قضايا وآراء

حقوق الإنسان.. الغرب بين الواقع والشعارات

محمد الشبراوي
1300x600
1300x600
على مدار سنوات منذ الثالث من تموز/ يوليو 2013 وما حدث بعدها في مصر من انتهاكات لحقوق الإنسان، تحرك الرافضون للانقلاب على أصعدة عدة في محاولة لفضح الانتهاكات ومقاضاة المسؤولين عنها دوليا. ورغم أن هذه الخطوات مثلت - بدون شك - نوعا من الضغط على النظام المصري، إلا أن فريقا من الحقوقيين والسياسيين يرون أن هناك قصورا يتعلق بمسارات ثلاثة، (هي التوثيق والمتابعة الجنائية وجماعات الضغط)، وأن تدارك القصور في هذه الجوانب سوف يحقق النتائج المرجوة لمحاكمة المسؤولين عن الانتهاكات أمام المحاكم الجنائية، الدولية ويُلزم القوى الغربية بما يساهم في أحداث تغيير في الأوضاع ولو على المدى البعيد، وينتصر على الأقل للدماء التي سالت والحقوق والحريات التي تم انتهاكها.

 وعلى جانب آخر، هناك من يري أن هذا التوجه لن يأت بثماره مع قوي النظام العالمي، سواء على المدي البعيد أو حتى الأبعد، وكذلك يري آخرون من أنصار النظام في مصر أن الغرب يحرض ضد مصر( النظام المصري) بحجة "حقوق الانسان".

وبين أصحاب الرؤي السابقة حول الموقف الغربي من قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية المنتهكة يقف الواقع وشواهد التاريخ.

مما لا شك فيه أن الخطوات التي تمت سعيا لمحاسبة المسؤولين عن الإنتهاكات في مصرمثلت ضغطا على النظام المصري في الغرب، غير أن الغرب دأب على الاستفادة من ذلك فقط لدفع النظام في مصر لتحقيق مصالحه، ومصالح الكيان الصهيوني علي حساب الشعب المصري؛ فيستمر النظام في انتهاكاته وعلى جانب آخر يتحققُ ما يريده الغرب وأمريكا عبر مزيد من الانبطاح للإرادة الخارجية، بما يضمن استمرار السلطة ولو على حساب المصالح الوطنية والثوابت الاستراتيجية، وبهذا يتحقق ما أشرنا إليه من قبل حول ما يريده الغرب من مصر. ومن ناحية أخرى، فإنه على أرض الواقع لا تتحقق ثمة مكاسب تدفع في اتجاه المسار الديمقراطي واحترام حقوق الانسان إلا ما يتماشي مع رغبات الغرب، في قضايا تتصادم في الغالب مع هوية الشعب المصري وثقافته الإسلامية، وبعيدة عن القضايا الأساسية التي لا تختلف عليها الثقافات والأعراف الإنسانية.

 لمحات من الواقع والتاريخ

من خلال الواقع والتاريخ يمكن التنبؤ إلى مدى يمكن أن تتحقق التوقعات والتمنيات بنصرة الغرب للديمقراطية وحقوق الانسان.

إن الغرب ومعه الأمم المتحدة التي يهيمن عليها وسائر المنظمات الأخرى على مدار العقود الماضية لم ينتصروا مطلقا لحقوق الإنسان أو الديمقراطية؛ إلا حيثما تتحقق مصالح الغرب والكيان الصهيوني المنتهك الأول لحقوق الانسان في فلسطين المحتلة. فقرار "الفيتو" الذي طالما استخدمته أمربكا ضد أي مشروع قرار يدعوا الكيان الصهيوني للامتثال لاتفاقية جنيف الخاصة بحقوق المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك منع صدور أية قرارات من الأمم المتحدة ضد مصالح الدول الخمس صاحبة الفيتو على حساب الشعوب المستضعفة و الديمقراطية وحقوق الإنسان.. كل ذلك يؤكد على أن الديمقراطية وحقوق الإنسان ما هي إلا مجرد دعاوى وشعارات تتستر خلفها القوى الدولية.

