منذ أقل من عامين تقريبًا في (13 من كانون أول/ديسمبر 2016) أوردت صحيفة "الفجر"
المصرية تصريحًا للمحامي القبطي ممدوح رمزي، عضو مجلس الشورى السابق، قوله إن الحديث عن انتهاء شهر العسل بين الأقباط في مصر وبين عبدالفتاح
السيسي غير صحيح، معلقًا: "بيننا وبين الرئيس السيسي جواز كاثوليكي لا ينتهي إلا بالموت".
هذا الكلام ليس بغريب على الكنيسة المصرية، وخصوصًا في الفترة الأخيرة، التي لم تُقصِّر في يوم من الأيام في الوقوف بجوار السيسي ودعمه في كل مواقفه، وكان المثال الأبرز والأوضح؛ الصورة التي رسمت معالم الانقلاب العسكري في مصر، وظهر فيها بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تواضروس الثاني، بجوار شيخ الأزهر أحمد الطيب، في الثالث من تموز/يوليو من العام 2013 أثناء إلقاء الجنرال السيسي لبيان الانقلاب على المسار الديمقراطي في مصر!
ولماذا نذهب بعيدًا فقد أطلق بابا الأقباط، تواضروس الثاني، تصريحات مثيرة لدعم عبد الفتاح السيسي بعد الانقلاب، وقال: إن السيسي يقود مصر نحو الاستقرار منذ خمس سنوات، في إشارة إلى تاريخ انقلابه على الرئيس محمد مرسي، أول رئيس منتخب بشكل شرعي في مصر.
ودعا تواضروس المسيحيين، والأقباط إلى الصبر من أجل إتاحة المجال للسيسي للعمل. واللافت أن تصريحات تواضروس تأتي برغم إدلائه بتصريح سابق قال فيه، إن الدين لو دخل في السياسة "يتلوث ويفقد قيمته".
سخاء مع المسيحيين
وفي المقابل كان السيسي سخيًا مع المسيحيين، فسمح لهم ببناء خمس كنائس جديدة على الأقل، كما هاجم معاقل الإسلاميين في ليبيا ردًا على ذبح 21 قبطيًا مصريًا على الشاطئ الليبي، وبنى لهم كنيسة في مسقط رأسهم تخليدًا لذكراهم، والأهم أنه كان أول رئيس مصري يحضر بنفسه قُدّاس عيد الميلاد.
ومن ثم نرى ونشاهد كل عام، بعد وصول السيسي للسلطة، أثناء ذهابه لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، تجييش الحشود من أقباط المهجر لإظهار تضامنها معه وتأييده. والغريب أن هذا التصرف لا يحدث إلا من المصريين، فكل الرؤساء يذهبون ويروحون بشكل طبيعي دون تهليل أو تطبيل، أو مصاريف باهظة الشعوب في حاجة ماسة إليها، ولكن السيسي ومن يدعمه يريدون أن يُظهروا للعالم أن الرجل له شعبية وأنصار ومؤيدون هنا وهناك!
ولم يتوان الأقباط عن دعم السيسي، فقد أعلنت الكنيسة الإنجيلية تخصيص يوم زيارة السيسي لنيويورك للصلاة من أجل نجاح زيارته، ودعم مصر في شتى المجالات. ودعت الهيئة القبطية الأمريكية، أحد منظمات أقباط المهجر، كل المواطنين المصريين بأمريكا إلى استقبال السيسي والترحيب به أمام الفندق المقيم به، وأعلنت الهيئة عن توفير أتوبيسات أمام كافة الكنائس القبطية بالولايات المتحدة لنقل كافة المشاركين في وقفات الترحيب والاستقبال والتأييد للسيسي!
وواصلت اللجنة البابوية المرسلة من البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، جولاتها داخل الكنائس الأمريكية بنيويورك، والساحل الشمالي للولايات المتحدة، والتي تتكون من الأنبا يوأنس، أسقف أسيوط وتوابعها، والأنبا بيمن، أسقف نقادة وقوص، لحث الأقباط بأمريكا على الخروج وإعلان التأييد له، وأن هذا طلب من البابا تواضروس شخصيًا من أجل مساندة مصر في تلك المرحلة الدقيقة التي تمر بها!
وواصل الوفد المُرسل من الكنيسة الإنجيلية إلى نيويورك، جولاته هناك، للمشاركة في استقبال عبد الفتّاح السيسي، حيث أعلنت الكنيسة الإنجيلية في بيان لها، أن رئاسة الطائفة الإنجيلية بمصر ممثلة في القس الدكتور أندرية زكي، رئيس الكنيسة، قد تواصلت مع العديد من القيادات الإنجيلية الأمريكية رفيعة المستوى، لدعم مصر في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ المنطقة، وأن القيادات المصرية للكنائس الإنجيلية في أمريكا طالبت أبناءها بدعم مصر، والالتفاف حول السيسي ودعمهم له، وللإقتصاد المصري، ودعوة العالم كله لزيارة مصر والاستمتاع بآثارها الفرعونية والدينية ومزاراتها السياحية.
والحقيقة بالرغم من كل هذه الدعوات والتأييد من قبل قيادات الكنائس في مصر، وأقباط المهجر، إلا أننا نجد أن المسألة تتغير من وقت لآخر؛ نتيجة لمعرفة الكثير من الأقباط - في الداخل والخارج - وشعورهم بأن السيسي يستخدمهم كورقة ضغط لتأييده في الخارج، وكوسيلة أخرى لابتزازهم في الداخل.
أحوال متدهورة
فبعد أكثر من خمسة أعوام على حكم السيسي يجد الأقباط أحوالهم تصاب بحالة من التدهور المستمر، الذي صار غير معروف نهايته بعد وصول العنف ضدهم إلى مراحل غير مسبوقة، حتى صار ما كانوا يخشون وقوعه من تعرض لنفس مصير الأقليات الأخرى التي كانت بسوريا والعراق أمرا واقعا؛ ومروا بكل تفاصيله من تدمير للكنائس، وقتل وذبح وحرق للأشخاص ونهب للممتلكات وصولاً إلى مرحلة التهجير القسري، والنزوح الجماعي.
وفى النهاية لن يحصل الأقباط تحت حكم السيسي إلا على المزيد من الخسائر المستمرة والمزيد من التخلي عنهم وتركهم فريسة في براثن الإرهاب والعنف؛ حتى يبرر شرعية استمراره أمام العالم، كمحارب للإرهاب على غير الحقيقة الواقعة.
وبالتزامن مع هذه الخسائر التي يتعرض لها الأقباط، فلن يحصلوا من السيسي إلا على زيارة كل عام لقدّاس عيد الميلاد، ومزيد من الوعود الفارغة والكلام المعسول، التي لا تعد كونها أكثر من رسائل لتحسين صورته أمام الغرب أكثر منها اهتمام موجه للأقباط أو الداخل المصري.
وتأتى كل هذه التطورات اللافتة في المشهد المصري، لتزيده تعقيدًا وتلقى بظلال القلق ليس فقط على أحوال الأقباط بل أيضًا على مصر، ليصبح التساؤل ليس فقط حول مستقبل الأقباط، بل حول مستقبل مصر بشكل عام تحت حكم السيسي، الذي استخدم كل مؤسسات الدولة المدنية والدينية لتثبيت حكمه، والسيطرة على مقاليد الحكم، وإزاحة كل من يقف في طريقه!