مدونات

استراتيجية اللعب مع الكبار

سيلين ساري
حسن بهنسي بهلول شخصية سنيمائية جسدها عادل أمام، أحترت فيها، فأنا لا أعلم هل هي شخصية واقعية هربت من الواقع للخيال كي تبوح بما لا يمكنها أن تبوح به في الواقع، أم هي شخصية خيالية نزلت إلى أرض الواقع فالتهم أحلامها وجعلها طوال الفيلم تصرخ "أنا بحلم" عل صوتها يوقظها من ذاك الكابوس الذي تعيشه فتعود لعالمها الحالم.

بهلول وما أكثر بهاليل بلادنا ذاك المسكين الذي يجبره الجوع على النوم، فيحلم بحال بلاده ويستيقظ لكن لا يعلم هل ما رآه تخاريف حلم شخص جائع للطعام، أم هي حلم لشخص مستيقظ جائع للحياة والحرية.

الحرية هي حلم الجائعين وليس هناك أحوج لها من شعب سلبت حريته على مدار 7000 سنة وعندما اقترب من الحلم وما كاد يلمسه حتى اختفى وسلب منه فصار لا يعرف هل ما رآه كان هذيان حلم أم واقعا لم يكتمل.

يناير حلم الحرية، فمنذ أيام مرت الذكرى السادسة لثورة يناير "الحلم" والذكرى الرابعة على الانقلاب والإطاحة بالرئيس المنتخب "كابوس الواقع".

ومنذ ذلك الحين اختلط الحلم بالواقع وصار بهلول لا يستطيع أن يفرق بينهما فحتى الواقع صار أضغاث أحلام والأحلام كوابيس مؤرقة، فها هنا يتصدر المشهد الثوري العديد من الشخصيات والكيانات والحركات والجماعات، أسماء تتردد وكلمات عالية الإيقاع، جميلة النغمة لكن تقف عند هذا الحد لا تتجاوزه فلا وجود لها في عالم الواقع لا أفعال.

تمر الأيام بثقلها الساحق هامات الأحلام تحت وطأة دماء الشهداء، وتزايد عدد المعتقلين، أسر بالكامل شردت وباتت مطاردة، أمهات مفجوعة في فلذات أكبادها، أنين اليتامى يشق الصدور ويشتكي إلى الله ظلم المنقلب وتخاذل قادة المشهد الثوري.

ينام بهلول هربا من الجوع بأنواعه ليتحدث مع قادة المشهد الثوري عن صناعة استراتيجية أمنيه تضمن لنا اختراق الحملات الأمنية ووصول الناس إلي الميادين وتحقيق قوة الأرض والثورة، لأن في أرض الواقع يظن البعض أننا ندعوا إلي العنف المسلح ، وهذا إن دل على شيء لا يدل إلا على ضحالة الفكر وسطحيته، وفقدان الرؤية والاستراتيجية بل إنهم لا يعلمون أبسط المعلومات عن خصمهم على الأرض وهذا يعني افتقاد المعلومة أيضا، لقد أصبح من بيننا من يدعو إلى التوحد خلف التنازل عن الشرعية، والتي هي المكتسب الحقيقي لثورة يناير ثم يعود هؤلاء ليقولوا: "يناير يجمعنا.. ومع بعض نقدر".

كيف يا سادة وأنتم نسفتم يناير ومكتسباتها من الأصل؟؟

لكن السؤال الأهم هل بجمعكم المتهاون هذا تستطيعون تحريك الأرض؟؟

ثم يخرج علينا آخرون يطالبون بالتوحد خلف تغير العلم والنشيد.

علم ونشيد!! بعد أربعة أعوام من الانقلاب ودماء وأنين علم ونشيد؟؟

وهل بذلك سيسقط الانقلاب؟

هل هو الاستخفاف بعقولنا أم أنه جفاف في الفكر وعجز في الإبداع والمقاومة؟؟

يطول الحوار العبثي بالحلم فيأتي آخرون يطالبون بالمستحيل "العصيان المدني" والغريب أن من يطالبون بهذا هم أنفسهم يقولون بالنص: نحن ندرك أن العصيان المدني ثقافة مجتمع وأننا نفتقد لتلك الثقافة بمجتمعنا ولكننا نحاول!!

نحاول؟! نحن بيننا وبين انتخابات رئاسية أخرى هزليه عدة أشهر وإن لم نستطع التخلص من هذا الكابوس سيصبح لتلك الانتخابات شرعية يفتقدها النظام الحالي ووقتها سينهار كل شيء، وأنتم تحدثوننا عن المحاولات!!

ثم هناك من يكتفي باحتجاج أمام نقابة الصحفيين أو الأطباء أو المحامين، رغم أن هذه الاحتجاجات تعد اعترافا بشرعية  الانقلاب فهي اعتراض فقط علي بعض قرارته.

فيستيقظ لاعنا التشتت والعشوائية صارخا بسؤال هل ميدان التحرير بعيد عنكم؟

ينام بهلول ثانية ليأتي من يخبره أن السيسي تلقى لأكثر من مرة تحذيرا أنه من الضروري عدم وصول أي حشود ولو بسيطة إلى ميدان التحرير وأن أي حشود داخل الميدان قد تجعل الغرب في وضع حرج يجبره علي تغير موقفه.

كما أن الغرب أعطى للسيسي الكارت الأخضر في التجاوز في حقوق الإنسان شريطة آلا يسمح أن يترجم الغضب الشعبي في صورة تجمعات علي الأرض.

والحقيقة أن السيسي وعد فأوفى، ولكن إذا صار الانقلاب يحكم علينا بقبضته، ومتصدرو المشهد الثوري في عجز عن خلق فكر ثوري يطيح بالمنقلب، فهل يعني ذلك أن الثورة انتهت وأصبحنا أمام أمر واقع؟

الإجابة: لا

ففي داخل الحلم سأل بهلول هل يمكننا التخلص مما نحن فيه؟؟

فكانت الإجابة بالطبع ولكن بصناعة استراتيجية تحوي المعلومة والتحرك على أساس خطة وخريطة ووضع استراتيجية الدفع والشلل للخصم وإعدادات للحفاظ على الثوار على الأرض وقبل كل ذلك تثوير الشعب، وهذا الأمر بات متواجدا ونحن بصدد الإعداد لآليات التنفيذ.

ثم أخبره لأول مرة عن أرقام ومعلومات عن الحملات الأمنية وتمركزها وكيفية اختراقها دون عنف واكتفى بعرض النقاط العريضة حفاظا على سرية الاستراتيجية، وهنا شعر بهلول وتأكد أن هناك جديدا سيحدث لا يعلم متى ولكنه قريب.

تأكد لأول مرة أن هناك رجالا يحملون القضية ولن يتركوها أو يسلموا إلى ما يسمى الأمر الواقع، رجال يخططون لامتلاك الأرض بلا عشوائية أو فرض مستحيلات، وأن كلمة السر هي استراتيجية الأرض.

وسألت بهلول بأعلى صوته من أنتم؟؟

فكان الرد: "ثائرون.... عائدون... ليستيقظ مرددا هو ده الحلم اللي لسه ما حلمتوش ولا أنا مش بحلم".