لماذا يتهمون الخطاب الإسلامي بإشاعة ثقافة الكراهية؟

يُتهم الخطاب الإسلامي المعاصر في أوساط عربية وغربية بالمسؤولية المباشرة عن إشاعة ثقافة الكراهية، التي تفضي إلى تجريد المجتمعات البشرية من إنسانيتها، وتقود إلى استهداف الآخر ومحاصرة وجوده.  

ويستند المتهمون إلى أن غالب الحركات الإسلامية المعاصرة تبني علاقتها مع الآخر انطلاقا من مفهوم الولاء والبراء، الذي حملها على تصنيف أبناء الوطن الواحد على أسس دينية وعقائدية صارمة، فضلا عن نظرته الدموية الحاقدة للآخر الكافر.

وفي الوقت الذي يصف فيه إسلاميون أصوليون تلك الاتهامات بالظالمة والمغرضة والمسيسة، يرى آخرون أن الخطاب الإسلامي المعاصر في بعض تجلياته يتحمل جزءا من مسؤولية إشاعة ثقافة الكراهية في المجتمعات الإنسانية المختلفة، وترسيخ النظرة المحتقرة لعموم (الكفار).

من جهته، قال الداعية الإسلامي المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، محمد الحايك: "لا يمكننا إنكار مسؤولية الخطاب الإسلامي المعاصر في بعض تجلياته، وإن بدرجة محدودة عن انتشار ثقافة الكراهية، وترسيخها في المجتمعات المختلفة".

وأضاف لـ"عربي21": "لكن المسؤولية تقع بدرجة أكبر على الآلة الإعلامية والقوى السياسية المعادية للإسلام بصفة عامة، التي استغلت ذلك اللون من الخطاب وضخمته وقدمته باعتباره يمثل الاتجاه الإسلامي العام".

وبيَّن رئيس قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة التعليم الإسلامي بنيوجرسي أن "مادة ذلك الخطاب التي تتشكل من جملة أحكام ومفاهيم شرعية، بحسب تصوراتهم لها، كالولاء والبراء، واعتبار آية السيف ناسخة لكل آيات البر والرحمة والتعارف، ساهمت في إنتاج تلك الثقافة، إضافة إلى عوامل أخرى معروفة".  

ولفت الحايك إلى أنه "مع الاعتراف بدور لهذا الخطاب في إنتاج ثقافة الكراهية، إلا أن الخط العام للخطاب الإسلامي المعاصر ظل وسطيا يتسم بالاعتدال، ومؤكدا على مفردات التسامح والحوار، والأبعاد الإنسانية والروحية والأخلاقية والحضارية في الإسلام، وظلت أصوات التشدد ودعوات التطرف معزولة وهامشية، كما شهدنا ذلك في كبرى الجماعات الإسلامية، كالإخوان، وجماعة الدعوة والتبليغ، والطرق الصوفية".

من جانبه، رأى الأكاديمي والإعلامي الأردني، موسى برهومة، أن "الداعين إلى فصل الدين عن الدولة انطلقوا من هذا المأزق الذي لا فكاك منه، للوصول إلى صيغة ممكنة من العيش تحتكم بشكل أساسي إلى منظومة حقوق الإنسان، من دون الحاجة إلى إثارة جدل لا نهاية له حول النصوص الدينية وتأويلاتها".

ووفقا لبرهومة، فإن "العلمانية ليست كفرا، بل هي وصفة لحماية الدين والمجتمع في آن؛ لأن للدين طبيعة روحانية، فيما الاجتماع مشتمل على كل الحيثيات والتفاصيل التي تنظم حياة الإنسان الذي عهدت إليه الأديان مهمة إعمار الأرض".

