.
فقد أكد زعيم حزب العمال في بريطانيا جيرمي كوربين أن حزبه سيعترف بالدولة الفلسطينية، في حال وصوله إلى الحكم وفق رؤية حل الدولتين.
وشدّد كوربين في كلمته الرئيسية أمام المؤتمر السنوي لحزب العمال الذي أنهى فعالياته مطلع الأسبوع الجاري، على رفض حزبه لنقل السفارة الـمريكية إلى القدس، ورفضه لقانون يهودية الدولة الإسرائيلية، ورفضه قتل المتظاهرين الفلسطينيين المدنيين في غزة، كما استنكر حبس الأطفال في سجون الاحتلال واستنكر توسيع الاستيطان.
وشهد المؤتمر رفع آلاف الأعلام الفلسطينية، وهو العلم الوحيد الذي سمح برفعه إضافة للعلم البريطاني.
وحظيت القضية الفلسطينية بأهمية بالغة في نقاشات المؤتمر، حيث كانت فلسطين هي الموضوع الرابع من حيث الأهمية بعد ثلاث قضايا رئيسية داخلية، بل أنها تقدمت في النقاش على ترتيبات الخروج من الاتحاد الأوروبي "البريكست".
وفي تطور تاريخي غير مسبوق، تحدث ثلاثة ممثلين للمؤتمر عن القضية الفلسطينية، وأكدوا خلال كلماتهم على ضرورة إقرار بريطانيا بمسؤوليتها عن النكبة، وأهمية دعم فلسطين وإدانة جرائم إسرائيل.
العنوان الأبرز
وجاءت تصريحات كوربين، المؤيدة للحق الفلسطيني بعد حملة اتهامات لكوربين بمعاداة السامية، وذلك على خلفية مواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية.
وقال زاهر بيراوي رئيس منتدى التواصل الأوروبي ـ الفلسطيني، في حديث مع عربي21: "أهم شيء في تقديري في مؤتمر حزب العمال لهذا العام، أن القضية الفلسطينية مثلت العنوان الأبرز في سياساته الخارجية، وأن زعيم الحزب جيرمي كوربين، الذي خصص نحو 3 دقائق من كلمته لفلسطين، وحجم التصفيق الذي لقيه جراء ذلك، ورفع العلم الفلسطيني داخل القاعة إلى جانب العلم البريطاني، كل ذلك أكد ثوابت حزب العمال تجاه فلسطين".
اقرأ أيضا : من هو جيرمي كوربن الذي أدان إسرائيل ودعم حقوق الفلسطينيين؟
وأشار بيراوي إلى أن "موقف حزب العمال لا يتمثل فقط في موقف زعيمه جيرمي كوربين الواضح، وإنما أيضا من خلال الأنشطة الجانبية للمؤتمر، التي كانت القضية الفلسطينية واحدة من أهم القضايا الحاضرة فيها".
دعم قوي لكوربين
وأضاف: "لقد تم تتويج ذلك بتقديم عريضة تحدد موقف حزب العمال وسياساته في العام المقبل من قضايا مهمة لها صلة بفلسطين، وهي حق العودة وضرورة دعم وكالة الأنروا، ورفع الحصار عن قطاع غزة".
واعتبر بيراوي أن "هذا الاهتمام بفلسطين في المؤتمر السنوي لحزب العمال فضلا عن أنه يعبر عن مواقف ثابتة للحزب، فإنه يمثل في جزء منه ردا عمليا على الحملة التي تعرض لها كوربين في الصيف الماضي، والتي اتهمته بمعاداة السامية".
وأضاف: "لقد خرج جيرمي كوربين من هذا المؤتمر أقوى بكثير مما كان يريده اللوبي الصهيوني، الذي شنّ عليه الحملة في الصيف الماضي".
اقرا أيضا : كوربن يهاجم إسرائيل ويعلن: سنعترف بدولة فلسطين
ودعا بيراوي "المكون العربي والإسلامي في بريطانيا إلى الانخراط في العمل السياسي في البلاد، لما في ذلك من تأثير قوي على سياسات بريطانيا، والانحياز لحزب العمال في أي انتخابات مقبلة، باعتباره الأقرب للدفاع عن القضية الفلسطينية وثوابتها"، وفق تعبيره.
موقف "العمّال" ثابت
لكن نائب رئيس حملة التضامن مع فلسطين، الكاتب والمحلل السياسي البريطاني كامل حوّاش، فقد اعتبر أن" التأييد الكبير الذي عبّر عنه حزب العمال في مؤتمره السنوي الأخير للقضية الفلسطينية، لم يكن رد فعل فقط على الحملة التي تعرض لها زعيمه جيرمي كوربين الصيف الماضي، بقدر ما كان تعبيرا حقيقيا عن مواقف ثابتة للحزب من القضية الفلسطينية".
وقال حوّاش في حديث مع "عربي21": "علينا أن نقرّ أن تأييد حزب العمال للقضية الفلسطينية سابق عن الحملة التي تعرض لها زعيمه جيرمي كوربين، لأن من يهتف لصالح القضية الفلسطينية ويرفع علمها إلى جانب علم بريطانيا هو لا يرد الفعل فقط، وإنما يعبّر عن موقف حقيقي".
وأضاف: "ما حصل في الصيف الماضي من حملة ضد كوربين، دفع بأصدقاء كوربين وأعضاء حزبه إلى البحث عن طريقة للتعبير عن مواقفهم الرافضة لاتهمات معاداة السامية، وفكانت هذه المواقف الداعمة لكوربين".
