قضايا وآراء

البيان الذي لم تصدره الكنيسة المرقصية

1300x600
توقعت كما توقع غيري من المصريين، أن يصدر بيان سريع من الكنيسة القبطية باسم غبطة البابا تواضروس، يرفض فيه الزج باسم أقباط مصر أثناء الحديث عن الانتهاكات الدينية داخل الكونغرس الأمريكي، وما يتعلق بالكنائس وبنائها وترميمها.

تتبعت آخر تصريحات للقمص بولس حليم، وهو المتحدث الرسمي باسم الكنيسة، أيضا لم أجد شيئا. لم أجد إلا تصريحات من هنا وهناك لعدد من الأقباط المهتمين بالشأن العام داخل مصر وكذا في المهجر.

تقول الحكاية، إن النائب الجمهوري (ديف تروت) قدم مشروع قانون تمت مناقشته في الدورة 114 للكونغرس الأمريكي وأحيل بالفعل إلى لجنة الشئون الخارجية في مجلس النواب، ليناقش في كانون الثاني/ يناير المقبل. 

ونص مشروع القانون على توصيات عدة يجب أن تتبعها الإدارة الأمريكية الجديدة، وهي اتباع سياسة تنص على إدانة انتهاكات الحرية الدينية، وتشجيع الحكومات الأخرى ومساعدتها في تعزيز الحق الأساسي في حرية الدين، وأن تلتزم الخارجية الأمريكية بتقديم تقرير عن التقدم الذي تم إحرازه في عملية ترميم الكنائس التي أحرقت أو خربت، خلال السنوات الثلاث الماضية، وعلى أن يكون ذلك في خلال ما لا يزيد عن 180 يوما من تاريخ صدور هذا القانون، وبعد ذلك سنويا حتى عام 2021.

القانون تفوح منه روائح (مؤامراتية)، وما يعكسه من تدخل أمريكي فج في الشأن الداخلي المصري، ويشير إلى أهداف سياسية غير مباشرة يسعى إليها الكونغرس الأمريكي من خلال الكنيسة المصرية، خاصة في هذا التوقيت بالغ الحرج، الذي يشهده الشرق الأوسط كله.

بعض الأمور تكتسب أهميتها من توقيت الإعلان عنها. كثير من المتابعين طالبوا وزارة الخارجية والكنيسة برفض هذا الكلام، وإلا سيصبح الأمر خضوعا من الأقباط للولايات المتحدة. 

الخارجية أصدرت بالفعل بيانا على لسان المستشار أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، عن رفض مصر (قانون المساءلة المتعلق بالكنائس القبطية) الذي يطالب وزير الخارجية الأمريكي بمتابعة مدى التزام الحكومة المصرية بترميم الكنائس، التي وعدت بترميمها عقب أحداث عام 2013.

جمال أسعد، المفكر القبطي الشهير الذي كان مرشحا دائما لمجلس الشعب على قائمة التحالف الإسلامي في الثمانينيات، قال إنه لا يوجد مبرر حقيقي لخروج قانون يتناول أحداث وقعت من ثلاثة أعوام!! (كما أشرت أولا). 

وبالتالي، ما هي الدوافع والأهداف الحقيقية وراء تقديم هذا المشروع الآن؟ 

وقال أيضا، إن مثل هذا القانون قد يحمل في طياته أهدافا سياسية غير مباشرة لفتح العلاقات بين الكونغرس الأمريكي والكنيسة المصرية، وهو أمر مرفوض شكلا وموضوعا.

وقال: "المصريون الأقباط تابعون للدولة المصرية، وهي المسؤولة عن كنائسهم".                 
وأكد ضرورة إصدار الكنيسة المصرية بيانا رسميا يرفض هذا القانون، وإلا سوف يصبح الأمر بمثابة خضوع من الكنيسة المصرية والأقباط للولايات المتحدة الأمريكية.

تأخر الكنيسة في إصدار رفض رسمي لهذا القرار ليس في صالح الوطن، ولا الأقباط والكنيسة.

نريد موقفا كبيرا وشديدا وحازما من الكنيسة تجاه قصة التناول الخارجي لأي مشكلة تتعلق بأقباط مصر.

حضور الموضوع القبطي في الحالة الإقليمية والدولية قديم وممتد وحاضر دائما في الأوقات كلها.

تذكر لنا كتب التاريخ أن قيصر روسيا ألكسندر الأول، أرسل مندوبا عام 1805م إلى الكنيسة القبطية ليقنع البابا بوضع أقباط مصر تحت حماية الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وبالتالي في حماية القيصر. 

المندوب الروسي قابل غبطة البابا بطرس السابع (الجاولى)، مبديا له ألمه على حال الأقباط في مصر، وعرض عليه أن يتولى قيصر روسيا حماية الأقباط،لكن البابا الكبير الرصين كان أكثر حكمة، فرفض العرض فورا، بدافع عميق وصادق من الوطنية الحقيقية، وانتمائه وكنيسته لمصر الوطن والدولة.

المندوب الروسي بعدها قابل محمد علي، الذي سأله عن أكثر شيء أعجبه في مصر، فذكر الرجل أن أكثر شيء أعجبه هو بطريرك الأقباط، وحكى له عن موقف البابا بطرس الجاولي من الحماية القيصرية، فما كان من محمد علي إلا أن اصطحب ابنه إبراهيم باشا، وذهب بنفسه إلى البابا في مقر إقامته ليقول له (لقد رفعت اليوم من شأني وشأن بلادك، فليكن لك مقام محمد علي في البلاد).

في رسالة دكتوراه قدمها الباحث أيمن محمد محمود في كلية الآداب جامعة القاهرة عام 2008م، وتحت إشراف الأستاذ الدكتور محمد عفيفي أستاذ التاريخ، أكد الباحث في رسالته أن (الشريعة الإسلامية تنص على المساواة بين المسلمين وغير المسلمين)، مشيرا إلى أن أسباب فرض الجزية قد زالت بدخول الأقباط للجيش وتساويهم في الواجبات مع المسلمين، واستعان بآراء بعض المفكرين المسلمين مثل الأستاذ حسن البنا، الذي نقل عنه أنه قال إن (الجندية بدلا من الجزية، وبالتالي لا مكان لفكرة فرض الجزية على الأقباط، في ظل تغير الأوضاع، وظهور مبدأ المواطنة الذي لا يميز بين الأديان، وأن من يناقشها يعود بنا إلى عصور الجهل الذي لا يتناسب مع العصر الحالي).

أثناء الإعداد لدستور 1923م، ضمت لجنة الثلاثين المشكلة لوضع دستور 1923 الشهير الأنبا يؤانس مطران الإسكندرية، وقليني فهمي، وإلياس عوض، وتوفيق دوس، وطلب حينها توفيق دوس وضع نظام للأقليات يضمن تمثيلها النيابي. 

وكان بالطبع يشير إلى الأقباط. بعدها كتب قليني باشا مقالا في الأهرام، عارض فيها الفكرة المقترحة في لجنة الدستور. 

وأكد في المقال أنه من الخير للبلاد أن يظل أبناؤها جميعا خاضعين لقانون واحد وسلطة واحدة، حرصا على وحدتها القومية.

ولا يمكن للمصريين أن ينسوا البابا كيرلس السادس (1959-1971م) الذي لا زالت ذكراه عند المصريين معطرة منداة، بكل ما هو وطني وشريف ونزيه، ويذكرك فورا بقول السيد المسيح: (إن الذين أعطيتني لم أهلك منهم أحدا..).

وكل عام وإخوتنا الأقباط في كل مكان بخير وسلامة وسعادة.