أمثلة من الواقع المعاصر

 إن الواقع المعاصر يعج بالأمثلة، خاصة إذا تعلق الأمر بالعرب والمسلمين وبجماعات وأحزاب إسلامية أو أفراد ينتمون إلى مرجعية إسلامية، فإن حقوق الإنسان والحريات تُنحر نحرا على مذبح المصالح و صراع الحضارات والأمثلة على ذلك لا حصر لها في (فلسطين، وسوريا، والعراق، والبوسنة، والهرسك، وأفغانستان، وأفريقيا الوسطى، وبورما وغيرها).

في مصر - على سبيل المثال - حدث أن منظمات حقوق الإنسان في أمريكا وأوروبا وقيادات سياسية رفيعة طالبت بالإفراج عن علاء عبد الفتاح وأحمد ماهر وأحمد دومة، كذلك هبت انتفاضة حقوقية عند احتجاز المخابرات الحربية للصحفي والناشط حسام بهجت حتى أن السكرتير العام للأمم المتحدة السابق بان كي مون؛ أعرب عن قلقه تجاه ذلك. وهذا وإن كان أمرا جيدا ومحمودا، لكن أين هي تلك المنظمات وهؤلاء المسؤولون رفيعو المستوى من آلاف القتلى، وعشرات الآلوف من المعتقلين الذين ينتمون تحديدا للتيار الإسلامي والأحزاب الإسلامية؟ بل أين هم من رئيس منتخب انتخابا ديمقراطيا بإرادة شعبية حرة؟

أيضا في عهد مبارك، تحرك الغرب وأمريكا وسائر منظماتهم للدفاع عن الد كتور سعد الدين إبراهيم - عندما صدر بحقة حكم بالسجن من القضاء المصري - حتى أن الرئيس الأمريكي وقتها (جورج بوش الأبن) هدد بمنع المعونات الأمريكية الإضافية عن مصر، حتى بعد أن تم نقض الحكم وصدر حكم مخفف عليه، كما زاره في سجنه سفراء المجموعة الأوروبية الخمسة عشر، بالإضافة إلى سفراء كندا وأمريكا وأستراليا وممثلي جمعيات حقوق الإنسان ومحامين - وهذا كله ليس له أدنى اثر مع رئيس منتخب هو الدكتور محمد مرسي، وكذلك رئيس البرلمان المنتخب الدكتور سعد الكتاتني، ووزراء حكومة منتخبة وأعضاء مجالس نيابية منتخبين من الشعب!!

إن فرقا شاسعا بلا حدود بين الواقع والشعارات؛ تفضحه مواقف الغرب من الديمقراطية وحقوق الإنسان في منطقتنا وأجزاء من العالم، وهذا ليس بمستغرب. فالغرب وأمريكا ومنظمات حقوق الإنسان لم يتحركوا بنفس القوة التي تحركوا بها من أجل أفراد تجاه موت ما يقارب 500 ألف شخص في رواندا عام 1994، وأكثر من 200 ألف مسلم في حرب إبادة وحشية بغطاء دولي في البوسنة والهرسك. أما في العراق فقد تسببت أمريكا وحلفاؤها الغربيون في قتل الملايين، وكذلك في أفغانستان. واليوم تحدث في سوريا واليمن مجازر يومية في حق مدنيين عزل ومئات الآلاف من الضحايا وملايين المشردين وما حدث ويحدث كل يوم في فلسطين على أيدي قوات الكيان الصهيوني، وما يحدث لمسلمى الروهينجا في بورما على مدار عقود من تمييز عرقي وقتل وانتهاكات وتهجير لمئات الآلاف، ومازال مستمرا حتى اللحظة كل ذلك ليس ببعيد.

وللحديث بقية..
التعليقات (0)