كتاب عربي 21

حماس والأحداث السورية.. عود على بدء

ساري عرابي
1300x600
1300x600
في الثورة السورية، يمكن القول إن حماس هي أكثر طرف غير سوري دفع ثمنا باهظا فيها. فبالإضافة لمشاركة بعض شبابها في سوريا في الأحداث، فإنّها خسرت لعدد من السنوات الدعم الذي كانت تقدّمه إيران، وهذا فضلا عن خسارات أخرى في علاقاتها والساحات التي توجد فيها أو تعمل عليها.

كانت حماس قد تجاوزت الحياد الإيجابي إلى إظهار تعبيرات أكثر تضامنا مع الثورة السورية، ثم غادرت قيادتها سوريا بالكامل؛ خلافا لما كانت قد قررته أول الأمر بأن تبقي لها هناك قدرا من التمثيل الرسمي. ثم وبعد خروجها من دمشق انحازت لأماكن جغرافية كانت دولها في صدارة الداعمين للثورة السورية والداعين لإسقاط النظام السوري.

شكّل ذلك قطيعة تامّة مع النظام السوري، وخروجا فعليّا من علاقات التحالف مع إيران، وإن لم تنقطع علاقات هذه الأخيرة وبعض أوثق حلفائها (كحزب الله) بحماس، وإنما ظلّت في الدرجة الدنيا من التواصل، بالقياس إلى ما كان عليه الحال قبل الثورة السورية، وذلك بالنسبة لقادتها، أمّا قواعد الحركة، فشكّلت - في حينه - قوّة ضاغطة على قيادتها لاتخاذ موقف مناوئ صريح للنظام السوري وحلفائه!

صحيح أن المجالات التي تتصل بها حماس بالغة السعة والتعقيد، بما يوجب على الحركة مراعاة اعتبارات جمّة في ظروف من هذا النوع، فعلاقاتها، وجذورها، والأطراف التي تبادلها الاهتمام والتعاطف، لا تقتصر على الفاعلين داخل المحور الإيراني، وهي، أي حماس، جزء من التيار العام في الأمّة، وجزء من أكثر قواه حجما وفاعلية، وصحيح أنّها أحسّت بحرج أخلاقي بالغ، مع تزايد أحداث القمع الدموي للمظاهرات في سورية، إلا أنّها بالإضافة لذلك اندفعت وفق تقدير تأكد فيما بعد أنّه أخطأ في رهاناته السياسية.

لم يلاحظ - ربما - صانع القرار في حماس في حينه؛ أن الثورات العربية لن تتوقف عند انتصار سريع وحاسم، وإنما ستدخل في مرحلة سيولة وتحوّل، أحد أبرز وجوهها لاحقا الثورة المضادة المعادية لحماس نفسها، ثم لم يأخذ بعين الاعتبار التعريف الحقيقي لبعض الدول الفاعلة التي اعتقد أنها ستكون إمّا صديقا نافعا أو مستفيدا ممتنّا يعوّض الحركة عن خساراتها، ولكنها الآن، تجد الخذلان ممن ظنته الصديق النافع، والعداء الصريح، لا لها فحسب، بل لقضيتها، ممن توقعت أنه سيكون مستفيدا ممتنّا.

على أيّ حال، لم يكن بمقدور حماس، أن تظلّ معزولة في الإقليم، أو تعاني الفاقة الهائلة، وتواجه المؤامرة الكبيرة إن عليها أو على قضيتها، وهي الحركة الكبيرة فلسطينيّا، التي تحمل عبء ملايين الفلسطينيين، وعليها التعويل، بالنظر إلى ما هو متاح وقائم، بأنّ تمثل نقيضا للمشاريع التصفوية، وهو ما تطلّب أن تعيد الحركة حساباتها، وتبحث عن تحالفات، أو علاقات في الحدّ الأدنى، تستند إليها في قيامها بمهمّتها، وإلا لكان البديل مطالبتها بالانتحار، أو التفريط بقضيتها، وهي بذلك لا تملك كثيرا من ترف الاختيار والبحث، مع الأسف، فهذا هو الموجود في إقليمنا اليوم.

بطبيعة الحال، اقترفت حماس الكثير من الأخطاء، ليس هذا مقام الإتيان عليها، بل إنّ هذه المقالة في جانب منها تتناول حماس بالنقد، وإن من زاوية قد لا يوافقني عليها الكثيرون، ومن ذلك، أن خيارات الحركة بعد الثورة السورية، هي التي ينبني عليها اليوم بيانات وتصريحات لها مشكلة بخصوص الحدث السوري، وذلك لأنّها حينما غادرت الحياد الإيجابي إلى انحياز واضح للثورة السورية، تضطر اليوم لبيانات قد تفتقر للتوازن المطلوب من أجل استرجاع علاقتها بالمحور الإيراني.

ثمة ملاحظة في هذا السياق، وهي ورغم أنّ حماس الطرف الوحيد غير السوري الذي دفع ثمنا كبيرا لانحيازه إلى جانب الثورة، فإنّها الطرف الوحيد الذي يعاني هجوما شديدا من فاعلين في الثورة السورية كلما أبدت حماس تقاربا جديدا تجاه المحور الإيراني، هذا الهجوم يتوسل لغة متطرفة لا تنسحب على دول تلاعبت بثورة السوريين وخذلتهم، ومارست سياسات أو أطلقت تصريحات تتعارض تماما مع الثورة السورية، إلا ما كان من بعض الفاعلين ممن لهم انحيازات أو علاقات ببعض الدول (فثمة من يهاجم قطر وتركيا ولا يهاجم السعودية، وثمة العكس!).

