حال الإنسان المقهور والمهدور معروف للكافة، فلا حقوق تأسيسية، ولا حقوق مدنية أو سياسية، ولا حقوق جماعية أو اجتماعية، والإنسان محل للتنكيل والاعتقال والمطاردة، بل وارتكاب المجازر في حقه
هذا من الأمور التي تنال من المواطن وتضعه في حالة تزييف الوعي وتسطيح الاهتمامات والقدرة على صناعة كل ما لا يفيد، ولكنه في النهاية يجعله في الواجهة حتى يتمكن من التحكم في المواطنين وتبرير كل ما يتعلق بمظاهر فساد أو خيبة أو فشل يرتكبه النظام الاستبدادي.. المستبد يزيف ويهدم الدين، وينقض ويزور الوعي
وجب علينا أن نتتبع كل تلك الخطابات التي يمارسها ذلك المنقلب منذ انقلابه وتأثيره في إدراكاته للمسألة الدينية، وأكثر من ذلك التأثيرات التي يتركها على عالم المواطنة وحقوقها والالتزامات المتعلقة بها، فيعبث بالدين والمواطنة معا
في مقال سابق أشرت إلى الخبرة التونسية بمناسبة الانقلاب الأخير وأثر ذلك على المواطنة، واليوم نتناول دروسا من الخبرة الأفغانية.. في حقيقة الأمر ـ أننا نتحدث عن قانون ماضٍ ـ مفاده "أن الغازي المحتل لا يمكنه أن يقيم ديمقراطية في بلد احتله..
الله بريء منه ومن هم على شاكلته، وكل من ساعد أو دعم؛ أقر أو سكت، لأن هذا الجرم الخطير شكّل في واقع الأمر حالة فارقة في مقام وجوهر الإنسانية؛ ذلك الجوهر الإنساني الذي يمثل الركن الركين في قضية المواطنة
الأمر يقع وتتكرر شواهده من خلال تلك الانقلابات المأجورة المصطنعة، وهي إذ تقوم بقطع الطريق على كل مسارات الانتقال السياسي والديمقراطي فإنها بذلك تعتدي على المواطنة وحقوقها فتجعلها مهدورة، وتواصل عملها في تمكين المستبدين في قهر الوطن والمواطنين؛ فتنتج مواطنة مقهورة
كيف تفقد الشعوب مناعتها ضد الاستبداد وتتفرق في مواجهته؛ ضمن مسارات صناعة الفرقة والكراهية والفوضى، فتسمح لأطراف خارجية ضمن بيئة الاستقطاب العقيمة أن تعبث بشئون البلاد والعباد وتقيم صروحا للاستبداد والاستعباد؟
هذا الأمر الذي نشهده، إنما يشكل اعتداء على كل أصول الحياة المدنية، وبالضرورة تجفيف السياسة الحقيقية ومحاولة صياغة المجتمع على شاكلة المطالب العسكرية ورؤيتها لعملية تسيير حياة المجتمع والمواطنين،
في هذا السياق، نستطيع أن نقول إن المستبد في سياساته التي تتراوح بين المغامرة والمقامرة أو التهوين والخذلان، فإنه مستخف بشعبه لا يقيم له وزنا ولا يحدد أولويات الأمن القومي التي ترتبط بمصالح الوطن ومستقبله
إن ما يؤكد أن مطالب النظام المصري ما هي إلا ابتزاز رخيص هو حجم ونوعية مطالباته تلك، فإنه لا يطالب بمصالح من جنس المطالب التي تسعى إليها الدولة التركية، ولكنه للأسف يطلب فقط تكميم أفواه بعض من مواطنيه
هؤلاء يصرون ليس فقط على قتل من شارك في الثورة أو شارك في اعتصام رابعة، ولكن أيضا قتل من يقع تحت يده من الشهود ومطاردة البقية. إن نظاما يفكر بهذه الطريقة لا يمكنه الاستمرار أو البقاء
النظام المصري ضمن خياراته تلك في عملية إعادة التموضع؛ لن يملك الأسس القويمة التي تبنى عليها سياسة خارجية وإقليمية حقيقية، إلا من خلال مصالحة داخلية تؤكد على ضرورة إسناد تلك السياسات وإعادة التموضع في حالة مصالحة اجتماعية ومجتمعية شاملة