هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا لأستاذ الدراسات الأمنية في جامعة إكستر البريطانية الدكتور عمر عاشور، حول الأوضاع الأمنية في مصر.
وينقل الكاتب في بداية مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، شهادة أحد الجرحى من هجوم الصحراء الغربية، الذي وقع في 21 تشرين الأول/ أكتوبر ضد قوات الأمن، الذي سرب في تسجيل مدته 6 دقائق، حيث قال الجريح: "كان هناك حوالي 10 أو 12 منهم.. شباب صغار أعمارهم بين 20 و21 عاما.. هاجموا أكثر من 70 منا، ونحن نحمل بنادق جديدة ومصفحات جديدة".
ويقول عاشور: "كما هو معتاد، فإن البيان الرسمي لوزارة الخارجية تعارض مع روايات الشهود والتصريحات غير الرسمية، التي أدلى بها مسؤولون للإعلام، وبحسب الوزارة، فإن عدد القتلى من الشرطة هو 16 ومن المهاجمين 15، لكن طواقم الإسعاف والمصادر الأمنية قالت إن عدد الوفيات وصل إلى أكثر من 50 شخصا، ولم تكن هناك أي خسائر في جانب المهاجمين".
ويشير الكاتب إلى أن "هذا الهجوم هو الرابع الكبير في الصحراء الغربية منذ بداية عام 2017، هذا إن لم نأخذ في عين الاعتبار الاشتباكات الصغيرة، ويأتي ذلك بعد موجة قمع وحشي وعنف من المتمردين، التي تزايدت بشكل سريع منذ الانقلاب العسكري في تموز/ يوليو 2013، وتبعتها سلسلة مذابح في تموز/ يوليو وآب/ أغسطس ضد المتظاهرين من معارضي الانقلاب".
ويلفت عاشور إلى أن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية شبه الرسمي سجل 1165 هجوما مسلحا على القوات المسلحة والشرطة بين عامي 2014 و 2016، مشيرا إلى أن هذا يعكس حملة يومية على مدى ثلاث سنوات وتصعيدا في عام 2017.
ويجد الكاتب أن "أحد جوانب المأساة هو أن الرقم لا يعكس الحقيقة، فالشق الآخر من الرواية هو أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ترشح بعد انقلابه للانتخابات، ووعد بـ(الوقاية ضد الإرهاب)، لكنه لم يحقق تقدما في هذا المجال".
ويفيد عاشور بأن "الوضع الأمني في مصر تراجع، من تمرد على مستوى متدن، تقوم به بشكل رئيسي مجموعة واحدة نشطت ما بين آب/ أغسطس 2009 وتموز/ يوليو 2013، في مناطق شمال شرق سيناء النائية، إلى حوالي خمس مجموعات صغيرة متمردة تعمل على مستوى شبه جزيرة سيناء والوادي، من دمياط وحتى شمال أسيوط في الجنوب والصحراء الغربية".
ويبين الكاتب أن "هذا لا يتضمن المنظمات الممزقة والخلايا الصغيرة المنتشرة في المناطق الفقيرة في القاهرة ووادي النيل، لكن الأهم من عدد المنظمات وكثافتها ونطاقها الجغرافي، هو نوعية أسلوب المتمردين، وهجوم طريق الواحات مثال على ذلك".
ويقول عاشور: "ليس من الواضح لماذا وصلت القافلة إلى الكيلو 135 على طريق الواحات البحرية، وذكرت التقارير الأولية أن القوة كانت في طريقها لاعتقال ثمانية أشخاص يشتبه بانتمائهم إلى (حسم)، وهي منظمة مسلحة تخيم في الصحراء".
ويستدرك الكاتب بأن "الضابط الجريح يتهم المخبر الذي أوصل المعلومات بأنه عميل مزدوج، لم يقد القافلة إلى الكمين فحسب، بل كان يعرف بالضباط المعتقلين ويفصلهم عن الجنود".
ويعلق عاشور قائلا: "على افتراض صحة الأرقام التي تحدث عنها الضابط الجريح، واتصالات أخرى مسربة بين القيادات في وزارة الداخلية في القاهرة والجنود الهاربين، فإن نسبة الرجال كانت 7: 1 ضد المتمردين، وعندما وصلت القافلة إلى واد في أرض منخفضة، وكان محاطا بالهضاب بدأ الهجوم، وفي بداية المعركة تم تدمير أول وآخر عربتين مصفحتين في آن واحد، بما يعتقد أنها قنابل صاروخية، نوعها ليس معروفا، لكنها غير موجهة، وفي العتمة تحتاج إلى كفاءة عالية وقرب من الهدف والكثير من الحظ".
