كتاب عربي 21

عندما التقى الخطان المتوازيان!!

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600

عاد الحديث من جديد في تونس؛ عن دور النقابات عموما، والاتحاد العام التونسي للشغل بشكل خاص، في مرحلة الانتقال الديمقراطي. ويرجع ذلك إلى ثلاثة أسباب على الأقل..

 

يتعلق السبب الأول بالتقارب الذي حصل في الفترة الأخيرة بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد من جهة، والأمين العام للاتحاد الطبوبي من جهة أخرى. هذا التقارب اعتبره الكثيرون "تحالفا" غير متوقع بين الطرفين في مرحلة دقيقة تتسم بالضعف والهشاشة. أما العامل الثاني، فيخص القرار الذي اتخذته المركزية النقابية، والذي تمثل في إحالة 12 نقابيا على مجلس التأديب، نتيجة وقوفهم وراء الإضراب المفتوح الذي شل قطاع المالية لمدة خمسة أيام، وهو الإضراب الذي لم توافق عليه قيادة الاتحاد، والذي يعتبر حسب القانون الداخل للمنظمة إضرابا عشوائيا وغير شرعي. وتعتبر هذه من المناسبات القليلة التي يتم فيها معاقبة نقابيين بسبب تمردهم على قيادتهم النقابية. أما المؤشر الثالث، فيتمثل في المرونة التي تعامل بها اتحاد الشغل مع الميزانية الجديدة التي دار حولها جدل واسع داخل البرلمان وخارجه، بحجة الإجراءات الشديدة التي من شأنها أن تزيد من إضعاف القدرة الشرائية للمواطنين.

هل يعني ذلك أن اتحاد الشغل - أهم منظمة نقابية في تونس - قد شرع في تعديل استراتيجيته المطلبية، وبدأ يدرك بأن البلاد في وضع صعب ومعقد، وأن اقتصادها لم يعد قادرا على أن يوفر الزيادة السنوية في الأجور بدون زيادة في الإنتاج؛ لأن ذلك من شأنه أن يتسبب في ارتفاع نسب التضخم، ويؤدي عمليا إلى تصاعد نيران الأسعار وانهيار العملة المحلية؟ أم أن الأمر لا يرتقي إلى مستوى التحالف بالمعنى العميق للكلمة، وإنما هو مجرد موقف ظرفي تتحكم فيه اعتبارات مؤقتة قد تزول في أول منعرج تدخله البلاد؟

واجه الاتحاد ثماني حكومات تعاقبت بعد الثورة؛ بأسلوب واحد: المطالبة بتحسين دخل منظوريه، من عمال وموظفين بالقطاعين العام والخاص، وفي حال عدم الاستجابة، يتم اللجوء إلى الإضراب باعتباره حق مشروع ضمنه الدستور والمواثيق الدولية. لم تسلم أي حكومة من ذلك، وقد تتطور المواجهة إلى درجة تعلن فيها القيادة النقابية بأنها ستلجأ إلى الإضراب العام وشل حركة الإنتاج، من أجل تركيع السلطة التنفيذية وإجبارها على تنفيذ المطالب.

 

يعتبر الاتفاق بين قيادة الاتحاد والشاهد؛ لافتا للنظر ومثيرا للاستغراب


لا يعني ذلك أن النقابيين التونسيين ليسوا وطنيين، ولا يملكون أي شعور بالمسؤولية تجاه شعبهم وبلادهم. إن المسألة أكثر تعقيدا من ذلك، إذ للاتحاد رصيد تاريخي في صناعة دولة الاستقلال وفي حمايتها. وعندما يسأل النقابيون عن المبررات التي يستندون عليها لتعليل سلوكهم المطلبي والاحتجاجي، يقدمون وجهة نظر متماسكة الى حد ما.. يقولون إن الحكومات المتتالية تعودت على تنفيذ سياساتها بالاعتماد على تضحيات العمال، وأن ذلك لا يمكن أن يستمر دون أن يتقاسم الجميع كلفة المرحلة الانتقالية.

مع ذلك يعتبر الاتفاق بين قيادة الاتحاد والشاهد؛ لافتا للنظر ومثيرا للاستغراب. ويعود السبب إلى تباين وجهات النظر بين الطرفين حول أهم الملفات الاقتصادية والاجتماعية. فالحكومات المتعاقبة، بما في ذلك حكومة الشاهد، تسير في اتجاه معاكس لما يفكر فيه النقابيون. إذ من جهة؛ يسعى الشاهد إلى تنفيذ توصيات البنك الدولي التي لا تتعلق فقط ببيع عدد من مؤسسات القطاع العام، وتقليص حجم موظفي هذا القطاع، وإنما أيضا إلى تجميد الأجور، وتقليص ميزانية الخدمات الاجتماعية، وتحرير الأسعار، وتحجيم دور الدولة، في حين ترفض القيادة النقابية كل هذه الإجراءات، وتصفها بالخطيرة والمدمرة للاستقرار الاجتماعي.

على أي أساس يستند هذا التقارب بين النقابات وحكومة الشاهد؟

 

تدل كل المؤشرات على أن السنة القادمة ستكون أكثر صعوبة وتعقيدا من السنة الحالية؛ التي يودعها التونسيون بكثير من القلق


هو أقرب إلى تقاطع ظرفي أملته مصلحة الطرفين. الحكومة في أشد الحاجة إلى الحد الأدنى من التهدئة الاجتماعية، حتى لو كانت متقطعة وجزئية. ولهذا السبب، أخذت ببعض اقتراحات المركزية النقابية، مقابل أن تضبط هذه الأخيرة قواعدها؛ من أجل تمكين الحكومة من قدر من الأوكسجين يسمح لها بالتحكم في إدارة ميزانية 2018، رغم أن هذا السلوك الحكومي لم يرض اتحاد الصناعة والتجارة؛ الذي اعتبرت رئيسته أن الاستمرار في استنزاف القطاع العام من شأنه أن يدفع برجال الأعمال إلى التوقف عن الإنتاج، وعن دفع الضرائب والامتناع عن قبول عمال وموظفين جدد.

تدل كل المؤشرات على أن السنة القادمة ستكون أكثر صعوبة وتعقيدا من السنة الحالية؛ التي يودعها التونسيون بكثير من القلق. فالقادم يحمل في طياته مزيدا من الإصلاحات المؤلمة، وهي العبارة التي يرفض استعمالها النقابيون؛ لأنها بالنسبة إليهم ليست إصلاحات، وإنما هي من وجهة نظرهم إجراءات كارثية ولن تؤدي، إلا إلى مزيد تفكيك الاقتصاد الوطني وتوسيع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية.. وللحديث بقية.

التعليقات (0)