ملفات وتقارير

"قيامة أرطغرل": دراما تستلهم التاريخ وتثير جدلا عربيا كبيرا

أرشيفية
تجدد الجدل حول المسلسل التركي الشهير "قيامة أرطغرل" بعد بدء بث حلقته الأولى ابتداء من 16 كانون الثاني/يناير الماضي، مدبلجا للعربية على شاشة تلفزيون قطر.

وكان باحثون في التاريخ قد انتقدوا المسلسل منذ عرضه على قناة "تي آر تي 1" التركية، والتي ما زالت تعرض الجزء الثالث من المسلسل على القناة نفسها، حيث انصب نقدهم على عدم مطابقة القدر الأكبر من مشاهده للوقائع التاريخية، واحتوائه في الوقت نفسه على أخطاء تاريخية كثيرة. 

ووفقا للباحث في التاريخ، الداعية الكويتي عبد العزيز العويد فإن الوقائع التاريخية المعروضة في المسلسل لم تزد عن 10 بالمائة من حلقاته، أما باقي المادة المعروضة فإنه من نسيج خيال كاتب سيناريو المسلسل، بما يتوافق مع مقتضيات الحبكة الدرامية ومتطلباتها. 

وأشار العويد في نقده للمسلسل إلى أنه أشبه ما يكون بالحكواتية الذين كانوا ينتشرون في العالم الإسلامي إلى وقت قريب، فيضيفون كثيرا من الخيال إلى قصص الأبطال كالزير سالم وعنترة وأبي زيد الهلالي وغيرهم.

واستغرب العويد تجاهل المسلسل لذكر الخلافة العباسية، التي كان الأيوبيون والسلاجقة يتبعون لها ولو شكليا، وكذلك تجاهل المسلسل ذكر العرب، الذين كانوا يتواجدون بكثرة في حلب حينذاك. 

وفي السياق ذاته ذكر الأكاديمي الكويتي الدكتور نايف العجمي، أن مسلسل "قيامة أرطغرل" ارتكز على ثلاثة أحداث رئيسية: قلعة فرسان المعبد، وأحداث حلب، وقتال المغول، وثلاثتها مخالفة للوقائع التاريخية، ومن نسج خيال كاتب النص.

وأضاف العجمي "بالنسبة لفرسان المعبد، فالمعروف تاريخيا أنهم كانوا يحمون النصارى الذاهبين إلى بيت المقدس، وقلعتهم كانت تتواجد في الطريق إليه، والذي شردهم هو صلاح الدين الأيوبي وليس أرطغرل، وهربوا بعدها إلى عكا.

وتابع "أما أحداث حلب فقد تضمنت وقائع مزعجة ومختلقة، لأن حلب كانت قوية زمن غازي بن صلاح الدين، وابنه العزير، وليس كما صُورت في المسلسل ضعيفة هزيلة، وكما صُور العزيز بأنه ضعيف جدا وألعوبة بأيدي الصليبيين.

ضرورة التوثيق التاريخي


بدوره علق أستاذ التاريخ المساعد في جامعة الأزهر، الدكتور محمود السيد الشربيني على المسلسل بأنه ككثير من المسلسلات التركية التاريخية، التي تستند إلى جذر تاريخي، لكنها تضيف إليه جملة من الأحداث المتخيلة التي يضعها كاتب السيناريو، كمتطلبات ضرورية للحبكة الدرامية، والسيناريو التمثيلية.

ولفت الشربيني في حديثه لـ"عربي21" إلى خطورة الاعتماد على ذلك اللون من المسلسلات كمصدر للمعلومات التاريخية، لأنها تفتقر إلى الدقة والمصداقية، وتتضمن قدرا كبيرا من الأحداث المتخيلة، وهو ما يضلل المشاهد العادي، ويزيف وعيه التاريخي.

وشدد الشربيني على ضرورة التعاون مع أساتذة التاريخ والمتخصصين فيه، حينما يراد تمثيل أي حقبة من حقب التاريخ الإسلامي، حتى يظهر العمل التمثيلي بشكل لائق ومحترم ومقبول، ويقدم المعلومة التاريخية الصحيحة إلى جانب متعة المشاهدة وإثارتها.

وجوابا عن سؤال: كيف يوازن بين إيجابيات تلك الأعمال وسلبياتها؟ قال الشربيني إن ما يترجح لديه أن أضرار تلك الأعمال أكثر من نفعها، بسبب ما تشيعه من وعي تاريخي زائف، وتنشره من معلومات مغلوطة، ومساهمتها السلبية في تشكيل العقول بصورة خاطئة.

استلهام التاريخ لإحياء القيم

وبرؤية مغايرة رأى الباحث الأردني، عوني جدوع العبيدي أن هذه المسلسلات تقدم جانبا منسيا من تاريخ أمتنا الإسلامية، وتساهم باطلاع المسلمين المعاصرين على صفحات مشرقة من تاريخهم المجيد.

