ليس ما يخشاه التونسيون والتونسيات-ومعهم الكثير من العرب- هو الإسلام بما هو ديانة أو تجربة روحية أو حتى لما هو منهج للحياة الفردية، وانما هم يخشون تلك الدعوات الدينية التي تحرّم أغلب المسالك
رغم كل المزايدات والعنتريات التي قد تصدر من هذا الطرف أو ذاك، من الواضح أنه ليس من مصلحة أي طرف سياسي وازن إصلاحُ المنظومة الإعلامية. فالسياسيون جميعا يحتاجون –بدرجات تفاوتة- إلى "فاسدين" يقبلون وضعية الاستلحاق والاستكتاب والتدجين.
إننا أمام "مخيالين جمعيين" يعيشان وضعية تصادم مطلق في مستوى ما يُسمّيه ماكس فيبر ب"رؤية العالم"، وهو ما لم تستطع مفردات "الديمقراطية" وموازين القوى "الهشّة" في المرحلة " الانتقالية" أن تبطل مفاعيله الخطرة على مستقبل المشروع المجتمعي.
غير بعيد على مجلس نوّاب الشعب، وفي الساحة نفسها التي عرفت ما سُمّي باعتصام الرحيل وما تلاه من إسقاط حكومة الترويكا، يعتصم منذ ما يقارب السنة عشراتُ المتعبين ومثقلي الأحمال ممّن شملهم العفو التشريعي العام الذي كان موضوع المرسوم الأول بعد الثورة.
ما تقوم به قنوات الحوار التونسي والتاسعة ونسمة في مستوى الإعلام المرئي- وما تفعله إذاعتا موزاييك وشمس آف آم في مستوى الإعلام المسموع- من استخفاف صريح بضوابط العمل الصحفي ومن ترويج لخطاب هو في الأغلب الأعم خطاب كراهية وتحريض على التقاتل بين المواطنين.
ما هذا المؤتمر -في التحليل الأخير- إلا مسكّنا يضاف إلى جملة المسكّنات التي توفرها الجهات المانحة للمال وللتبعية معا، وهي مسكّنات لن تقضي على الداء، ولكنها ستنجح في تخفيف شعور عامة المواطنين به.. لكن إلى حين.
لقد أظهرت ردود الأفعال العنيفة على الحكم "الابتدائي" في قضية لطفي نقّض أنّ ما يُسمّى "توافقا" مازال واقعا افتراضيا وخطابيا، أكثر مما هو واقع سياسي موضوعي.
في سياق غير مشحون إيديولوجيا، كنّا سنعتبر أن من نافلة القول التنصيص على أنّ تحصّل الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة على جائزة مؤسسة " جمنالال بجاج" للسلام هو حدث تونسي مفصلي ، بل هو حدث عربي يتجاوز في رمزيته صاحب الجائزة وحزبه.
إنّ محاولة بناء الجمهورية الثانية بعقل الجمهورية الأولى ومقارباته الأمنية المؤدلجة، والاشتغال السياسي بمنطق الضدية والتنافي والصراع الوجودي هو أمر لن يزيد الأوضاع إلا تأزما.
هل يمكننا اختزال الأزمة الهووية في حركة النهضة "تحديدا" أم إنها ظاهرة عامة تخترق كل الكيانات السياسية والفكرية بحكم انتقالية المرحلة وهشاشتها وانفتاحها على ممكنات متناقضة؟
في فترة حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة شهدت تونس إضعافا/ استضعافا ممنهجا للدولة ولجميع أجهزتها التنفيذية والتشريعية والقضائية، وهو واقع كان المستفيد الأكبر منه هو ثالوث التهريب-التهرب..
مهما كان موقفنا من مخرجات الحوار الوطني أو من استراتيجيات القوى المشرفة على "ترشيحات" جائزة نوبل، فلا شك في أنّ إسناذ تلك الجائزة للرباعي الراعي "للحوار" هو حدث ذو أهمية استراتيجية، بحكم تأثيره الكبير في تحديد مسار الانتقال الديمقراطي وفرض سقف معين له.
قديما قال الشهرستاني مذكّرا بمركزية الحكم في تأجيج الخلاف بين المسلمين إلى درجة تصعيد هذا الخلاف إلى مستوى القاعدة الدينية :" ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثلما سل على الإمامة". ولا شك في أنّ الصراع على السلطة وعلى الثروات الرمزية والمادية التي تخضع للحقل السياسي مازال هو مركز الصراع رغم أن