عرض أبو محمد
الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، على فصائل المعارضة السورية "مصالحة شاملة"، ودعاها لرص الصفوف لصد الهجوم الذي تشنه قوات النظام وحلفائه على محافظة إدلب، شمال غرب
سوريا.
وقال الجولاني في تسجيل صوتي بث الثلاثاء الماضي مخاطبا الفصائل السورية: "فلننزل إلى الميدان يدا واحدة، وصفا متراصا، ونحن نبسط أيدينا للجميع، ولن نكون عائقا أمام أحد، مستعدون لتسوية كل شيء طالما انطلقنا من الداخل، بعيدا عن المشاريع والأجندات الخارجية".
وقد أثار عرض زعيم هيئة تحرير الشام المصالحة الشاملة على فصائل المعارضة السورية، ردود فعل متباينة، بين مندد ومؤيد، ومشيد به ومقلل من أهميته، فاتحا الأبواب لجملة من الأسئلة حول دوافع ذلك العرض وتوقيته، ومواقف فصائل المعارضة منه، وهل يحمل مضامين جديدة يمكن أن تشكل منطلقا جيدا للمصالحة المرجوة بين الفصائل؟
جاءت مواقف المنددين بعرض الجولاني والمقللين من أهميته، مشيرة إلى أنه "لا يحمل مضامين جديدة، بل هو تكرار لما قاله من قبل، ولا يعدو أن يكون كلاما للاستهلاك المحلي، دون رغبة جادة منه في المصالحة، عبر اعترافه أولا بالأخطاء المرتكبة من جماعته بحق الفصائل الأخرى، ومن ثم العمل على تصويب تلك السياسات والممارسات"، بحسب المنددين.
ووفقا للأكاديمي الشرعي السوري، أيمن هاروش فإن "عرض الجولاني للمصالحة يفهم في سياقين، أولهما المصالحة مع الفصائل الأخرى، التي قاتلها، وانتزع منها السلاح، فإن كان هذا المقصود فهو نوع من الاستهلاك المحلي لامتصاص حالة الغضب الشعبي تجاهه وتجاه جماعته، وسبق له عرضه من قبل ولا جديد فيه".
وأضاف هاروش لـ"
عربي21": "حينما تشكلت هيئة تحرير الشام قالوا إننا سنجري مصالحة مع الفصائل الأخرى، وصرح المحيسني حينذاك بأنه سيتم الإفراج عن المعتقلين لدى الهيئة، وعودة المهجرين من قراهم وبيوتهم، ولم يحدث شيء من ذلك".
وتابع هاروش حديثه: "المصالحة لا تحتاج لعرض وغيره، بل تتطلب القيام بإجراءات فورية، فالرجل قاتل فصائل عديدة، ونهب أسلحتها وأموالها، فإن كان صادقا في عرضه، فليفرج عن المعتقلين في سجونه فورا، وليرجع الأموال والأسلحة المنهوبة إلى أصحابها، ليظهر صدق عرضه وجديته" على حد قوله.
أما السياق الثاني المحتمل لعرض الجولاني، فطبقا لهاروش "قد يكون موجها لمجموعة القاعدة الذين خرجوا من جماعته وبايعوا أيمن الظواهري، في محاولة منه لترميم بنيان جماعته واستدراك ما وقع في صفوفها، وتلافي حدوث انشقاقات أخرى داخلها".
واستبعد هاروش هذا الاحتمال مع وروده، مشيرا إلى أن هيئة تحرير الشام تعاني من تصدعات داخلية، بعد إعلان فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، وخروج أعداد منها معلنة بيعتها للقاعدة، وهو ما بات يشكل تهديدا جديا لجماعة الجولاني.
واستغرب هاروش كيف يدعو الجولاني الفصائل الأخرى لمصالحة شاملة، وهو يخاطبها بمفردات التخوين وبيع الثورة كما ذكر ذلك أكثر من مرة في خطابه الأخير، متسائلا: "إن كانت تلك الفصائل أو بعضها خائنة، وتتاجر بالثورة فكيف يقدم الجولاني على مصالحة من كان خائنا؟".
أما بشأن مواقف الفصائل من عرض الجولاني، فتوقع هاروش عدم استجابتها له، لأنها لا تثق بكلامه وعروضه، وقد جربته من قبل، مستشهدا بالمثل الشامي العامي القائل "اللي بجرب المجرب عقله مخرب".
من جهتها رأت الناشطة السورية على مواقع التواصل الاجتماعي، أشواق حفيظ أن "خطاب الجولاني الأخير حمل كثيرا من التغيير، كاعترافه المباشر بالثورة السورية، وأهدافها الرئيسية وهي إسقاط النظام كمرحلة أولى".
أما بشأن المصالحة الشاملة التي عرضها الجولاني، فذكرت حفيظ أنها "لا تستطيع الحديث عن موقف الفصائل التي لا تملك استقلاليتها"، لافتة إلى أن "معظم الفصائل الموجودة في الشمال مسلوبة الإرادة، وليس لها حرية في اتخاذ قرارات مصيرية، كقرار المصالحة لأنه قرار مصيري للساحة بأكملها".
وتابعت حديثها لـ"
عربي21": "غرف المخابرات التي تدعم هذه الفصائل تمنع وتسعى في كل مرة لعرقلة أي محاولة للإصلاح، وقد رأينا ذلك بعد سقوط حلب، حيث وقع أمير أحرار الشام في ذلك الوقت، علي العمر على مشروع الاندماج، ولكن بسبب ضغوطات خارجية ألغى كل شيء".
