هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
جيراننا بيت دعارة
كان من المشكلات أيضا؛ وجود بيت دعارة لا يفصله عن المركز إلا سور من النباتات. والنساء كن يقفن في النوافذ عرايا كما ولدتهن أمهاتهن، وينمن في الشمس عرايا، فرفعنا دعوى قضائية، وتضامن معنا أهل الحي. والبيت كان ثمنه 750 ألف مارك، فعرضنا على المحكمة شراءه. جمعنا 250 ألفا وبقي نصف مليون، وعندما علم الملك خالد بذلك، قال أنا سأقوم بدفع المبلغ. وبالفعل أرسل الملك خالد المبلغ للسفارة السعودية في بون، ولكن الذين في السفارة منعوا عنا هذا المبلغ، فجاء رجل صالح، وهو المهندس حسين مرسي (وهو ملياردير مصري كبير) وعرف الوضع، فكتب شيكا وهو في مكانه بخمسمائة ألف مارك، واشترينا المنزل، وأقام فيه أحمد خليفة بعض الوقت، والآن يقيم فيه فندانفر.
وفي يوم من الأيام، فوجئت بسيدة ألمانية ومعها ابنتها تأتي إلى المركز الإسلامي؛ وتطلب مني أن أجد لابنتها زوجا مسلما، لما وجدته من حسن خلق ومعاملة المسلمين.
صراع
الأتراك في ألمانيا فرق كثيرة، فكان هناك السليمانية والعاكفية والصوفية والعلمانية والأتاتوركية، وكل منهم له أنصار، ولكن كانت الفرقة المنظمة، كتنظيم الإخوان المسلمين، وبيننا وبينهم تعاون كامل هم "ملي جرش"، لدرجة أن بعض الإخوان كان يرأس هذه المجموعة. وكانت هذه هي الفرقة التابعة لأربكان، وأذكر أنني في إحدى المرات دعوت أربكان في يوم جمعة، ودعوت الشيخ المطراوي - رحمه الله - في نفس اليوم، وكان عضو مجلس شعب وقتها. وخطب الشيخ المطراوي- رحمه الله - الجمعة، وكان أربكان مذهولا من خطبته، ثم خطب بعده أربكان وامتلأ المركز وما حوله بالناس، فكانوا حوالي عشرة آلاف أو خمسة عشر ألف شخص. وقد كنت أنا الذي استقبلته بالمطار فهو صديق حبيب إليّ، وفي اليوم التالي اتجه الشيخ المطراوي إلى نورنبرج، ولكنه مات - رحمه الله - في محطة القطار.
وإذا كنا قد قمنا بعلاقات متميزة وأنشطة عديدة للعرب والأتراك، فإننا لم ننس الألمان أنفسهم، فكثفنا العمل معهم بنشاط. وكان الأخ أحمد فندانفر من خيار الناس الذين يفهمون الإسلام كما نفهمه، وكان له نشاط واسع جدا على مستوى ألمانيا كلها، فكان يصدر مجلة شهرية ناجحة جدا اسمها "دير إسلام"، وعمل جمعية للمسلمين الألمان في فرانكفورت، وكان لهم أنشطة أسبوعية وأنشطة شهرية وأنشطة سنوية، والحق يقال فقد كانوا أكثر منا تنظيما ودقة واحتراما لمواعيدهم، وكان أحمد فندانفر يأتي في بداية كل سنة ببرنامجه السنوي باليوم والساعة ويضعه أمامي على المكتب، فما اعتذر في مرة من المرات عن موعد طوال السنوات الثلاث التي قضيتها معه.
لا أقبل المجاملة
كنا نقيم احتفالات كثيرة لمناسبات عدة، ولكني كنت أرفض أن تقام احتفالات في مركز ميونخ لدولة معينة لمناسبة فيها، ولكن كنا نقيم الاحتفال لمناسبة عامة ونحضرها جميعا، وإذا قمت بوضع برنامج للحفل فلا بد أن ينفذ؛ لأني لو سمحت للعراقي سيغضب السوري، وهكذا.. فهم كانوا عبارة عن عصابات، وكان وقتها بينهم خلافات كثيرة. وذات مرة قمت بعمل حفل حضره السفراء، وكان السفير السورى يعلم أن السفير العراقي موجود، فأراد أن يهدده، وحدثني في مكالمة تلفونية! فقلت له: يا أخي الكريم كان أجدر بك أن تحضر معنا الحفل بدلا من الاتصال التلفوني، لتشهد بنفسك ما في الحفل، وأنهيت المكالمة. وأحب السفير العراقي أن يتكلم فاعتذرت له، وقلت له إن البرنامج محدد. وبعدها بقليل حضر السفير الإيراني، وأحب أن يقوم بعمل احتفالات الثورة في المركز، فاعتذرت له، فأراد أن يدفعني للموافقة، فقدم لي شيكا غير محدد القيمة، فأخبرته أنه لو قدم لي كل مال الدنيا لأغير منهجي وأسلوبي؛ فلن يكون هذا أبدا. وقلت له: لو أقمت لك حفلا للثورة الإيرانية، لا أستطيع أن أمنع القذافي أن يقوم بعمل حفل لثورته، ولا أستطيع منع صدام من عمل حفل لثورته.. وأنا ضد هذا الأسلوب، فأنا هنا لخدمة المسلمين وليس لخدمة الحكومات. وكان قد أحضر لي صندوقا مملوءا بالمصاحف، فرفضت قبوله، فقال لي: هذا للمركز.. ويشاء الله السميع العليم أن يُنقل هذا السفير من ألمانيا، فجاءني وقال: أنا لم أزر أحدا قبل ترك منصبي هنا إلا أنت.
