نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا حول سحب بعض لجان امتحانات الشهادة الثانوية العامة مادة
تاريخ الصراع العربي
الإسرائيلي من منهاجها تماما، ما يعني أن الكثير من المدارس لا توفر هذا الموضوع خيارا لطلاب الثانوية.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن مدرس التاريخ الأستاذ مايكل ديفيس أخذ مجموعة
طلاب يدرسون الثانوية و"A-level" في رحلة إلى إسرائيل وفلسطين، حيث قضوا نصف الأسبوع يتعلمون عن المحرقة وعن قيام دولة إسرائيل، فيما قضوا النصف الآخر من الأسبوع مع
الفلسطينيين، ولعبوا كرة القدم مع الأطفال في مخيم للاجئين، ويقول الأستاذ إن الرحلة كانت نقطة تحول للطلاب، ويضيف: "لقد أدركوا فجأة أن هناك جانبين مختلفين تماما للنظر إلى الأشياء، وأن التاريخ يتم إنشاؤه وعادة ما يتم إنشاؤه لهدف".
وتبين الصحيفة أن
دراسة طلاب مدرسة لانكستر رويال لتاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني فتحت عيونهم وغيرت حياتهم، مستدركة بأنه بسبب التوجه العام في المناهج، فإن الكثير من الطلاب سيحرمون من هذه التجربة؛ كون لجان الامتحانات بدأت بإسقاط هذه المادة من مناهجها.
ويلفت التقرير إلى أن برنامج "مناهج لأجل التماسك"، وهو برنامج بحث في جامعة الدراسات الشرقية والأفريقية، قدم مراجعة للمناهج عام 2012، واقترح وحدة دراسية حول الصراع العربي الإسرائيلي تمتد الى عام 1896 للتقييم إن كانت جذور الصراع توفر فكرة للحل، مشيرا إلى أنه في نظر فريق البرنامج، فإن آراء الطلاب حول الموضوع "يجب أن تنشأ بناء على نظرة تاريخية عميقة، وأن يمنحوا في درس التاريخ الفرصة لتفحص القضية بعمق ومن زوايا مختلفة".
وتستدرك الصحيفة بأن "من بين خمس لجان امتحانات في إنجلترا وويلز وشمال إيرلندا، فإن ثلاث لجان قامت بسحب مادة الصراع العربي الإسرائيلي من امتحانات الثانوية العامة منذ عام 2014، أما لجنة (AQA) فلديها وحدة حول الصراع، لكنها تبدأ من عام 1990. وتبقى لجنة (Pearson Edexcel)، التي تقدم وحدة عن (الصراع في الشرق الأوسط 1945-1995)، رغم أنه -كما يشير ديفيس- خاصة في الذكرى المئوية على وعد بلفور، فإن ذلك لا يترك مجالا لدراسة دور
بريطانيا، وتقول لجان الامتحانات إنه لا يوجد طلب على الموضوع، أما مجلس المناهج والامتحانات فيقول إن مدرسة واحدة من كل 170 مدرسة اختارت موضوع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مادة اختيارية لامتحان الثانوية العامة".
ويورد التقرير نقلا عن ديفيس، قوله إنه يحب تدريس المادة، حيث "يشعر الطلاب بأنهم يتعلمون شيئا يجعلهم يفهمون ماذا يجري اليوم، ويستطيعون أن يروا في الصحف كل يوم أمواج الماضي، وبالنسبة للأستاذ فإنه إذا وجد الطلاب الموضوع ممتعا فإنه يصبح ممتعا له أن يدرسه".
وتتساءل الصحيفة عن سبب قلة الإقبال على دراسة الموضوع، وترى أن تدريس تاريخ صراع قائم هو موضوع حساس، فيخشى بعض الأساتذة أن يثير الفصائلية بين طلابهم، حيث تقول شارون بوث، من مشروع حلول وليس انحيازا، وهو برنامج تعليمي يأتي بالإسرائيليين والفلسطينيين إلى المدارس، إن كثيرا من الأساتذة قلقون "فيمكن أن يواجه الأساتذة ردود فعل عاطفية قوية من الطلاب.. عملنا مع أستاذ من خلفية يهودية وكان لدية عدد لا بأس به من الطلاب من عائلات يسارية أو خلفيات إسلامية، وكانت نظرتهم تميل إلى الجانب الفلسطيني، وكان يجد النقاش صعبا، حيث يرتبط هو والطلاب بعلاقة عاطفية مع الموضوع".
ويذهب التقرير إلى القول: "يبدو أن هذه الحساسية تنعكس في قلة استعداد وزارة التعليم لتحريك الموضوع، حيث يقول محمد أمين، وهو الرئيس المشارك في المنتدى الإسلامي اليهودي في مانشستر، وهو أحد داعمي مشروع المناهج لأجل التماسك، وكان مشاركا في التقرير الذي قدم عام 2012 لمراجعة المناهج: (كانت إحدى أهم النقاط هي أن تدرس المدارس تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكن ببساطة فإن الحكومة تهربت، إنهم يعتقدون أنه موضوع مثير للجدل)، وتختلف وزارة التعليم مع ذلك، لكنها لم تضع الوحدة المقترحة في المنهاج".
