الشرق الأوسط يعاني من الجهل والتخلف والفساد والكبت والقهر والظلم والاستبداد، وهي أمور يتعذر طرحها في أوسلو أو إيكالها الى نادي ريال مدريد، ثم أصلا ما هو الشرق الأوسط؟ أوسط من أي منظور؟ وهل هو مختلف عن الشرق الأدنى؟
هناك الكثير من المؤشرات التي تفيد بأن البرهان وحميدتي باتا يدركان أنهما دخلا الحرب بتقديرات خطأ، ورغم أن الرأي العام السوداني في مجمله يرى أن الدعم السريع عصابة إجرامية مأجورة، إلا أن ذلك لم يُترْجم إلى وقفة صلبة خلف الجيش، لأن الأخير لا يُبدي أي عناية بسلامة المواطنين..
أيام قليلة وتدخل الحرب في السودان شهرها الثالث، وصغار الجند والضباط من حيث المراتب الوظيفية ومعهم المواطنون العاديون يدفعون ثمنها من أرواحهم وممتلكاتهم، لأن البلاد دخلت مرحلة "اللادولة"، ففي ميدان المعركة الرئيس الذي هو العاصمة السودانية بمدنها الثلاث، لا أثر لعناصر المؤسسة العسكرية..
لأكثر من ستة أسابيع ظلت العاصمة السودانية مسرحا لحرب طرفاها القوات المسلحة الرسمية، وقوات الدعم السريع (التي تدّعي أنها رسمية بحكم أنها تشكلت بموجب قرار من برلمان حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير)، ثم تمددت الحرب كما هو متوقع الى مدن نيالا وزالنجي والجنينة في إقليم دارفور المنكوب بالحروب منذ عام 2003..
تؤكد الوقائع المحسوسة والظرفية أن البرهان يعمل بعقلية رزق اليوم باليوم، ولكل حادث حديث، أي أنه يعمل بدون خطة أو منهجية منذ أن انقلب على الحكم المدني في تشرين أول (أكتوبر) من عام 2021، وعجز منذ وقتها عن تشكيل حكومة، ومنح نفسه سلطات تشريعية وتنفيذية مطلقة..
جعفر عباس يكتب: يبدو أن البرهان يدرك استحالة تحقيق نصر حاسم على قوات الدعم السريع، ولهذا فإنه يرهن التفاوض لوقف القتال نهائيا بخروج تلك القوات من العاصمة، لكن وفي الوقت نفسه، فإن أبواقا كثيرة في الجيش الوطني تقول؛ إن كل من يطالب بوقف الحرب خائن للوطن.
جعفر عباس يكتب: ما لا يدركه القائدان هو أن استمرار المعارك يراكم اللعنات والغضب الشعبي والدولي عليهما، وأن خير التفاوض عاجله وليس آجِله، لأن التأجيل قد يودي بهما إلى الرحيل، أي إن خروج البرهان وحميدتي من المشهدين العسكري والسياسي قد يكون الحل الناجع للأزمة السودانية.
جعفر عباس يكتب: طوال السنوات الأربع الماضية، ظل البرهان المحامي الأول عن قوات الدعم السريع، في وجه الاحتجاجات الداوية، على وجود جيش مواز تسيطر عليه عائلة دقلو وعلى رأسها حميدتي، الحاصل على رتبة فريق أول، وشقيقه عبد الرحيم الذي قنع برتبة فريق. واعتلى البرهان عديد المنابر ليقول؛ إن تلك القوات خرجت من رحم الجيش الوطني، وأنها من ثم فصيل وجزء أصيل منه.
جعفر عباس يكتب: طوال الأشهر الثلاثة الماضية ظل الرجلان يخططان للقضاء على بعضهما البعض، وهكذا تفجرت الأمور بينهما إلى المشهد الدموي الحالي، الذي صارت فيه مدن السودان الكبرى، ولأول مرة في تاريخ البلاد، مسارح لحرب شوارع، ولكن بتكتيك الحروب الميدانية المفتوحة، حيث يتم استخدام كافة أنواع الأسلحة
أنصار نظرية المؤامرة في أمريكا وغيرها ما زالوا يروجون أن لقاحات الكورونا يراد منها غرس شرائح إلكترونية في بلايين الناس للتحكم فيهم، ولتحديد نسل سكان الكرة الأرضية، بخفض معدلات الخصوبة الإنجابية، بينما كل ما تفعله اللقاحات هو أنها تقوم بتقليد سلوك الفيروسات والباكتيريا..
جيل الشباب الحالي مزهو بثقافته الإلكترونية، وقد يكون الواحد منهم عاجزا عن الحصول على أكثر من خمسة على عشرين في اختبار التعبير/ الإنشاء، ولكن وعندما يتعلق الأمر بشيء يخص الهاتف الذكي أو الكمبيوتر ينفتح صنبور حلقومه وتتدفق منه مفردات..
بعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، وافتضاح أكذوبة أن ذلك كان ضروريا لأن العراق يملك أسلحة الدمار الشامل، حاول بوش تبييض وجه حكومته عندما أعلن عن تخصيص 25 مليون دولار لنشر الديمقراطية في العالم العربي: يعني مليون و130 ألف دولار لكل دولة..
منذ اقتراب آجال الانتقال إلى الحكم المدني حسبما ينص اتفاق مهره البرهان بتوقيعه في كانون أول/ ديسمبر 2022، وهو في حالة حركة دائبة زائرا للوحدات العسكرية والتجمعات العشائرية، ليقدم نفسه كرجل دولة صاحب منهج وخطط ورؤى، ولكن قلة الحيلة السياسية والعِيَّ المعرفي يجعلانه يتكلم كما مرشح في انتخابات عامة يبذل الوعود المجانية الهوائية..
ما أبلغ علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وهو يقول، إن الفقر في الوطن غربة وإن الغنى في الغربة وطن، ولكن ملايين العرب، وعلى رأسهم السودانيون، هاجروا من أوطانهم بحثا عن الأمن والسلامة، وهكذا يهرب ذوو العقول من بلدان يتحكم فيها عجول..
يعيش السودان منذ أربع سنوات، ما يسمى بعصر البراهنة والدقالوة، لأن الأمور فيه آلت بعد سقوط حكم حزب المؤتمر الوطني، برئاسة عمر البشير، في نيسان/ أبريل 2019 إلى الجنرال عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني، الذي نصب نفسه رئيسا لمجلس السيادة (رئاسة الدولة)..