قضايا وآراء

المُقَدِّم قائد خط السمك

عمرو عادل
1300x600
1300x600

أصبحت الأمور لا تحتمل قدرا آخر من السخرية، فقد امتلأت الأوعية وفاضت، وأصبح هناك واجب آخر علينا أن نقوم به بجانب خط السخرية الثوري لخط السمك الانقلابي أو غيره، هذا الواجب هو تعديل أفكارنا أو حتى إلقائها بعيدا بعد الصدمات الكبيرة التي تتلقاها بعض أجنحة التيار غير المنتمي لنظام الانقلاب.

موضوعان الأسبوع الماضي شغلا القوى الناشطة غير المنتمية لنظام الانقلاب بدرجات مختلفة، والاثنان متعلقان بما تسمى القوات المسلحة، الأول هو تصريح منسوب لسامي عنان حول مهاجمته للسيسي، ويبدو أن البعض لا زال يحلم بمخلص من داخل الجيش سواء ما زال بالخدمة أو خارجها لينقذ مصر من وجهة نظره، وكأن أزمة مصر في السيسي وليس في النظام العسكري. على أية حال يبدو أن ذلك أيضا حلم مستبعد حتى لو تماهينا مع تلك الفكرة، فهناك فارق بين من لا يزال بالخدمة ومن هم خارجها وبالتأكيد من لا يزال بالخدمة العسكرية أكثر قدرة على هذا الأمر، أما من هو بخارجها فهناك عدة أمور محددة لقدراته.

 

وطوال الوقت يطلق النظام الانقلابي رسائل متتالية ليشير إلى سيطرته الكاملة على من هم بالخدمة بالجيش


 

أولا؛ يفقد مَن يخرج مِن الخدمة سطوة السلطة فور قرار التقاعد أو الإقالة، وهي تمثل نسبة كبيرة من قوة الرجل، وتبقى فقط قوة العلاقات وشبكات الولاء الذي يصنعها القائد قبل تقاعده التي تتأثر بالتأكيد بعد خروجه ولكنها تبقى موجودة بنسب مختلفة، ومع مرور الوقت تتآكل شبكات الولاء القديمة وخاصة مع إدراك رأس قيادة الجيش بتلك الحقيقة الكونية وتفتيتها المتتالي لتلك الشبكات سواء بالإقالة أو بالنقل إلى أماكن أخرى، والرقم المتداول لعدد السنين الأقصى التي يمكن لقائد سابق التأثير في الجيش سواء بشبكات الولاء أو حتى بالانتماء العاطفي أو النفسي له لا تزيد عن خمس سنوات، وبعدها يصبح هذا القائد السابق ذكرى سيئة أو جميلة ولكنه يبقى ذكرى.

ولذلك الأمل في قوة أحد الاسمين المتداولين سواء عنان أو شفيق هو جزء من التفكير بالتمني حول قدرتهم على التأثير أو التغيير، وخاصة أنهم جزء من النظام الانقلابي قد يكون مختلفا معه في بعض الأمور، ولكنهم يبقوا جزءا منه ومن منظومة العداء للشعب، فقط من يملك أفكارا وقيما تتجاوز الرتب والمناصب والسلطة هو من يبقى عبر التاريخ ولا تهزم أفكاره السنين وهذا لا أعتقد أن شفيق وعنان يمتلكونه.

لذلك فإن ما يطلقه أحيانا شفيق أو عنان من تصريحات تبدو لي أنها لا تختلف كثيرا عن التصريحات التي يطلقها البعض التي توحي برغبتهم في حدوث تغيير من داخل مؤسسة الجيش وأن هذا هو الحل الوحيد والممكن، وما أراه أنه ليس حلا ممكنا بالأساس وأيضا ليس حلا وحيدا.

وطوال الوقت يطلق النظام الانقلابي رسائل متتالية ليشير إلى سيطرته الكاملة على من هم بالخدمة بالجيش وأن كل ما يقال هو أضغاث أحلام، ولكن ما يبدو أن البعض لا يزال يراهن على هذه الأحلام.

الحدث الثاني المتوافق مع هذه الفكرة وليس بالضرورة أن يكون هناك تعمد في التوافق الزمني هو حادثة قائد خط الجمبري التي صدمت البعض، وكان محور الصدمة كيف يمكن أن يظهر مقدم في الجيش قضى ما يقرب من 20 عاما بالخدمة ويخرج على العلن ليصدح بجملة كارثية أنه مقدم مقاتل قائد خط الجمبري؟

الحقيقة أن هناك عدة دلالات لهذه الجملة، بالنسبة لهذا المقدم ذاته فمن المحتمل أن يكون مقتنعا تماما بما يقول وأن قائد خط الجمبري لا يتعارض مع الجملة الأولى أنه مقدم مقاتل، ولو كان ذلك صحيحا؛ فهذا يؤكد أن مؤسسة الجيش بعد كامب ديفيد نجحت نجاحا باهرا في تدمير عقلية الجيش المصري وأعضائه، حيث لم يجد هذا المقدم غضاضة فيما يقول ولم يعد القتال بالسلاح؛ بل بأي شيء آخر كما تطلبه القيادة، وبالتالي أكدت القيادة على سيطرتها الكاملة على المؤسسة حيث تستطيع أن تجعل أفرادها يفعلون ما تريد القيادة وليس ما يجب عليهم فعله.

والاحتمال الثاني أنه مجبر على فعل ذلك لأسباب متعددة، وأعتقد لو كان هذا الاحتمال صحيحا فهو نتيجة ليقين المقدم أنه في حالة اعتراضه أو رفضه فإن مصيره السجن والعزل وتدمير حياته، فلم يجد أزمة في أن يخرج بهذا الشكل المهين بدافع أقل الضررين من وجهة نظره، وأنا أعتقد أن الاحتمال الأول هو الأقرب نظرا لما حدث من تدمير متكامل شامل بعد كامب ديفيد المشؤومة.

وعلى أية حال أي من الاحتمالين له دلالة بالسيطرة الشاملة على الجميع حتى مستوى منخفض من الرتب سواء المقدم المقاتل قائد خط الجمبري أو الرائد المقاتل قائد خط الفوم، وهذه الرسالة المعلنة ليس الهدف منها تقليل هيبة الجيش كما يحاول البعض ترويجه، ولكنها رسالة السيطرة الكاملة حتى الرتب الصغرى التي يراهن البعض عليها.

يؤكد ما حدث أن الحل لا يمكن أن يكون من داخل تلك المؤسسة ولابد أن يكون الحل من خارجها واستمرار العبث في انتظار المخلص ذو الرداء الكاكي هو جريمة في حق الثورة، إن الطرق البديلة ربما تكون صعبة ومكلفة ولكنها ممكنة وحققت نجاحا في محطات تاريخية في العالم وتحتاج لإرادة وعمل وتنظيم للعمل واصرار، أما استمرار عبث انتظار المخلص العسكري فهو جريمة تعادل جريمة الانقلاب العسكري ذاته.

0
التعليقات (0)