أرجو صبر القارئ، على هذه الرواية،
وهي من
الإسرائيليات المفتراة على النبي سليمان عليه السلام، وترد في مصادر عدة، وبروايات
متنوعة، وشيّقة؛ على نكارتها إسلامياً، أشهرها رواية الثعلبي في عرائس المجالس،
فهو راوية مولع بالإسرائيليات. اقتبست عنها قصص من ألف وليلة، التي سحرت كتّاب
الغرب وأمريكا اللاتينية، وأجدها ممتعة أدبياً، وفيها: أن سليمان خرج إلى الجزيرة،
تحمله الريح على ظهر الماء (مباشرة من غير
بساط ريح) حتى نزل بها بجنوده من الجن والإنس، فقتل ملكها واسمه صيدون (أبو صيدون،
أو بوسيدون، إله البحر في عقائد بلاد الإغريق، وهو رمز هاجر من بلاد العرب، إلى
بلاد الإغريق حسب فاضل الربيعي) وسبى ما فيها، وأصاب فيما أصاب بنت الملك، واسمها جرادة
(ربما جراتيا) لم ير الناس مثلها حسناً وجمالاً، (والعرب وأقاربهم يجدون بنات
الروم جميلات) فاصطفاها سليمان لنفسه، ودعاها إلى الإسلام، فأسلمت على جفاء منها وقلة
ثقة، وأحبها سليمان حباً لم يحبه شيئاً من نسائه (لا يعدل فيما لا يملك)، وكانت منزلتها
عنده منزلة عظيمة، وكان لا يذهب حزنها ولا ترقأ دمعتها على أبيها. فشق ذلك على سليمان،
وقال لها: ويحك! ما هذا الحزن الذي لا يذهب، والدمع الذي لا يرقأ! قالت: إني أذكره،
وأذكر ملكه، وما كان فيه وما أصابه، فيحزنني ذلك. قال سليمان: فقد بدلك الله ملكاً
أعظم من ملكه، وسلطاناً أعظم من سلطانه، وهداك إلى الإسلام، وهو خير من ذلك كله. قالت:
إن ذلك كذلك، ولكن إذا ذكرته أصابني ما ترى من الحزن. ولو أنك أمرت الشياطين، فصوروا
لي صورته في داري أراها بكرة وعشية لرجوت أن يذهب ذلك، وأن يسكن عني بعض ما أجد في
نفسي. فأمر سليمان الشياطين (وليس الملائكة أو الجند، فالتماثيل اختصاصهم وحرفتهم)
أن يمثلوا صورة أبيها في دارها حتى لا تنكر منه شيئاً، (وهذا أول الوهن وفساد
الإرادة) فمثلوه لها حتى نظرت إلى أبيها بعينه إلا أنه لا روح فيه. فعمدت إليه حين
صنعوه، فأزرته وقمصته وعممته بمثل ثيابه التي كان يلبس. ثم كانت إذا خرج سليمان من
دارها تغدو على ذلك التمثال، هي وولائدها، فيسجدن له كما كانت تصنع ذلك في ملكه (عبادة
الآباء) وتفعل ذلك بكرة وعشية، وسليمان لا يعلم بشيء من ذلك أربعين يوماً. وبلغ ذلك
آصف بن برخيا، وكان صديقاً، وكان لا يرد من باب سليمان متى أراد دخوله من ليل أو نهار،
(معه VIP) فأتاه فقال: يا نبي الله، كبرت سني، ودق عظمي، ونفد عمري، وقد حان
مني الذهاب، وقد أحببت أن أقوم مقاماً قبل الموت، أذكر فيه من مضى من أنبياء الله،
وأثني عليهم بعلمي، وأعلم الناس ما يجهلون من كثير من أمورهم، فقال: افعل. فجمع له
سليمان الناس، فقام فيهم خطيباً، فذكر من مضى من أنبياء الله، وأثنى على كل منهم بما
فيه، وذكر ما فضلهم الله به حتى انتهى إلى سليمان، فقال: ما كان أحلمك في صغرك، وأورعك
وأفضلك في صغرك، وأحكم أمرك في صغرك، وأبعدك من كل ما تركه في صغرك، ثم انصرف. فوجد
سليمان في نفسه من ذلك. فلما دخل سليمان داره أرسل إلى آصف بن برخيا فقال: ذكرت من
مضى من أنبياء الله، وأثبت عليهم خيراً في كل زمانهم، وفي كل حال من أمورهم؛ فلما ذكرتني
جعلت تثني علي بخير في صغري، وسكت عما سوى ذلك من أمري في كبري، (وهذا ذم في صيغة مدح)
فماذا أحدثت في آخر أمري؟ قال: لأن غير الله يعبد في دارك أربعين يوماً في هوى امرأة.