واستبعدت حفيظ أن يساهم عرض الجولاني في حل المشاكل المستعصية بين الفصائل في ظل تبعية معظم الفصائل للداعمين، وغياب الإرادة الجادة للانعتاق منها، مضيفة أنه "ولحد هذه اللحظة لم نرَ أي موقف رسمي لأي فصيل، حتى المعروفة بقربها من هيئة تحرير الشام، بل أزيدكم من الشعر بيتا: حتى الفصائل المقربة من الهيئة على الأرض تحاول إنكار ذلك على الإعلام خوفا من انقطاع الدعم".
واعتبرت حفيظ أن "العائق الأكبر في وجه تحقيق المصالحة، هو تبعية معظم الفصائل السورية (مجبرة، وغير مخيرة، كي لا يتوقف الدعم عنهم)، لبعض الدول الإقليمية ما يبعدهم عن التوحد مع باقي الفصائل السورية المقاتلة لعدم تنفيذ أجندة معينة لصالح الدول الإقليمية، وخاصة تنفيذ قرارات مؤتمر أستانة".
وجوابا عن سؤال "لماذا لا يفرج الجولاني عن المعتقلين في سجونه، ويرجع الأموال والأسلحة لأصحابها كرسائل مطمئنة تؤكد جدية عرضه للمصالحة؟"، قالت الناشطة السورية حفيظ: "المعتقلون في السجون عليهم قضايا، ولا أحد من السوريين فوق المحاسبة"، لافتة إلى أنه "تم إطلاق سراح معتقلين مؤخرا ممن ثبتت براءتهم".
أما عن الأموال والأسلحة التي استولت عليها هيئة تحرير الشام من الفصائل الأخرى، فذكرت حفيظ أنها "ليست خاصة بالفصائل، بل قدمت للثورة والشعب السوري، وبدل أن يخزن السلاح دون جدوى، قررت الهيئة تحريكه في معارك ريف حماة الشمالي والشرقي، والدفاع عن هذه المناطق بعد الهجمة الشرسة من النظام وأعوانه".
في السياق ذاته أشار الإعلامي السوري، أحمد موفق زيدان إلى أن "الفصائل لم تقدم ردها المباشر والواضح على عرض الجولاني، ولم يتم تجاوبها معه"، معللا ذلك بأنها "تخشى من التصنيف، وهو ما حال دون الاندماج لوقت طويل".
ووصف زيدان في حديثه لـ"
عربي21" ما يقوله معارضو عرض الجولاني بأنه للاستهلاك المحلي بـ"غير الدقيق"، فـ"الظروف تغيرت، والهيئة اليوم ليست كهيئة الأمس، فداخليا انشقت عنها جماعة القاعدة الموالون للظواهري بعد مهاجمة الأخير للجولاني لفك ارتباطه بالقاعدة".
وذكر زيدان أنه "يدرك تماما حجم الإحباط والانزعاج الفصائلي من ممارسات الهيئة"، مشيدا بـ"حركة تحرير الشام التي تعالت على كل الجراح ودخلت معركة حماة وإدلب"، وموجها انتقاده للفصائل التي تتسابق للحوار مع المحتلين الروس والإيرانيين، أليس الأولى بها الحوار مع إخوانهم؟".
ولفت زيدان في ختام حديثه إلى أن "هيئة تحرير الشام ليست قاعدة، وقد ظهر ذلك في كلام الظواهري، وهجومه على الجولاني" محذرا من "إفناء شباب أهل السنة، عبر تصفية النخب لمعاركها النخبوية والدنكشوتية على حساب الشعب السوري ودمائه الزكية".
بدوره وصف الناشط السوري، وائل عبد العزيز كلمة الجولاني الأخيرة بأنها "لم تختلف عن النهج العام للسلفية الجهادية القائم على الهدم والتخوين، وتكفير المخالف"، مضيفا لـ"
عربي21": "كما أن استخدام جمل التخوين ضرورة في فكر القاعدة للتأكيد على أنه ما زال على "المنهج" أمام عناصره".
واستغرب عبد العزيز عرض الجولاني المصالحة على من "حشد عناصره لقتالهم من قبل بزعم خيانتهم تارة وردتهم تارة أخرى"، واصفا عرضه ذاك بأنه "لم يكن للمصالحة بقدر ما هو محاولة للالتفاف على الفصائل والاحتماء بها من الشر القادم إليه، ممن يحملون نفس فكره، وانشقوا عنه بزعامة العريدي وأبي جليبيب وأقرانه من القاعدة" على حد وصفه.
وأرجع عبد العزيز عرض الجولاني للمصالحة إلى أمرين: "أولهما تخوفه من تداعيات الانشقاقات الداخلية كجند الملاحم، وغالبية قطاع البادية وآخرين وعودتهم للقاعدة، والثاني: الاحتقان الذي كان موجودا داخل المجتمعات المحلية الرافضة لفكر القاعدة الذي حمله الجولاني، بعد أن طفا على السطح، ولم يعد بإمكانه الوقوف أمامه خصوصا بعد ممارسات تنظيمه الغريبة على مجتمعاتنا، وغير المقبولة تجاه المدنيين".
وأنهى عبد العزيز حديثه مستبعدا أن يلقى عرض الجولاني قبولا في أوساط الفصائل السورية، "بعد كل ما ارتكبه من جرائم بحقها، وتهجير الثوار، ونهب سلاحهم" بحسب عبارته.