وردا على سؤال "عربي21": كيف ينظر إلى ما يقال عن الأخطاء والتجاوزات التي تقع في تصوير تلك المسلسلات التاريخية؟ أجاب العبيدي: مع ضرورة تحري التوثيق التاريخي عند كتابة سيناريو تلك المسلسلات، إلا إنه لا بد من التسامح مع ما يقع فيها من أخطاء، لما تتركة من آثار إيجابية، وتحييه من قيم ومبادئ عظيمة، بصورة مشوقة ومثيرة.

وأشار العبيدي إلى أن مسلسل "قيامة أرطغرل" قدم الوعظ الديني بصورة غير مباشرة، وأحيا في نفوس مشاهديه مبادئ وقيما إسلامية عظيمة، كالتوكل على الله، وإظهار عزة الإسلام والمسلمين، وإبراز عظمة الجهاد في سبيل الله، وتمجيد أبطال الأمة ورجالاتها الذين ضحوا بأغلى ما يملكونه في سبيل دينهم وعقيدتهم.

ودعا العبيدي إلى مزيد من الأعمال الدرامية التي تستلهم أحداث التاريخ، وتحيي سيرة أبطال الأمة العظماء، ورجالاتها الكبار، سواء في التاريخ الإسلامي القديم أو الحديث، لإشاعة القيم والمبادئ العظيمة التي تنهض بالأمة من جديد، وتعيد لها سيرتها الأولى في تبوّء مكانتها الريادية بين الأمم الأخرى.      

من جانبه أوضح الإعلامي المتخصص في الشأن التركي، محمد عقل أن مسلسل "قيامة أرطغرل" يأتي في سياق تجميل صورة الدراما التركية التي تم ابتذالها في العقود السابقة، والتي ساهمت في بعض محطاتها وأعمالها بتشويه صورة التاريخ العثماني، كمسلسل "حريم السلطان".

وحول ما إذا كان مسلسل "أرطغرل" مدعوما من حزب "العدالة والتنمية"، ذكر  عقل لـ"عربي21" أن هذه الأعمال تدعم بشكل مباشر من الحكومة التركية، التي توفر لها البنية التحتية اللازمة، وتهيئ لها كافة أسباب النجاح.

دور الدراما في الإحياء القيمي 

في سياق مقارب رأى أستاذ الإعلام في جامعة اليرموك الأردنية، الدكتور محمود السماسيري أن الدراما تمتاز عن غيرها بقدرتها على تجسيد الشخصيات التاريخية بصورة حية ومؤثرة، وتمتلك عناصر الجذب والتشويق والإثارة إذا أُديت بشكل مدروس ومتقن.

وأشار السماسيري إلى أن الطبيعة البشرية تهرب من بذل الجهد المضني، عبر قراءة الكتب الجادة للوصول إلى المعرفة، وتستمتع بتحصيلها عن طريق المشاهدة الممتعة، والتي توفرها المسلسلات الدرامية، والأفلام السينمائية.

وقال السماسيري لـ"عربي21" إن "من أعظم أبواب إحياء القيم وترسيخ المبادئ العظيمة في زماننا الحالي، إبرازها عن طريق الدراما، وتجسيدها من خلال سيرة عظماء الأمة ورجالاتها الأوائل، عبر مسلسلات تلفزيونية، وأفلام سينمائية، تراعي شروط التوثيق التاريخي بقدر المستطاع، وتلتزم بالقيم والأخلاق التي تسعى لترسيخها في المجتمعات المعاصرة".

ووفقا للسماسيري فإن ما يضيفه كاتبو سيناريو تلك الأعمال، من أحداث متخيلة لتكميل أحداث التاريخ التي تكتمل حلقاتها بحسب روايتها التاريخية، يعفى عما كان واقعا منها في دائرة الأحداث الثانوية، التي لا تتناقض مع الحقائق التاريخية الثابتة.  

يُذكر أن أحداث مسلسل "قيامة أرطغرل" تدور في القرن السابع الهجري، الثالث عشر الميلادي، ما بين حلب وأنطاكية، وأرطغرل (1191م ـ 1281م) والد عثمان الأول أول سلاطين الدولة العثمانية، وقائد قبيلة كاي من أتراك الأوغوز، وهو الذي مهد لقيام الإمبراطورية العثمانية.

ويُشار إلى أن الرئيس التركي الطيب رجب أردوغان، قام وأسرته بزيارة مواقع تصوير المسلسل، وهو ما يعكس اهتمامه بالمسلسل، بما يحمله من رسائل فكرية وقيمية، في خضم صراعاته مع قوى العلمانية الصلبة في تركيا.