وينوه الكاتب إلى أن "هذا الأمر ترك العربات في الوسط محجوزة، وبعد ذلك كانت عملية تصيد بالنسبة للمتمردين، الذين كانوا يطلقون النار من الهضاب، وتم اعتقال عدد من الضباط والجنود الناجين، فإن (كنت ضابطا تطلق عليك رصاصة .. كانوا يريدون إيصال رسالة للجنود .. وإن كنت جنديا أطلق النار تحصل على رصاصة في اليد والرجل، وإن كنت جنديا لم يطلق النار بل ألقى سلاحه تعيش)، بحسب ما قاله الضابط الجريح".
ويوضح عاشور أن "مسار الانسحاب التكتيكي للمهاجمين غير واضح، لكنهم تأكدوا من الاستيلاء على أجهزة الملاحة والوقود والعجلات ورشاشين متوسطين وبنادق أوتوماتيكية، بحسب الضابط".
ويبين الكاتب أن "المهاجمين كان لديهم وقت لملاحقة الضباط والجنود الفارين، وبعد أن أخذوا أحدهم، وهو الكابتن محمد الحايس رهينة، (سألوه هل تفضل العيش أم الموت؟.. فقال إنه يريد أن يعيش.. فأخذوه)، فمن بداية الهجوم وحتى وصول الدعم الجوي استمرت الجولة 12 ساعة".
ويعلق عاشور قائلا: "على افتراض صدق الأرقام غير الرسمية (58 قتلى: 23 ضابطا و35 جنديا)، فإن ذلك أسوأ خسارة لقوات وزارة الداخلية المصرية، حتى لو قارناها بالحالة التي كانت فيها الشرطة المصرية هم المتمردون ضد القوات الإنجليزية في معركة الإسماعيلية عام 1952 (حوالي 50 قتيلا )".
ويشير الكاتب إلى أن الكمين أدى إلى النتائج ذاتها: إقالة بعض الجنرالات، حيث تضمنت الإقالات رئيس قطاع الأمن الوطني، ورئيس فرع الأمن الوطني في الجيزة، ورئيس قطاع الأمن المركزي، وقائد دائرة الأمن في الجيزة.
ويقول عاشور: "تمت إقالة رئيس الأركان الجنرال محمود حجازي، بالرغم من أنه غير مسؤول عن فضيحة الواحات، لقد أرادت وزارة الداخلية انتصارا خاصا لها دون تدخل الجيش، ولم تحاول التنسيق مع وزارة الدفاع، لكن إقالة حجازي قد تكون وراءها أسباب سياسية أخرى".
ويذهب الكاتب إلى أنه "مع أن التنافس بين مختلف المؤسسات له تاريخ طويل في مصر، إلا أنه حتى لو كان هناك تنسيق أكبر وتدريب أفضل فإن النتيجة لن تكون أفضل في هذه الأجواء".
ويرى عاشور أن "مشكلة الأمن في مصر تعود للمستوى الكلي وجذورها في أزمة المصالحة الوطنية، وسط استقطاب سياسي اجتماعي كبير، وفي ظل غياب آليات غير عنيفة لحل الصراعات، وأيضا بسبب الوحشية غير المسبوقة للنظام تجاه المعارضة، ولغياب الإصلاحات في قطاع الأمن، حيث يغذي النقص في بنية العلاقات المدنية العسكرية العنف".
ويقول الكاتب: "بشكل عام لا تشكل التمردات تهديدات للحكومات الشرعية، التي تقوم على المؤسسات، وتتبع إجراءات ناجعة ضد التمرد، وهذا ليس هو الحال في مصر، حيث أن هناك تشكيكا في الشرعية، والمؤسسات فاسدة، والممارسات المضادة للتمرد كانت غير قانونية وغير فاعلة في آن واحد".
ويختم عاشور مقاله بالقول إن "معالجة فشل الجهود في مكافحة التمرد والإرهاب تحتاج بكل تأكيد إلى إصلاحات محلية، وتغيير سياسات في مصر، وليس مجرد تغيير بعض الجنرالات".