بين إيران والخارجية المصرية
وفي أواخر وجودي في ألمانيا، احتجز بعض الصيادين المصريين في إيران، وحاولت الحكومة المصرية حل هذه القضية، ولم يمكنها. وفوجئت بدعوة تأتي لي من الحكومة الإيرانية؛ تقول لي فيها إنني إذا حضرت احتفالات الثورة فسأعود بالصيادين. وكانت العلاقات الدبلوماسية وقتها مقطوعة بين مصر وإيران، فقلت لنفسي: لا بد أن هذا فخ.. فاتصلت بوزارة الخارجية المصرية وأخبرتهم بالعرض المعروض علي، وقلت لهم: إنني أخشى أن أذهب لإيران فتسببوا لي متاعب أنا في غنى عنها، فهل لديكم استعداد أن تعطوا لي تصريحا بالذهاب لإيران؟ فقالوا: تفضل يمكنك الذهاب.. ولكني رفضت وقلت: إن لم تكن هناك ورقة رسمية تصرح بذلك فلن أذهب، حتى تكون ضمانة لي بعد ذلك. وعدت إلى مصر، وكان وقت الانتخابات. واتصلوا بي، وقالوا: لقد أرسلنا الخطاب لفرانكفورت والقنصل الخاص بنا سيقدمه لك هناك، لكن في ذلك الوقت كانت مواعيد احتفالات الثورة الإيرانية قد مرت، وانشغلت في الانتخابات ولم أذهب.
حجزوني في المطار
من العجيب أنني منذ خرجت من السجن في 1974 وحتى عام 1984، حينما شغلت منصب مدير مركز ميونخ، لم يوقفني أحد في المطار، ولم يسألني أحد عن شيء إلا مرتين فقط.. في عام 1983 أوقفوني أولا في مطار القاهرة، وكنت ذاهبا بدعوة من وزير الخارجية لدولة بنين في غرب إفريقيا، فأوقفوني وقاموا بفتح حقيبتي، فوجدوا فيها أوراقا كثيرة؛ لأني عندما أسافر لغرب إفريقيا أمرّ على السنغال ومالي وساحل العاج وبنين، فموظف أمن الدولة في المطار قال لي: ما هي بنين هذه؟ فقلت له: هذه دولة ولها سفير لديكم هنا. عندها تركوني أسافر، ولكن من العجيب جدا أنني عندما وصلت إلى بنين، وبالرغم من دعوة وزير الخارجية لي، أعادوني من المطار، ولم يُدخلوني، فعدت ليلا إلى ساحل العاج.
مرت السنوات الثلاث التي كان الأستاذ عمر قد حددها لي للبقاء في ألمانيا، وكنا فيما بين 1984 و1987، وقد قمنا بأنشطة ضخمة جدا، وانضبط المركز - بفضل الله - انضباطا جيدا، وعمل بصورة طيبة جدا. فبدأت أتجهز للرحيل، وكنت قبلها قد أرسلت أولادي الصغار مع زوجتي إلى مصر؛ لأنني خشيت عليهم هناك، فهم بدأوا يكبرون، وأصبحوا في حوالي الصف الخامس والرابع الابتدائي، والحياة هناك ليست مناسبة لهم. وكنت أنوي وقتها الذهاب من ألمانيا إلى الرياض، لحضور مؤتمر هناك، ثم قررت أن أمر على مصر أولا؛ لأرى أولادي ثم أذهب إلى الرياض، ولكن كان لله تعالى تقدير آخر.
عدت إلى مصر عام 1987، حيث توليت قسم الشباب والطلاب من جديد بجماعة الإخوان، ثم اخترت عضوا بمكتب الإرشاد منذ عام 1987م.
وعندما جئت إلى القاهرة، حدثت لي أزمة صحية شديدة في نفس اليوم الذي كنت سأسافر فيه إلى الرياض، فلم أستطع السفر وبقيت.. لكن كنت على موعد آخر وحدث جديد، هو انتخابات مجلس الشعب.
اقرأ أيضا: صفحات من الذكريات: رحلة في ذكريات عاكف (27)
اقرأ أيضا: صفحات من الذكريات: رحلة في ذكريات عاكف (26)