قضايا وآراء

كيف ستنقلب موازين العالم بسبب غزة وأوكرانيا؟

أحمد القديدي
 التشابه بين حالتي غزة وأوكرانيا نبهت عديد الخبراء والإعلاميين إلى ما ينتظر العالم من تحولات عميقة بسبب هاتين الحربين.. الأناضول
التشابه بين حالتي غزة وأوكرانيا نبهت عديد الخبراء والإعلاميين إلى ما ينتظر العالم من تحولات عميقة بسبب هاتين الحربين.. الأناضول
مع إقدام الرئيس ماكرون على حل برلمان بلاده وطغيان اليمين العنصري المتطرف في البرلمان الأوروبي الأحد الماضي مع استقالة وزيرين من حكومة ناتنياهو وفرض حماس نفسها كشريك في تحديد حل الأزمة، يدشن العالم منعرجا جديدا غير مسبوق على خلفية حربي غزة وأوكرانيا وهما حربان قد لا يفهم الناس مدى ارتباطهما ببعضهما وتأثيرهما الحاسم على ما يسمى "النظام العالمي الراهن".

1 ـ جغرافيا تقع غزة في فلسطين المحتلة أي في منطقة الشرق الأوسط بينما تقع أوكرانيا بين القارة الأوروبية واتحاد الجمهوريات الروسية أي في قلب منطقة يمكن أن نصفها بالاستقرار والسلم لولا حرب الإبادة الصربية ضد مسلمي البلقان في بداية التسعينات.

2 ـ تاريخيا بدأت محنة فلسطين منذ سقوط الخلافة الإسلامية عام 1924 وشروع الغرب المسيحي اليهودي في تنفيذ بنود معاهدة (سايكس بيكو) وتقسيم العالم الإسلامي إلى دول رسمت لها قوى الغرب حدودا وهمية وسموها للتمويه "أوطانا مستقلة" رفعت رايات وطنية وأصدرت عملات محلية وطبعت جوازات سفر وانطلت مخططات الاستعمار الذي تقاسم تلك الشعوب على أغلبية الدهماء المسلمين فصدقوا خديعة "الدولة الوطنية المستقلة" وتناحر زعماؤها فيما بينهم كإعادة مأساوية لحروب الطوائف الأندلسيين بإدارة ملوك قشتالة ودهاء (فردينان) و(إيزابيلا).

ويعرف المؤرخون ما حدث بعد ذلك من محاكم التفتيش ومحارق المسلمين واليهود معا وطرد آخر ملوك بني الأحمر من الأندلس التي فقدها المسلمون إلى الأبد وهو نفس سيناريو نتنياهو وحلفائه لإبادة شعب غزة فيما سمي صفقة القرن التي رفضها ورفض الخنوع لها جمع من فتية آمنوا بربهم فصنعوا لشعبهم ملحمة الطوفان.

ونلفت إلى أن التشابه بين حالتي غزة وأوكرانيا نبهت عديد الخبراء والإعلاميين إلى ما ينتظر العالم من تحولات عميقة بسبب هاتين الحربين، فاختار صحافيون مقاربة الحربين من زاوية إرهاصات نظام عالمي مرتقب وتحت عنوان إسرائيل ـ حماس، أوكرانيا…

اتساع الهوة بين الغرب ودول الجنوب

كتب (سيريل بلوييت) في مجلة (لكسبريس): "إن العالم يشهد نقطة تحوّل خطيرة بعدما أظهرت الحرب في أوكرانيا وجود هوة بين المعسكر الغربي وباقي الدول ليأتي الصراع في الشرق الأوسط ويزيد هذه الهوة اتساعاً. ولاحظ (بلوييت) مراهنة عديد الدول العربية والمسلمة على الصين وروسيا وإيران لإضعاف الولايات المتحدة وزيادة نفوذ تلك الدول لدى الدول المتوجسّة من واشنطن.

وفي نفس السياق اعتبر (آلان فراشون) عبر صحيفة (لوموند) أن الصراعين الروسي ـ الأوكراني والإسرائيلي ـ الحمساوي أبرزا مجتمعاً دولياً منقسماً على ذاته وعاجزاً عن فرض قواعده وهو وضع تسعى الصين وروسيا إلى الاستفادة منه لإرساء نظام عالمي معادٍ للولايات المتحدة كما أن الخبير العالمي في العلاقات الدولية (برتران بادي) أشار إلى أننا نعيش لحظة تحوّل على صعيد النظام العالمي لكن يصعب التنبؤ بملامح هذا النظام.