في العموم، والحركة أقلّ حجما ومسؤولية وأثرا مما هي اليوم، كانت تنطلق في مواقفها الإقليمية من جملة اعتبارات، أهمها أنّها حركة مقاومة ومن ثم تتبنى مواقف مبدئية من التدخل الاستعماري في بلادنا العربية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد العربية، لا من منطلق الوطنية الضيقة، وإنما من منطلق خصوصية القضية التي تحتاج تفصيلا مستقلا، والحياد العملي تجاه الصراعات العربية الداخلية.

هذه المنطلقات ينبغي في المدى المنظور استرجاعها والاستناد إليها، فالحركة لم تتحول إلى فاعل إقليمي يستقلّ بقوّته عن الآخرين، ولا تتمتع بتحالفات مأمونة ثابتة، وتمرّ بضائقة لا أفق لحلّها، وقضيتها تواجه تحدّيا أضخم من كل ما سبقه وأخطر، في ظرف عربي فاحش السوء، وبالغ الاهتراء وعلى نحو غير مسبوق.

كلمة أخيرة.. الأحداث الإقليمية تتسم بالحساسية، وتحتاج قدرا كبيرا من التوازن. هنا نذكر، بأنّ العدوان الأمريكي على بلادنا لم يتوقف، بما في ذلك قصفه على المدن السورية والعراقية، فالقصف الأميركي فجر السبت 14 نيسان/ أبريل لم يكن الأول!
التعليقات (5)
احمد
الخميس، 19-04-2018 11:09 ص
أستاذ تيسير ،هل انت رجل مبادئ ،لا أظن ، أراك نسيت انك تجلس في حضن من يضعون يدهم في يد نفس قتلة السوريين ،ومن نفس المكان كانت تقلع الطائرات التي كانت تقتل الأبرياء في أفغانستان والعراق وانت كنت شاهد على ذلك وكدت تقتل انت أيضاً ولم نسمع تعليق واحد منك عن شراكة قطر في قتل الأبرياء، يمكن لأنهم لم يكونوا سوريين ؟مصالحك الشخصية اقتضت ان تغض البصر وتبعث مبادئك في إجازة . وقبل ان تنتقد حماس وغير حماس.-وانا استنكر مواقفهم ايضا-. كان عليك ان تنتقد من يسموا انفسهم ثوار وما يقومون به من تنكيل ببعضهم البعض وبالابرياء لمصالح دنيوية. حتى اصبح الناس يرمون بأنفسهم في حضن النظام هروبا من خونة الثورة وبائعي الدين. الم يُدمر البلد ويقتل الالاف ويشرد الملايين على أساس الدين والمبادئ؟.وفي ضوء هذا المشهد من لازالت عنده الرغبة في مساندة قضيتكم.؟فخار يكسر بعضه، وكل واحد يشوف مصلحته.
أيمن عصمان ليبيا
الخميس، 19-04-2018 01:55 ص
أقول لحركة حماس صادقا ومخلصا : من قام بتدمير سوريا إنسانا وبنيانا ومكن للمشروع الصفيوني فيها لن تروا منه خيرا ولتذهب السياسة للجحيم وأكرم لكم أن تنهوا حركتكم من أن تضعوا أيديكم في أيدي من شرب من دماء السوريين حتى الثمالة
تيسير علوني
الأربعاء، 18-04-2018 10:39 ص
مزيد من التبرير لحماس .. نعم يقول الحمساويون ان تحالفهم مع ايران وحزب الله تقتضيه البراغماتية والمرونة للتغلب على الازمات التي تمر بها الحركة وانا موافق على هذا الكلام، لكن ارجو من حماس الا تصدع رؤوسنا بحديث المبادئ لان قادتها اثبتوا انهم مجرد سياسيين مثلهم مثل غيرهم، والسياسة بعيدة عن المبادئ، وارجو ايضا الا يعودوا الى انتقاد الرئيس عباس لانه مثلهم براغماتي وهذه رؤيته لحل مشاكل الفلسطينيين وقد اقتضت منه البراغماتية ان يجلس في احضان قتلة الشعب الفلسطيني مثلما اقتضت براغماتية حماس ان تجلس في أحضان قتلة الشعب السوري. وتحياتي الى الأخ الفاضل ابو عبد الله رمضان شلح وارجو الله تعالى ان يمن عليه بالشفاء والعافية، وهو بالمناسبة رجل مبادئ ومواقف على الرغم من بقائه في ايران واظن ان من يعرفون مواقفه يفهموني جيدا.
جلال العربي
الأربعاء، 18-04-2018 10:17 ص
استاذ ساري كل ما تقوم به حماس واي شيء تفعله موضوع تحت المجهر واعداء حماس وفلسطين يبحثون بكل جهد ممكن عن اي خطأ ولو كان ضئيلا ليضخموه ويهاجموا حماس عبر وسائل الاعلام الكبيرة والكثيرة التي يملكونها. حماس وغزة تحتاج الى من يساعدها لا من يساند الاعداء بالقول و العمل. للسف معظم العرب شعوبا وحكومات خانعين للأعداء وشامتين بفلسطين واهلها، ومن اعجبه حاله فليذهب الى مصيره. وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون