قضايا وآراء

الصفقة الرديئة

حمزة زوبع
1300x600
1300x600

يراهن التجار المهرة على قيمة البضاعة المعروضة في الأسواق، وكلما كانت البضاعة في حالة ممتازة؛ كلما راج سوقها وارتفع سعرها وتخاطفتها أيادي المشترين.. أما البضاعة الرديئة، فتبقى في الأسواق شهورا وسنين ولا يعيرها الناس اهتماما، حتى لو ظل صاحبها يزينها ويجملها، أو حتى يخفض سعرها. تبقى دائما هذه البضاعة، حتى عند من اشتراها، بضاعة "عفا عليها الزمن".

 

يحاول البعض ممن يحكمون عالمنا العربي إقناعنا بأن بيع فلسطين وتوطين الفلسطينيين في سيناء وإقامة علاقات مباشرة مع المحتل الصهيوني؛ هي صفقة القرن التي لن يمر مثلها


يحاول البعض ممن يحكمون عالمنا العربي اليوم إقناعنا بأن بيع فلسطين وتوطين الفلسطينيين في سيناء وإقامة علاقات مباشرة مع المحتل الصهيوني؛ هي صفقة القرن التي لن تمر علينا بصفتنا زبائن مثلها، وأنها تمثل فرصة للنهوض والتنمية والوصول إلى آفاق العالمية، بمجرد التخلص من ملف فلسطين والقدس وصداع سيناء المهملة منذ أكثر من نصف قرن. وهنا لدي عدة تساؤلات أطرحها لعل فيها ما يفيد:

1- لماذا لم تتطور وتتقدم الدول التي لديها وفرة مالية تفوق تريليونات الدولارات، وهي ليست في حالة حرب مع الكيان الصهيوني؟

2- لماذا لم تتطور وتتقدم تلك الدول التي ليس لها علاقة جوار مباشرة مع الكيان الصهيوني، مثل السعودية واليمن والعراق والبحرين والمغرب العربي بأسره؟

3- لماذا لم تتقدم وتتطور تلك الدول التي وقعت معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني، مثل مصر والأردن؟

4- لماذا لم تتحسن ظروف معيشة الإخوة الفلسطينيين في الضفة والقطاع رغم توقيع السلطة لاتفاقية أوسلو قبل ربع قرن تقريبا؟

5- لماذا نتوقع بعد توقيع صفقة القرن وبيع فلسطين وجزء من سيناء؛ أن ينهض الاقتصاد وتتحسن معيشة الناس وأحوالهم، ونصبح قطعة من أوروبا وأمريكا؟

6- هل تضمن اتفاقية صفقة القرن تحول النظم المستبدة إلى نظم ديمقراطية حديثة يتم فيها تداول السلطة؟

7- لماذا يتاجر الكل بقضية فلسطين، ويعتبر التنازل عنها مدخلا طبيعيا لعلاقت أكثر دفئا مع الصهاينة والأمريكان؟

8- كيف نصدق من يقولون أنهم حماة الإسلام والمدافعون عن مقدساتهم؛ وهم الذين صمتوا حين صرح ترامب بأن القدس عاصمة تاريخية وأبدية لليهود؟ فماذا لو صرح ترامب بأن فلسطين كلها ملك لليهود؟

9- لماذا يتم خطف القضية من أهلها ومجاهديها؛ وإلقاءها في حجر دول أخرى ليس لها علاقة بها؟ أليس هذا ما يسمونه بالتدخل في شؤون الغير؟

10- لماذا تجاهل ابن سلمان الأردن، وقام بالضغط على أبو مازن، رغم علم الجميع أن الأردن على خط التماس في القضية الفلسطينية منذ نشأتها، على عكس الكثير من الدول؟

ثم دعك من هذا كله، وتعال نتحدث عما نشره موقع "بي بي سي" عن الحوارات التي تمت بين الرئيس المخلوع مبارك ورئيسة وزراء بريطانيا سابقا، مارجريت تاتشر، حول توطين الفلسطينيين في سيناء. ورغم نفي مبارك وتصريحه بأن ذلك لم يحدث، فإن "بي بي سي" أعلنت أن لديها شهودا على كلام مبارك، وهم مسؤولون كبار في حكومة تاتشر، وأن الأمر موثق ولا داعي لإنكاره. أي أن قضية بيع فلسطين ليست قضية اليوم، وإن اختلفت الطرق والوسائل وطريقة عرض الصفقة.