قال سليمان: في داري! قال: نعم في دارك. فاسترجع سليمان ثم دخل داره، فكسر ذلك الصنم،
وخافت تلك المرأة. ثم أمر سليمان بثياب الطهر فأتى بها، وهي ثياب لا يغزلها إلا الأبكار
ولا تمسها امرأة ذات دم (دليل على إسرائيلية الرواية) فلبسها ثم خرج إلى فلاة من الأرض
وحده، فأمر برماد، ففرش به، ثم أقبل تائباً إلى الله حتى جلس على ذلك الرماد تذللاً
لله تعالى وتضرعاً إليه، يبكي ويدعو ويستغفر مما كان في داره، فلم يزل ذلك دأبه حتى
أمسى، ثم رجع إلى داره. وكان له وليدة يقال لها الأمينة، (السكرتيرة، وهي أنثى حتى
هنا) فكان إذا دخل لحاجته أو أراد إصابة امرأة من نسائه وضع خاتمه (مصدر الشرعية) عندها
حتى يتطهر، فوضعه يوماً من الأيام عندها ثم دخل لقضاء حاجته، فأتاها صخر الجني على
صورة سليمان لا ينكر منه شيء، (وهكذا فعل صخر
السيسي، وصخر
الأسد، وصخر القذافي،
والجن مستور، ويعني اسمه العناد والقوة والقدرة على التخفي والتمثيل..) فقال لها: يا
أمينة، خاتمي؛ فناولته إياه، فجعله في يده ثم خرج حتى جلس على سرير سليمان، وعكفت عليه
الجن والإنس والطير. وخرج سليمان فأتى الأمينة، وقد تغير عن حليته وهيئته عند كل من
يراه. فقال: يا أمينة. قالت: ومن أنت؟ قال: أنا سليمان بن داود. قالت: كذبت لست سليمان،
وقد جاء سليمان وأخذ خاتمه وهو جالس على سريره في ملكه، فعرف سليمان أن خطيئته قد أدركته،
فجعل يقف على الدار من دور بني إسرائيل فيقول: أنا سليمان بن داود، فيحثون عليه التراب
ويسبونه ويقولون: انظروا إلى هذا المجنون يزعم أنه سليمان (يعادل فقدان الشرعية
بالبيان الدستوري) فلما رأى سليمان ذلك عمد إلى البحر، فكان ينقل الحيتان لأصحاب البحر
منه إلى السوق فيعطونه كل يوم سمكتين، فإذا أمسى باع إحدى سمكتيه بأرغفة ويشوي الأخرى
فيأكلها، فمكث كذلك أربعين صباحاً عدة ما كان ذلك الوثن في داره.
وأنكر آصف وعظماء بني إسرائيل حكم عدو
الله الشيطان في تلك المدة. (وكان قد فظع (فباع جزيرتي تيران وصنافير، أو الجولان
في الحالة السورية)، فقال آصف: يا معشر بني إسرائيل، هل رأيتم من اختلاف حكم سليمان
بن داود ما رأيت؟ قالوا نعم. قال: أمهلوني حتى أدخل على نسائه وأسألهن هل أنكرن منه
في خاصة أمره ما أنكرناه في عامة أمر الناس. فدخل على نسائه فقال: ويحكن! هل أنكرتن
من أمر نبي الله سليمان ما أنكرناه؟ فقلن: أشد وأعظم، ما يدع امرأة منا في دمها، ولا
يغتسل من جنابة (همه الإتيان والوقاع والبهائم منه أطهر فهي لا تأتي إناثها إلا
بعد شم أرحامها والتأكد من طهرها!) فقال آصف: إنا لله وإنا إليه راجعون، إن هذا لهو
البلاء المبين. ثم خرج إلى بني إسرائيل فقال: ما في الخاصة أعظم مما في العامة (ذهب
مثلا). فلما مضت أربعون صباحاً طار الشيطان عن مجلسه ثم مر بالبحر فقذف الخاتم فيه،(المروية
هنا لا تبين سبباً لزهد الشيطان في الحكم، أو في نساء النبي سليمان، ولعله زمني) فابتلعته
سمكة (لا علاقة لهذا باهتمام السيسي بمزارع الأسماك وتكليف جنرالات بأنواع السمك) وأخذها
بعض الصيادين، وقد عمل له سليمان صدر يومه حتى إذا كان آخر النهار أعطاه سمكتيه، فأعطى
السمكة التي ابتلعت الخاتم، وحمل سليمان سمكتيه فباع التي ليس فيها الخاتم بالأرغفة،
ثم عمد إلى السمكة الأخرى فبقرها ليشويها، فاستقبله الخاتم (هذا التعبير جميل
ويعامل الخاتم معاملة البشر) من جوفها فأخذه، فجعله في يده ووقع ساجداً لله تعالى،
وعكفت عليه الطير والوحش والجن. وأقبل إليه الناس ورجع إلى ملكه وأظهر التوبة من ذنبه،
وأمر الشياطين بإحضار صخر فأدخله في صخرة عظيمة (الجزاء من جنس العمل)، ثم شد عليه
أخرى، ثم أوثقهما بالحديد والرصاص، ثم أمر به فقذف في البحر. (سجون الملوك محكمة
ومحصنة ومضاعفة أربع أو خمس مرات حرزاً وإحكاماً).