وأشار حوّاش إلى أنه "بالقدر الذي كان فيه تمييز في مؤتمر حزب العمال الأخير بين تأييد القضية الفلسطينية وما تعرض له زعيمه الصيف الماضي، بقدر ما كان الموقف واضحا ومؤيدا لفلسطين".
قرارات لها ما بعدها
ووصف حوّاش، "تعهّد حزب العمّال بالاعتراف بالدولة الفلسطينية حال وصوله إلى الحكم وفق حل الدولتين، خطوة مهمة من شأنها أن تشجع دولا وحكومات غربية أخرى على اتخاذ الموقف ذاته".
وأضاف: "لم يكن التعهد بالاعتراف بالدولة الفلسطينية هو القرار الوحيد الذي اتخذه حزب العمال لدعم القضية الفلسطينية، وإنما أيضا المطالبة بتجميد بيع الأسلحة لإسرائيل والتحقيق في عمليات القتل التي جرت في قطاع غزة، وكذلك المطالبة برفع الحصار والاستمرار في دعم وكالة الأنروا".
ولفت حوّاش الانتباه إلى أن "مواقف حزب العمّال الداعمة للقضية الفلسطينية، من شأنها أن تشجّع المكون العربي والمسلم في بريطانيا من دعمه في أي انتخابات مقبلة".
لكنه أشار إلى أن "السياسات الخارجية لأي حزب ليست هي الوحيدة المحددة لحجم التأييد الانتخابي له، ذلك أن ما يشغل البريطانيين هو قضاياهم الداخلية مثل عدم توفر السكن الكافي وارتفاع معدّلات الفقر والبطالة، وغيرها من القضايا التي تمس حياة الناس بشكل مباشر".
وأضاف: "لذلك يمكن القول بأن تأثير موقف حزب العمّال من القضية الفلسطينية على حجم التأييد له في أي انتخابات مقبلة ستظل محدودة"، على حد تعبيره.
اقرا أيضا : خطب غير مسبوقة عن فلسطين بمؤتمر العمال البريطاني (شاهد)
وكانت مجموعة من أنصار فلسطين في الحزب قد أعلنت على هامش المؤتمر عن تشكيل جديد داخل الحزب تحت اسم: حزب العمال وفلسطين: رفع الصوت عاليا من أجل فلسطين".
وفِي نشاطها الأول تحدث عدد من النواب والقيادات الحزبية، مؤكدين أن صوت فلسطين في الحزب لن يتم إسكاته عبر التهديد بالعداء للسامية .
وهذه المجموعة سيكون لها دور كبير في الترويج لدعم الحقوق الفلسطينية، ولكن دون الوقوع في شرك الاتهام بالعداء للسامية، وستقوم المجموعة بتزويد فروع الحزب ومستوياته المختلفة بالمعلومات وبالخطاب السياسي المناسب عند الحديث عن الموضوع الفلسطيني. وذلك لتفويت الفرصة على اللوبي الصهيوني وأنصاره في الحزب.
توقيت حسّاس
وكان زعيم المعارضة البريطانية جيرمي كوربن قد هاجم في خطاب نهاية المؤتمر العام لحزب العمال الذي يرأسه، سياسة حكومة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي.
وأدان "قتل إسرائيل للمتظاهرين السلميين في فلسطين" وسياسة الاستيطان بالأراضي المحتلة وتوسيع المستوطنات وقانون القومية الذي أقرته حكومة الاحتلال، مشيرا إلى أن "المأساة الفلسطينية مستمرة بسبب غياب السلام".
وأعلن كوربن "بصورة واضحة استعداد حزبه للاعتراف بدولة فلسطينية "بمجرد استلامنا للحكم"، وهو ما دفع بالحضور للوقوف والتصفيق طويلا، متهما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ"تقويض العلاقات الدولية ومخالفة القانون الدولي بنقله سفارة بلاده إلى القدس المحتلة".
ودعا إلى وقف الحرب في اليمن وسوريا، وهاجم رئيسة حكومة ميانمار أونغ سان سوتشي، لمسؤوليتها عن ما أسماه "التطهير العرقي" في ميانمار .
كما وجه جيرمي انتقادات إلى "سياسة ومظاهر الإسلاموفوبيا في بريطانيا"، وهاجم سياسيين في حزب المحافظين، وخص منهم وزير الخارجية السابق بوريس جونسون على خلفية ما قال إنه "إهانة للنساء المسلمات"، في إشارة لموقف الوزير السابق من ارتداء البرقع.
وكان لافتا للانتباه أن المؤتمر الأخير لحزب العمّال لم يتعرّض بشكل مباشر إلى الحملة التي استهدفت زعيمه خلال الصائفة الماضية، من عدد من الصحف البريطانية، بسبب مواقفه السياسية المناهضة لإسرائيل وسياستها تجاه الفلسطينيين.
ويأتي اهتمام حزب العمّال بالقضية الفلسطينية في فترة سياسية حساسة في بريطانيا، حيث تواجه رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، انتقادات حادة على خلفية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والأزمة الاقتصادية التي قد تتسبب بها هذه الخطوة.
وتتخوف حكومة المحافظين من أن هذه الأزمة قد تؤدي إلى خسارة الحكم لصالح خصمها، حزب العمال بزعامة كوربن، وهو ما يعطي لمواقف حزب العمّال أهمية خاصة.