مقالات مختارة

ألا تخجل أمة المليارين من نفسها؟

حسين لقرع
جيتي
جيتي
الأخبار المفزعة التي تتوالى في الأيام الأخيرة بشأن وفاة عدد من الأطفال حديثي الولادة في رفح بجنوب غزة من شدّة البرد في خيم من البلاستيك والقماش المهترئ، ينبغي أن تشعر أمة الملياري مسلم بالعار والخجل من أنفسهم، فهل بلغ الأمر إلى درجة العجز عن جمع الملايين من الأفرشة والبطانيات وإرسالها إلى غزة، وهو أمر يمكن أن تتكفّل به جمعية خيرية واحدة في بلد مسلم كبير؟

لو حدثت هذه المآسي بشمال غزّة المحاصرة كلّيا منذ 75 يوما، بفعل تطبيق “خطّة الجنرالات” الفاشية الرامية إلى إخلائه من سكانه واستيطانه مجددا، لقلنا إن الاحتلال سيمنع وصول هذه المساعدات إلى هذه المنطقة المحاصرة بشكل إجرامي ولو تدفّقت عليها من مناطق العالم جميعا، لكنّها حصلت في رفح بجنوب غزة على مرمى حجر من مصر، والمساعدات تصل إلى هناك ولو كانت شحيحة قليلة ويتعرّض بعضها للنّهب أيضا، فهي تصل برغم كلّ الظروف وبإمكان الدول العربية والإسلامية وأحرار العالم إذن إرسال الاحتياجات الأساسية للسكان الفلسطينيين بالمنطقة وفي مقدّمتها الأغذية والخيم والأفرشة والبطانيات والأدوية وغيرها… ولا يضرنّهم في ذلك أن ينتظروا أسابيع عديدة أمام معبر رفح قبل السّماح لمساعداتهم بالدخول، فما يعانيه 2.3 مليون فلسطيني من برد وجوع وأهوال يستحقّ هذه التّضحية البسيطة.

ويضاف الموت بردا إلى ما يحدث في غزة، وخاصة في شمالها، من الموت جوعا بفعل ندرة الأغذية والمؤونة، وعدم السماح بدخولها، وكذا الموت تحت القصف بشتّى أشكاله في مجازر تتكرّر يوميا أمام بصر العالم وسمعه، ويسقط فيها كلّ يوم عشرات الشهداء والجرحى، ولا أحد يتحرّك لوضع حدّ للمأساة؛ فالدول الغربية متواطئة ومشاركة في هذه الجريمة منذ اليوم الأول للحرب ولم يعد هناك أمل يرجى منها.

والدول العربية والإسلامية استسلمت كلّيا للأمر الواقع، ولم تعد تتداعى لعقد اجتماعات، هل يعقل أن يموت أطفال بالجوع والبرد ولا تعقد الدول الإسلامية اجتماعا عاجلا للنّظر في كيفية الضغط على الدول الكبرى لتضغط بدورها على الاحتلال ليسمح بدخول المساعدات الإنسانية الأكثر استعجالا وإلحاحا؟ هل تحدث هذه المآسي لأشقاء عرب في أرض عربية، أم تحصل في جزيرة معزولة في هذا العالم؟

منذ بضعة أشهر، اشتكى أحد فلسطينيي غزة من خذلان العرب والمسلمين لهم، وعدم اكتراثهم بما يقاسونه من جوع وأمراض ومجازر، وختمها قائلا: “لا تشفع لهم يا رسول الله يوم القيامة”، ولعلّ هذا الفلسطيني المفجوع بخذلان أمة المليارين يكرّر طلبه الآن من الرسول الكريم، صلّى الله عليه وسلم، وهو يرى رضّعا يموتون من شدّة البرد في خان يونس، ولا أحد يتحرّك لإرسال ما فاض عن حاجته من أفرشة وبطانيات لإنقاذ البقيّة في هذا الشّتاء الذي نعيش أيّامه الأولى فقط ولا يزال طويلا، فهل مثل هذه الأمة تستحقّ شفاعة رسولها يوم القيامة وقد تركت 2.3 مليون من أشقائها للموت بشتّى الطرق وأصبحت تتعايش مع ذلك وكأنّ شيئا لم يحدث؟

عزاؤنا، ونحن لا نرى هذه الأيام إلا ما يدمي القلب، أنّ المقاومة لا تزال صامدة في القطاع، ولا ترفع الرّاية البيضاء لهذا الاحتلال المجرم الفاشي الذي يجوّع الأطفال والنساء وينسف البيوت على رؤوسهم ويدمّر المنشآت ويحرق المستشفيات… وهي تنتقم لهم وتقاوم بكلّ ما تملك حتى بالسّكاكين؛ ففي الأسابيع الأخيرة، بدأت المقاومة تلجأ إلى عمليات بالأسلحة البيضاء وتقتل جنودا للاحتلال بجرأة نادرة.

وسواء كان الأمر يتعلّق بنقص في أسلحتها وذخائرها، كما يروّج الاحتلال لذلك، أو أنّه تكتيك جديد لبثّ الرعب في صفوف جنوده، فهو يثبت -في جميع الأحوال- أنّ المقاومة لا تزال موجودة وتحارب بما تستطيع، في إصرار وعزيمة كبيرتين.. وفي ظلّ الخذلان الشّامل الذي يحاصر الفلسطينيين من كلّ جانب، لم يعد هناك من أمل سوى صمود المقاومة في الميدان، وكذا ثبات الفلسطينيين على أرضهم برغم الجوع والبرد والحصار والمجازر، وهو صمود سيذكره التاريخ بأحرف من ذهب.

الشروق الجزائرية
التعليقات (0)