الخاتم هو رمز الشرعية، فيها عزائم
مقاليد السلطة العمومية، وهو في حالتنا رضى الغرب واعترافه، إلى جانب السيف فهو
"سيد الخواتم" في هذه العصر.
وإذا تأملنا حال ملوكنا العرب،
سنجد أن أكثرهم تزوج من زوجة غربية أجنبية، سعياً وراء الشرعية، وتأليفاً لها،
وعادة تكون الزوجة أجنبية بوصيدونة، إذا لم يكن الملك إغريقياً (السردية الغربية)،
أو أجنبياً، كما في حالة
مصر السيسية.
صخر السيسي، وصخر الأسد كانا يُستقبلان
على السجاد الأحمر في الغرب الديمقراطي، وتسبغ عليهم، وعلى زوجاتهم الألقاب، مثل
زهرة الصحراء ( وفي اللقب ذمّ لنا بوصفنا بالصحراء، وهي زهرتها الوحيدة!)، ويُنتقدان
أحياناً، لكن ذلك لا يفسد للود قضية. في حالة صخر الأسد، هي بريطانية
الجنسية، وزوجة عبد الناصر فارسية الأصل، وزوجة الملك حسين أمريكية، وزوجة السادات
من خواجات مصر، تعرف مراقصة الأجانب، وزوجة عرفات من دين الغرب، وزوجة حسني مبارك
بريطانية الجذور والتربية، أما السيسي نفسه، فهو "بوسيدوني"، يؤمن بآلهة
البحر الإغريقية، أو الأوربية، واللي ميرضيش ربنا احنا معاه، ويعرف كيف يصيد السمك،
ويستخرج الخواتم من بطنها.. الملك الأردني يتكلم الإنكليزية بطلاقة ليست له في
العربية، وكان الغرب قد فضله على ولي العهد الحسن، وغيّره الملك الراحل بإيعاز من الغرب.
صخر العسكر في
سوريا وفي مصر، قد
استحوذا على الخاتم "السحري" الذي يجعل لهما قوة خارقة، هي قوة الشعب
والأمة، ولن يخلعاها إلا بالقوة، فهما لا يقبلان إلا بالبيعة، والاستفتاء، أو بمنافسين
من وزن الريشة، والوضوء والغسل في المروية يوجب خلع الخاتم، لأن عليه اسم الله،
وهما لا يخلعانه، مع أن الخاتم عليه اسم الشيطان، ولذلك ريحتهما نتنة، وتملأ الأقطار،
أما تأويل إتيان صخر الجني نساء النبي سليمان في طمثهن، وعدم اغتساله من الجنابة، فهو
الفساد الشامل الذي نراه في مصر وسوريا العلمانيتين.
في المروية عناصر حكائية، بعضها
معفى من المنطق، مثل اكتشاف آصف بن برخيا وحده، شخصية سليمان المزوّرة، وبعضها
سحري، وبعضها قدري، وتستحق فكرة الشبيه دراسة مستقلة، فهي تعني في المرويات،
الدمار، وقد أولتها على التنكر في هذا المقال.
قال السيسي: "اللي يقرب لها
لأشيله من وش الأرض"، هذا في مصر. في سوريا: شال الأرض ومن عليها!
فالجرادة حلوة، وليس في مثل جمال
السلطة أحد من نساء العالمين. والجراد يأكل الأخضر واليابس.
من النافل القول: إن وريث سليمان
في القمقم، وإن صخراً الجني، سيفوز في الانتخابات، لدورات قادمة لا تحصى، وسيملأ
السجون بالبنين والبنات، إلى أن يأتيه هادم اللذات، ويأخذ منه الخاتم، روحه، فهو
لا يُؤخذ إلا بالموت في بلادنا.
صخر الجني أيضا في قمقم السلطة
الذهبي، وتركه للقمقم الذهبي يعني موته غالبا.