وتجد الصحيفة أنه "مع أنه لا أحد يريد أن يزرع الفرقة، إلا أنه يمكن القول بأن أهمية الموضوع تكمن في مدى إثارته للخلاف، فيقول أمين: (يجب تربية الأطفال على محاولة فهم القضايا الصعبة، وأن يكونوا قادرين على استيعاب الحجج والخلافات، بدلا من الاشتباك.. إن التاريخ والطريقة التي ننظر إليه فيها ونفهمه يحدد كيف نرى العالم، ولو تحدثت إلى شباب مسلمين بريطانيين سيقولون لك كيف تصرف اليهود بشكل سيئ في الشرق الأوسط وكيف سرقوا أراضي العرب، لكن لن يعترفوا بالعنف العربي ضد اليهود في العشرينيات والثلاثينيات، وعدم الموافقة على التحدث مع لجان الأمم المتحدة التي أدت إلى التقسيم، ولو تحدثت مع اليهود سيكون هناك عدم اعتراف بالجرائم التي ارتكبها الجانبان، وبأن السياسة الإسرائيلية كانت هي الطرد".
ويورد التقرير نقلا عن لجنة الامتحانات (OCR)، قولها بأنها وإن كانت أسقطت الموضوع لطلاب الثانوية العامة، إلا أنه متوفر لمن أراد أن يدرسه على مستوى (A-level)، مستدركا بأن هذا الأمر يقلل عدد المتمكنين من دراسة الموضوع.
وتذكر الصحيفة أن الطلاب يقومون في مدرسة لانكستر رويال بمناقشة الموضوع في سن مبكرة، حيث يُدرس في السنة التاسعة، بحسب مدير قسم التاريخ في المدرسة الأستاذ هيو كاستل، الذي يقول إن ذلك يتم لأن الكثير من الطلاب لا يختارون التاريخ مادة لامتحاناتهم الثانوية، ولذلك يتم تدريس المادة مبكرا ليتعلموها قبل دراسة مواد الثانوية العامة.
ويذهب التقرير إلى أن "وجود مادة تعليمية جيدة أمر ضروري، إلا أن الكتب المتوفرة حول الموضوع قليلة، خاصة لأن القليل من المدارس تقوم بتدريس المادة، وهنا تأتي أهمية المشروع الذي يقوم به مايكل ديفيس، وهو مشروع التواريخ الموازية، حيث وظف ديفيس خمسة باحثين شباب، وأعطى كل واحد منهم موضوعا لبحثه، ولتسجيل رواية كل من الطرفين، بالإضافة إلى إيجاد الوثائق التي تؤيد كل رواية، وتم إنشاء مادة تعليمية متوازية على الإنترنت على مدى الثمانية عشر شهرا الماضية".
وتقول الصحيفة: "بالنسبة للباحث الشاب الذي يعيش في مخيم لاجئي نابلس، أو المرأة اليهودية التي تنظم أنشطة مؤيدة لإسرائيل في الجامعات، أو المسلم الباكستاني من الجيل الأول الذي يخطب في المسجد المحلي، فإن عملية البحث وإنتاج المادة التدريسية هي نوع من التعلم بحد ذاته".
وينقل التقرير عن باحث يهودي، قوله: "لقد تعلمت أن حدثا ما أو موجة عنف في هذا الصراع لا تقف وحدها، وأهم سؤال يتم الاختلاف عليه هو (من الذي بدأ هذا؟)؛ لأن كل جانب يريد أن يعتلي القمة الأخلاقية، إنها تذكر بأن الماضي هو تاريخ متصل يقطعه المؤرخون أحيانا إلى مراحل بشكل تعسفي".
وتشير الصحيفة إلى أنه تم تحميل الفيديوهات الأولى التي تغطي الفترة ما بين 1914 ومنتصف العشرينيات من القرن الماضي على صفحة "فيسبوك" للتواريخ المتوازية، وكل منها يحتوي على مستويات عدة من المصادر على شكل لقطات فيديو وصور ووثائق ورسائل، حيث يأمل ديفيس أن تكون هذه الطريقة في التعلم، بالإضافة إلى وجود المصدر المجاني على الإعلام الاجتماعي، ستخلق نشاطا.
ويقول ديفيس: "بإمكانك أن تختار جانبا واحدا.. ولكن نشجعك أن تذهب من فوق الجدار وتنظر إليه من الجانب الآخر، وفي إحصائيات الاستعمال تبين أنه في 90% من الحالات يذهب الناس الذين يدخلون من باب واحد إلى البابين، حيث ينظرون إلى القضية من وجهتي النظر".
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أنه بالنسبة لمحمد أمين، فإن فوائد هذه المقاربة واضحة، حيث "إنها تضطر الناس لقراءة رواية الجانب الآخر، وترى وجهة نظرهم، إن ذلك بحد ذاته إنجاز؛ لأن معظم الناس يعيشون حياتهم كلها وهم يقرأون فقط الحاجات التي يتفقون معها".