وجوابا عن سؤال "عربي21": ما مدى مسؤولية الخطاب الإسلامي المعاصر عن إشاعة ثقافة الكراهية؟ قال برهومة: "من الصعب جدا أن يقال عن نص ديني إنه لا يتوافق مع إيقاع الحضارة المعاصرة، ومن الصعب أيضا أن نغض الطرف عن تأويلات صريحة للنص الديني تدعو إلى تفخيخ العيش المشترك بين أصحاب الأديان والمعتقدات المختلفة".

وتابع: "والأخطر في تأويلات النص الديني هو التوظيف السياسي له، فالحروب الكبرى في التاريخ قُدحت شرارتها من النصوص الدينية، وكانت أوروبا أرض النزاعات المدمرة التي أكلت أخضرها ويابسها إلى أن استيقظ العقل الفلسفي، فكان عهد التنوير وما تلاه من نهضة ما تزال فتوحاتها حتى الآن"، على حد قوله.

ودعا برهومة العرب والمسلمين إلى "استلهام تجربة أوروبا، وتعلم الدرس قبل أن تتحول بلدانهم إلى جحيم وقوده الناس والحجارة"، مشيرا إلى أن "الدين بوصلة الروح، فلنحافظ عليه ونمارس شعائره في المساجد ودور العبادة، ولنترك للحياة أن تتدفق ولعقل الإنسان أن يقدح أفكارا خلاقة تقضي على الفقر والمرض والطغيان، وتشيع العدل والسعادة في أرجاء الكون".

بدوره، أوضح الداعية اليمني، عبد الله النهيدي، أن الولاء والبراء مفهوم شرعي أصيل، وهو يدعو إلى المحافظة على العقيدة، وعدم خلط أوراق المسلمين بأوراق الكافرين، إلا إنه لا يدعو لإشاعة ثقافة الكراهية في المجتمع الواحد والمجتمعات الأخرى، وليس فيه ما ينفر من الإسلام".

وشدد النهيدي على ضرورة التفريق بين ما ينبغي أن يكون مجاله الاعتقاد، وبين طريقة التعامل مع المخالفين، على اختلاف درجاتهم، فالرسول عليه الصلاة والسلام تعامل مع المخالف تعاملا راقيا في كل مراحل حياته، سواء في مرحلة الدعوة والاستضعاف في مكة، أو في مرحلة التمكين والدولة في المدينة".

وتابع النهيدي حديثه لـ"عربي21" بالإشارة إلى أن غالب الخلل المنتج لثقافة الكراهية في بعض الأوساط، إنما يقع في فهم الولاء والبراء وتطبيقاته على حد سواء، التي تأخذ صور المفاصلة الحادة عند بعض الاتجاهات الإسلامية، وهو ما ينعكس بالضرورة على طبيعة العلاقات مع الآخرين.

ولفت الداعية اليمني إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام الذي تنزلت عليه آيات الولاء والبراء، وزاد عليها جملة من الأحاديث المبينة والمرسخة لذلك المفهوم، لم يشع ثقافة الكراهية في المجتمع الواحد، ولم يكن يخلط بين ذلك والتعامل مع سائر المخالفين بحسب أحوالهم".

وانتقد النهيدي فهم بعض المتدينين للولاء والبراء الذي يوجب، بحسب ذلك الفهم، إظهار الشدة والغلظة حين التعامل مع أصحاب الاتجاهات المخالفة، والأديان الأخرى، والعبوس الدائم في وجوههم.   
وأنهى النهيدي حديثه بالتأكيد على أن تلك المفاهيم النافرة، والسلوكيات الشاذة، المعبر عنها في بعض الأوساط بـ"ثقافة الكراهية" ناتجة عن قصور في الفهم، نتيجة عدم تلقي العلم الشرعي على أيدي العلماء المعتبرين، وهي لا تعبر عن الوضع الطبيعي في تعامل المسلمين مع غيرهم، بل هي حالة شاذة، يراد لها أن تروج على نطاق واسع باعتبارها الحالة الطبيعية للإسلام والمسلمين، خدمة لأجندات سياسية معروفة ومكشوفة.