الإعلامي عبد العزيز قاسم عرض في سلسلة مقالات أحوال المثقفين والدعاة الذين اعتقلوا في
السعودية قبل خمسة أشهر، وبالتحديد في سجن ذهبان السياسي، وحاول قاسم ضمن مقالاته أن يكشف شيئا من الغموض الذي صاحب وتلا إجراءات الاعتقال التعسفية والتي رواها أهالي
المعتقلين وقت اعتقال ذويهم.
المفارقة هنا أنه - وبلا أدنى شك - لم تكن مبادرة من قاسم للتعرف على وضع سجن ذهبان السياسي. فمن الأكيد أن وثائقيات قناة "بي بي سي" الأخيرة عن أسرة آل سعود وتغريدات عبد الله، نجل الشيخ سلمان العودة، وتناول الإعلام الغربي لملف الاعتقال السياسي الذي ازداد غموضا، خاصة بعد حملة اعتقال المثقفين، حملت الحكومة السعودية على الرد بهكذا موقف. فلماذا تزامنت إذن الحلقات التلفزيونية التي لمعت من صورة السجون السياسية في المملكة؛ ومقالات عبد العزيز قاسم التي ردد فيها سخاء مسؤولي هذه السجون والحنان الذي يتحلون به، وموضوع المشاتل الزراعية التي يستمتع بها المعتقلون؟
أظهرت هذه المسرحية الإعلامية سخافة ترتيبها ومضامينها، فكيف لعاقل أن يصدق هذه الصورة المتناقضة لحال الاعتقال السياسي في المملكة؟ يبدأ الاعتقال عنيفا ومن دون أي رحمة، بل في الكثير من حالات الاعتقال كانت العناصر الأمنية تقتحم المنازل ويسحب عنوة فيها الشيخ وكبير السن أمام أهله، ثم يفاجؤنا قاسم وروتانا خليجية بتلك الصورة الناصعة من التعامل الراقي والبيئة المحفزة للمعتقل، بل تخطت السجون السعودية سجون الدول الاسكندنافية مسجلة أسطورة العصر من الاحترام الكامل لحقوق المعتقل.
استخدمت الحكومة قاسم لقربه من التيار الإسلامي، ومن المشايخ التي أوردت أسماؤهم في مقالاته. وهذا المسعى لتورية مساوئ الحالة الحقوقية في المملكة يأتي بطريقة مثيرة للضحك، فقد جلبت حكومة ابن سلمان وسائل الإعلام العالمية (رويترز، بي بي سي) للاطلاع على بعض من أوضاع المحتجزين في ملف مكافحة الفساد، وهم من تم إيقافهم في فندق الريتز كارلتون وحظوا بعناية جيدة، في الوقت الذي أوعزت فيه الحكومة لروتانا خليجية وعبد العزيز قاسم لطلي وجه السجون السياسية المظلم بشيء من الثناء المفضوح، ومحاولة درء الشكوك بكثير من الافتراء. أين هي رويترز من مشتل سلمان العودة الصحي إن كان قد سُمح لهذه الوكالة بتصوير الوليد بن طلال وهو يشرب البيبسي في جناح فاخر؟
الحكومة السعودية، وهي تبحث عن مخرج لها أمام تصاعد المطالب بكشف أوضاع المعتقلين والإفراج عنهم، تسيء لذاتها عندما تلمع من صورة السجون، وكأن طرفا آخر غيرها هو من اعتقل عنوة، وفي ظروف قاسية، وهو ذاته من يغيّب المعتقلين من دون محامين ومحاكمات وحتى تهم! كل مساعي الحكومة فاشلة في تبييض صفحتها في الحالة الحقوقية، ولن يكون آخرها تهريج عبد العزيز قاسم.