يبدو الحديث عن الأحزاب الدينية بين الشرق والغرب ذا طبيعة جدلية وسجالية، نظرا لتعدد القراءات والرؤى التي يتبناها الباحثون والفاعلون في المجال العام السياسي والحزبي.
هنا يذهب أستاذ العلوم السياسية، الدكتور جمال الشلبي، إلى أن أسباب التأسيس لدى الأحزاب الدينية في الشرق والغرب ليست واحدة، إلا أنه يرى أن كلا الطرفين يتسمان بامتلاك "أيديولوجية هجومية وتوسعية" يريدان من خلالها تحقيق مشروعهما الأممي في بناء "مملكة الله على الأرض" كما يقول القديسان أغسطينوا وتوماس الأكويني مسيحيا، وتأسيس "الخلافة الإسلامية" و"أرض الإسلام" إسلاميا.
من جماعات ضغط إلى أحزاب
ولفت الشلبي إلى أن "الأحزاب الدينية بأوروبا في بداية القرن الـ19 كانت أقرب ما تكون إلى جماعات الضغط والمصالح، حيث إنها أرادت أن تقف مع العمال والمحتاجين كتعبير عن مبادئها، ثم أصبحت منذ الحرب العالمية الثانية جزءا من "الخريطة الحزبية" السياسية في مجمل أوروبا".
وبالمقارنة مع التيارات الإسلامية؛ أوضح الشلبي أن هذه الأخيرة ولدت من رحم المواجهة مع المستعمر أولا في القرنين الـ18 والـ19، ومع المنتدب البريطاني والفرنسي ثانيا، ثم الأنظمة الوطنية التي حققت الاستقلال في أربعينيات القرن العشرين.
وأضاف الشلبي لـ"
عربي21" أن "الأحزاب الدينية
الغربية بتجاوز مرحلة التأسيس؛ حظيت بكافة التسهيلات اللوجستية التي تحتاجها في مناخ من
الحرية التامة. أما الأحزاب
العربية الدينية؛ فيُنظر لها كونها تعاني من حالة المنع والتضييق، كبقية الأحزاب الأخرى الوطنية أو القومية واليسارية".
وأشار إلى أن الأحزاب الدينية العربية توصف بالجمود وعدم التفاوض على مفاهيم اجتماعية واقتصادية وسياسية، كونها تدخل في إطار "أوامر العقيدة"، بينما تتسم الأحزاب الدينية في الغرب بـ"المرونة"، حيث إنها قد تتوافق مع الليبراليين في اقتصاد السوق، والحرية الفردية، ومع الاشتراكيين واليساريين في مسألة العدالة الاجتماعية.
ورأى أن "الأحزاب الدينية في العالم العربي لا تختلف كثيرا عن الأحزاب الأخرى، العلمانية والقومية واليسارية، في الرغبة بالاستحواذ على السلطة، ما يجعل من الأحزاب الدينية في العالم العربي قنبلة موقوتة في ظل تعدد عرقي وديني ولغوي" على حد تعبيره.
واعتبر الشلبي أن السلطة السياسية في العالم العربي تعتمد على فكرة "التنوع الثقافي والاجتماعي" لمنع أي توجه لتأسيس حزب على أساسي ديني، مؤكدا أن "هذه السلطة عمليا معادية لكل الأحزاب".
محاصرة الأحزاب ذخيرة للتطرف
من جهته؛ قدم القيادي في حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن، زكي بني ارشيد، رؤية مغايرة، حيث قال إنه "ليس لدينا دول ديمقراطية بالمعنى الحقيقي، بل إن الأنظمة الشمولية الحاكمة تكتفي بهياكل ديمقراطية مجوفة".
ورأى بني ارشيد أن "محاصرة واستهداف الأحزاب الدينية عربيا وإسلاميا؛ سببه أن الحركات الإسلامية أثبتت قدرتها على نيل ثقة الشعوب، في حين ترفض الأنظمة الشمولية أية منافسة حقيقية في مجال الاستحواذ على هذه الثقة"، مؤكدا لـ"
عربي21" أن "استمرار محاصرة الحركات والأحزاب الإسلامية المعتدلة؛ يزوّد
التطرف بذخيرة إضافية، ويعقد الأمور".
وقال: "لو استمرت تجربة الأحزاب الإسلامية في الحكم دون الانقلاب على إرادة الشعوب، كما في مصر، لحصلت الحركة الإسلامية على خبرة ونضج، ولكن مراكز العمق المتحكمة في الدولة لا تريد ذلك".
وأشار إلى أنه "على الرغم من ردة الفعل تجاه الدين في الغرب، وخاصة بعد الثورات التي أنهت سطوة الكنيسة، إلا أن العملية الديمقراطية الغربية تطورت باستمرار"، لافتا إلى أن "جميع المراجعات الغربية كانت تصل إلى تحسين السلوك والأداء، وليس الانقلاب على النهج الديمقراطي، ولذلك اتسع الفضاء الديمقراطي لديهم ليستوعب جميع المكونات الحزبية".
حماية حق الاختلاف
أما الباحث المغربي المقيم في إسبانيا، حسين المجدوبي، فرأى أن "كثيرا من الأحزاب المحافظة في الغرب تستوحي بعضا من أفكارها ومواقفها السياسية من الدين المسيحي"، لافتا إلى وجود أحزاب أوروبية تحمل أسماء دينية مثل "الحزب الاجتماعي المسيحي".
وقال لـ"
عربي21": "إننا ننسى أن الغرب رغم ثورته السياسية على دور الكنيسة التاريخي؛ يبقى غربا مسيحيا، وإن تراجعت مستويات الممارسة الدينية لدى مواطنيه".
ولفت إلى أن "ثمة أحزابا أوروبية تدافع عن أطروحات دينية في ما يخص القضايا المتعلقة بالهوية والأحوال الشخصية، كحزب الجمهوريين أو اليمين المحافظ في فرنسا"، مشيرا إلى أن "الحزب الشعبي الإسباني مثلا؛ لا يمكنه أن يخفي ميله إلى الأطروحات الدينية في كثير من القرارات".
وحول فكرة القبول بوجود أحزاب دينية في الغرب؛ أوضح المجدوبي أن "هذا يتمثل في فرض أو عدم فرض الأفكار بالقوة والعنف"، معتبرا أن "هذه الفكرة في أوروبا تبدو أكثر رصانة، من حيث حماية الدولة لحق الاختلاف في ظل ديمقراطية متينة".
وأضاف أنه "في حال وصول حكومة محافظة إلى السلطة في الغرب؛ فإنها تحاول أن تستوحي من المسيحية أفكارا أو مواقف، ولكنها لا تتحدث باسم الدين المسيحي"، متابعا بأنه "في المقابل؛ هناك أنظمة عربية، وخاصة الملكيات، تعد نفسها وصية على الإسلام، وبالتالي لا يمكن القبول بوجود فاعل سياسي آخر ينافس السلطة باسم الإسلام".