والدليل على التحوّل الذي نعيشه هو عدم وجود تسمية جلية للواقع الراهن إذ يكتفي الأكاديميون بإطلاق وصف "نظام ما بعد القطبية الثنائية"، حيث أننا ندرك ما كان قبله لكن لا ندري ما سيأتي بعده ويختم (بادي) تحليله قائلاً: "يجب الانتظار عقداً أو عقدين لنلمس بصورة عملية أثر الحربين في أوكرانيا وقطاع غزة في بلورة النظام العالمي المنتظر.

الجديد الخطير في المواقف الأوروبية هو أن الغرب قرر أن من حق أوكرانيا استخدام الأسلحة الغربية التي توفرها لها دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) لضرب المواقع العسكرية في عمق الأراضي الروسية! وهو ما أسرع للرد عليه بوتين بخطاب قوي أعلن فيه الزيادة في مخصصات التسليح النووي بنسبة 30% وبعقد قمتين روسية عربية وروسية أفريقية كما فعلت الصين تماما ثم كوريا الجنوبية التي تعملقت في العقود الأخيرة بقصد واضح وهو قضم ما تبقى من القارة الأفريقية والشرق الأوسط من دولها تحت هيمنة فرنسا وبريطانيا.
وحتى نفهم حقيقة التغيرات المتوقعة كما كتبت الزميلة رغدة درغام فلنقل دون تردد بأن أوروبا في خطر وشيك تقرع أبوابها حرب كبيرة وقريبة كما رأينا في ذكرى مرور 80 سنة على يوم الانتصار في 6 يونيو حيث أصر الرئيس الفرنسي ماكرون وملك بريطانيا على حضور الرئيس الأوكراني زيلنسكي في هذه المناسبة بموافقة الحليف الأمريكي بايدن مما شكل استفزازا واضحا للرئيس الروسي بوتين بينما كان الاتحاد السوفييتي (روسيا اليوم) تاريخيا هو القوة الحاسمة التي قضت على الرايخ الثالث وقوات المحور ومكنت أوروبا من الحرية.

كما تنعقد هذه الأيام قمة الدول الصناعية السبع في إيطاليا ومؤتمر السلام لأوكرانيا في سويسرا وهذه مناسبات لمزيد قرع طبول حرب عبثية منذرة بكل المخاطر بين الغرب وبين من يعتبرهم الغرب عدوين وهما روسيا والصين!

الجديد الخطير في المواقف الأوروبية هو أن الغرب قرر أن من حق أوكرانيا استخدام الأسلحة الغربية التي توفرها لها دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) لضرب المواقع العسكرية في عمق الأراضي الروسية! وهو ما أسرع للرد عليه بوتين بخطاب قوي أعلن فيه الزيادة في مخصصات التسليح النووي بنسبة 30% وبعقد قمتين روسية عربية وروسية أفريقية كما فعلت الصين تماما ثم كوريا الجنوبية التي تعملقت في العقود الأخيرة بقصد واضح وهو قضم ما تبقى من القارة الأفريقية والشرق الأوسط من دولها تحت هيمنة فرنسا وبريطانيا.

لعل أحد مفاتيح هذا الجري وراء الكارثة في أمريكا وأوروبا هو ما فسره (توماس فريدمان) في مقال نشره أخيرا في (نيويورك تايمز) حول ما سماه (أفول سلطات الغرب وراءها غياب الأخلاق) ونعجب لتنامي ظاهرة رفض عديد النزهاء الإسرائيليين لليمين المتغطرس الذي يقوده ناتنياهو منهم (شالوم ساند) والمثقفة اليهودية (بيرين سيمون ناحوم) عبر كتابها الجديد المندد باستعمال حيلة اتهام المخالفين بمعاداة السامية لكل من ينتقد حكومة متطرفة أساءت لشعب إسرائيل.

نشر الكاتب البريطاني المخضرم "ديفيد هيرست" مقالا عن التشابه بين ‏الاحتلال الإسرائيلي والصليبيين في الأساليب والمطامح مؤكدا أن السلوك ‏الإسرائيلي يجعل من غير المستبعد أن يكون مصير الاحتلال مثل مصير ‏الصليبيين في الشرق.‏
التعليقات (0)