ليس هذا فحسب، بل لعلنا نذكر تصريحات وزيرة الشؤون الاجتماعية وحقوق الإنسان الصهيونية، جيلا جملئيل، التي كانت قد زارت القاهرة في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وعادت منها لتعلن أن سيناء هي الوطن القومي للفلسطينيين. وحين سئل سامح شكري في حوار مع عمرو أديب؛ لماذا لم يتم استدعاء السفير الصهيوني، وسؤاله عن هذه التصريحات، قال إن "الأمر قديم، ثم إن موقفنا معروف".. لكنه وأيا من أركان وزارته لا يجرؤون على نفي صحة الموضوع. ليس هذا فحسب، بل إن الوزير الصهيوني أيوب قرا قد نقل عنه في شباط/ فبراير من العام الحالي 2017؛ أن الجنرال السيسي وافق على إقامة دولة فلسطينية في غزة وسيناء وترك الضفة الغربية للصهاينة. وقال قرا في نفس التصريح إن ترامب ونتنياهو سيوافقان على اقتراح السيسي بإقامة الدولة في غزة وسيناء. (رابط الخبر).

ورغم نفي المتحدث باسم السيسي، وتكذيب إعلام السيسي لقرا، إلا أن الأيام أثبتت أن السيسي هو صاحب المبادرة. ولا ننسى أنه، وأثناء زيارته للبيت الأبيض، قال إنه يضع نفسه ومصر في خدمة صفقة القرن.

نعود إلى ما جاء في مقال للكاتب العربي المقيم في ألمانيا، "خالد شمت"، والمنشور على موقع الجزيرة بتاريخ 17 كانون الأول/ ديسمبر 2017.. وفيه ينقل الكاتب عن تقرير نشرته صحيفة "فرانكوفرت ألغماينه تسايتونج" الألمانية، للباحث الألماني المتخصص في الشؤون العربية، "راينر هيرمان". وملخص التقرير أن صفقة القرن أساسها دولة فلسطينية في سيناء. ومن بين أخطر فقرات التقرير: "إن اهتمام الرئيس محمد مرسي بتنمية هذه المنطقة كان أحد أهم أسباب الانقلاب عليه من الجنرال السيسي؛ الذي كان وزير دفاعه آنذاك، والذي أعاد شمال سيناء إلى التهميش مجددا".

وجاء في التقرير الألماني أيضا أن "مجمل سياسات النظام في سيناء تؤشر لإعداد هذه المنطقة لإقامة الدولة الفسلطيينة. ليس هذا كل ما في الأمر، بل تخطى الموضوع إلى ما هو أبعد من ترحيل الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى شمال سيناء، بل تهجيرهم من القدس الشرقية التي يطالب العرب بأن تكون عاصمة لدولة فلسطين مستقبلا؛ إلى العريش وما حولها". (هذا هو رابط المقال لمزيد من الاطلاع والمعرفة).

 

أحد أهم أسباب الانقلاب على الرئيس محمد مرسي؛ هو أنه كانت لديه خطة لإعادة إعمار سيناء، وللدفاع عن فلسطين والفلسطينيين


إذا نظرت بعين متفحصة لما يجري حولك، فستدرك أن أحد أهم أسباب الانقلاب على الرئيس محمد مرسي؛ هو أنه كانت لديه خطة لإعادة إعمار سيناء، وللدفاع عن فلسطين والفلسطينيين، وأن السعودية كانت علم بخطة صفقة القرن، وأنها دعمت السيسي لكي يكون لها علاقة بالكيان الصهيوني، وهو ما يحدث أمام أعين الجميع الآن.

لا أعتقد أن الصفقة الرديئة ستمر دون كلفة عظيمة سيدفعها أولئك المقامرون بمصائر الشعوب وبمقدرات بلدانهم.. هكذا تعلمت من التاريخ.

التعليقات (1)
Mohamed Lmezouari
الأربعاء، 20-12-2017 01:24 ص
مقال اكثر من رائع للاسف مند اعتراف ترامب اتضح الامر ولكن هذا لا يهم فلكل يومه ويوم الدول التي دعمت الخطة اقرب اليها مما تتخيل وايران من سيشعل المنطقة نارا وكل الشرق الاوسط سيدفع الثمن غاليا