قال مؤلّف كتاب "كنت في الرقّة.. هارب من الدولة الإسلامية"، الإعلامي
التونسي هادي يحمد، إنّه تجري ترجمة كتابه، الذي صدر قبل أيّام عن "دار النقوش العربية" في تونس، إلى اللغتين الفرنسية والإنجليزية.
وأضاف الصحفي الاستقصائي يحمد لـ"عربي21"، أنّ مؤلّفه لاقى رواجا كبيرا بالدورة الأخيرة لمعرض تونس الدولي للكتاب، الذي اختتم يوم 2 نيسان/ أبريل الجاري، لافتا إلى أنّ كتابه، الذي غاص في أعماق "الدولة الإسلامية"، جاء ثمرة لقاءات عديدة جمعته بأحد المقاتلين الفارين من التنظيم.
وأوضح أنّ كتاب "كنت في
الرقة..." يروي تفاصيل قصة شاب تونسي (26 عاما)، يدعى محمد الفاهم ولد بألمانيا، لكنّ عائلته غادرتها إلى محافظة نابل التونسية حين كان في سنّ الخامسة.. وانضم إلى "الدولة الإسلامية" في 2013، ثمّ فرّ منها واستقر بتركيا.
لقاءات عديدة
وقال: "كانت الخطوة الأولى لهذا العمل بعد أن نجحت في التواصل مع هذا المقاتل عبر الإنترنت من خلال شقيقة شاب آخر قتل في
سوريا".
واعتبر يحمد أنّ كتابه جاء ثمرة للقاءات عديدة وجلسات إنصات جمعته بالمقاتل التونسي بتركيا خلال شهري تشرين الأول/ أكتوبر وتشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، حيث كانت كل جلسة تستمر بين 5 و6 ساعات يوميا".
وأشار إلى أنّ المقاتل الفاهم "لا يهدف إلى تبرئة نفسه من خلال شهادته؛ لأنّه يعترف فيها بأنه ارتكب جرائم مختلفة؛ كالرجم وقطع يد السارق، وشارك في غزوات ومعارك؛ كمعركة تدمر وحصار تلّ الأبيض".
ولفت إلى أنّ اعترافات الأخير بتلك الجرائم تؤكّد أنّ ما جاء على لسانه صحيح، "فلا مصلحة له في الكذب أو أن يبرئ نفسه أو يعلن توبته، بمعنى أنه قام بمراجعات وتاب، كما أنّه لا يرغب في العودة إلى تونس، ما يضفي على كلامه مصداقية كبيرة".
اتفاق
لكن يحمد استدرك بقوله: "أكيد تبقى شهادته كغيرها من الشهادات الأخرى، فهي بنظري سيرة ذاتية، والأكيد أنه كشف عن أشياء وأخفى أخرى، مبقيا إيّاها لنفسه ربما لأسباب شخصية..".
وأوضح أنه كان بينه وبين المقاتل التونسي اتفاق "بأن يخفي الأخير في شهادته أسماء أصدقائه المقاتلين الذين ما زالوا على قيد الحياة.. وهذا مفهوم لاعتبارات أمنية وشخصية؛ لأنّه لم يكن يريد الظهور بمظهر الواشي".
أمّا أسماء الذين قتلوا، كما يقول يحمد، فلم يكن هناك أي مشكلة في ذكرها، إضافة إلى أسماء القيادات الكبيرة المعروفة إعلاميا.
ومن هذه الأسماء، بحسب الفاهم، شاب يدعى رفيق الغول، وهو صديق له وابن مدينته، وقد قتل في إحدى معارك ريف حلب الشرقي، والأمر نفسه بالنسبة إلى مغنّي الراب التونسي الملقّب بـ"إيمينو"، الذي قتل أيضا في إحدى المعارك.
وواصل يحمد أنّ الفاهم حدّثه عن مقتل القياديَّيْن البارزَيْن في تنظيم "أنصار الشريعة" المحظور بتونس، كمال زروق وأبو بكر الحكيم، المورّطين في عدد من العمليات الإرهابية في تونس.
وتحدّث يحمد عن سرّ توصله إلى إقناع محمد الفاهم كي يروي تجربته في "داعش" وأسرار "الدولة" من الداخل، "خاصة أنّ المنتمين لهذا التنظيم قاطعوا الإعلام، ولا يعترفون بالأنظمة الرسمية، بل هم يكفرون الدولة والمجتمع".
وقال: "ربما الحالة النفسية التي كان عليها محمد الفاهم، أعني المرارة والانكسار والشعور بالضياع في تركيا، حيث يوجد بلا وثائق رسمية، ساعدتني كثيرا في إقناعه؛ لأنّه كانت لديه رغبة في سرد قصّته".
نقمة على المنظومة
وأكّد الكاتب هادي يحمد لـ"عربي21" أنّ الطبعة الأولى نفدت من السوق، فيما تم الانتهاء من طبع النسخة الثانية قبل يومين، مشيرا إلى أنّ الطبعة التي صدرت عن "دار النقوش العربية" خاصة ببلدان المغربي العربي فقط، بينما يبقى حقّه في إصداره ببيروت أو بلدان الخليج.
وكان يحمد قال في مؤتمر صحفي يوم 23 آذار/ مارس إنّ جنس كتابه إشكالي، وليس بحثي بالمعنى التقليدي، فهو يُصنف ضمن البرتريه غير الكلاسيكي، "فهو سرد لقصة الإرهابي التونسي محمد الفاهم، وهو نموذج للعشرات من التونسيين الذين التحقوا بتنظيم داعش".
ونقلت صحيفة "الجمهورية" آنذاك عن يحمد حديثه: "موضوع زواج النكاح من وجهة نظر معينة، وإلى هرمية التنظيم، وإلى مكانة المرأة المهاجرة، وإلى تقسيم الكتائب".
وتحدث يحمد عن حياة الفاهم في تونس قبل أن يلتحق بـ"الرقّة"، مشيرا إلى أنّ الأخير "من طبقة اجتماعية عادية قبل أن يعتنق الفكر التكفيري.. وكانت أمه تخشى عليه من الضياع في ثقافة المهجر، فضاع في غياهب بلاده وثقافة داعش. وبسبب تردده على المساجد قبل الثورة، حُرم من جواز سفره، وتمّ إيقافه وتعذيبه، ما أجج نقمته على المنظومة، فيما التبست هذه الرؤية بالرؤية الدينية".
يُشار إلى أنّ الإعلامي هادي يحمد عرف بتحقيقاته الاجتماعية والسياسية المثيرة للجدل، وبسبب تحقيق نشره حول الأوضاع المتردية للسجون في تونس سنة 2002، تمّ حجب مجلة "حقائق" الأسبوعية، وله كتاب بعنوان "تحت راية العُقاب"، صدر له سنة 2015، وتطرق فيه إلى ظاهرة السلفية الجهادية في تونس.