لم يتوصل الإسلاميون في
الجزائر إلى صيغة توافقية حول مشروع للوحدة بينهم يحقق لهم القوة التي تمكنهم من مواجهة أحزاب السلطة في
الانتخابات القادمة.
فقد بات وضع الأحزاب الإسلامية في البلاد أكثر غموضا وتعقيدا من الوضع ما بعد الانتخابات النيابة عام 2012، التي حققت خلالها نتائج متواضعة جدا، مقارنة بما حققه إسلاميو المغرب وتونس ومصر.
ينظر الإسلاميون في الجزائر إلى الانتخابات النيابية، المقررة في 20 نيسان/ أبريل القادم، بشك وريبة، فهي بالإضافة إلى كونها منعرجا حاسما، يحدد فيه مصير الأحزاب الإسلامية في البلاد، فهي تتسم بالغموض الشديد بشأن الخارطة السياسية المرتقبة، وموقع
الإسلاميين فيها، في وقت فشلت مبادرات الوحدة بين الأحزاب المشكلة لهذا الفصيل السياسي، آخرها مبادرة أطلقتها "جبهة التغيير"، ولم يتجاوب معها أقرانها.
وقاد عبد المجيد مناصرة، رئيس "جبهة التغيير" الإسلامية، مبادرة للمّ شمل ثلاثة أحزاب إسلامية، وهي، بالإضافة إلى حزبه: حركة مجتمع السلم، وحركة البناء الوطني، لكن مشروع الوحدة الذي دفع به الرجل، كان مصيره الفشل.
وكل من جبهة التغيير وحركة البناء الوطني حزب تشكل بعد انشقاق عن الحركة الأم (حركة مجتمع السلم)، بعد خلافات عميقة دبت بين قياداتها إثر إعلان رئيسها السابق، أبو جرة سلطاني، قبوله حقيبة وزارية عرضها عليه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عام 2005.
ورفضت القيادات التي نشقت عن حركة مجتمع السلم، التي أسسها الراحل محفوظ نحناح، قبول سلطاني في الوزارة؛ لأن ذلك يعني بالنسبة لهم إدخال الحركة في خندق الموالاة، وأعلنت هذه القيادات بعد صراعات مريرة انسحابها من الحركة (مجتمع السلم) وتأسيس حزبين مستقلين عام 2011.
لكن ومنذ الانشقاق، تراجع أداء الأحزاب الإسلامية على الساحة السياسية في الجزائر، ما يوفر للسلطة مساحات واسعة للمناورة وتمرير مشاريعها السياسية، مستغلة فرصة انقسام التيار الإسلامي.
وقال مناصرة في تصريح خاص لـ"عربي21"، الأربعاء: "حاولت منذ شهور الدفع بمشروع الوحدة بين الأحزاب الثلاثة، في إطار مدرسة الراحل محفوظ نحناح مؤسس حركة مجتمع السلم، إلا أن الطرفين الآخرين لم يتجاوبا مع المشروع".
وأضاف مناصرة: "قلنا على الأقل نتوحد تحت مظلة تحالف انتخابي أو مشروع سياسي يستمد أسسه من مدرسة الشيخ نحناح، ذلك أنه من الصعب التنبؤ بالنتائج التي سيحققها الإسلاميون في نيابيات نيسان/ أبريل القادم، في ظل القيود التي وضعتها السلطة أمامنا، بداية من قانون الانتخابات، وانتهاء باحتكار الإدارة عملية تنظيم الانتخابات"، وفق تعبيره.
ولكن ما أسباب عدم تجاوب الشركاء الآخرين في التيار الإسلامي؟ يجيب مناصرة: "تعلمون أننا بادرنا في السابق إلى الوحدة بين أحزاب مدرسة الشيخ نحناح رحمة الله عليه، لكن للأسف الشديد لم نتوصل إلى نتيجة؛ لأن المسار لم ينضج".
وتابع مناصرة: "كما أننا جددنا الدعوة للوحدة في شكل تحالف انتخابي بين حركة البناء الوطني وحركة مجتمع السلم، إضافة إلى جبهة التغيير. لكن الأولى رفضت من حيث المبدأ من دون تفسير أسباب الرفض. أما حركة حمس (مجتمع السلم)، فهي تفضل أن يترك التحالف بالمحافظات فقط، وليس إرساء تحالف وطني حول مشروع سياسي".
وخارج الأحزاب الإسلامية التي تنتمي إلى مدرسة "الشيخ نحناح"، الذي توفي عام 2003 وخلفه سلطاني على رأس حركة مجتمع السلم، كانت لأحزاب إسلامية تجربة تحالف، لكنه تحالف انتخابي ظرفي، وليس تحالفا في إطار مشروع سياسي طويل الأمد، ويتعلق الأمر بتشكيل "ائتلاف الجزائر الخضراء"، المؤلف من حركة مجتمع السلم وحركة النهضة وحركة الإصلاح الوطني.
وخاض هذا الائتلاف الانتخابات النيابة عام 2012، وحصد 48 مقعدا بالبرلمان الجزائري، من أصل 466 مقعدا، بينما اتهم قادة الائتلاف السلطة بتزوير النتائج ومنع صعود الإسلاميين، في وقت فاز الإسلاميون في كل من تونس والمغرب ومصر (قبل الانقلاب).
لكن هذا الائتلاف يستبعد أن يستمر إلى الانتخابات النيابية المقررة شهر نيسان/ أبريل المقبل، إثر إشارات "سلبية" من حركة مجتمع السلم؛ بتفضيلها خوض الانتخابات منفردة.
وذكر رئيس الحركة الحالي، عبد الرزاق مقري، في مؤتمر صحفي في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أن "مسألة القوائم المشتركة تبقى متروكة للمناضلين في المحافظات فقط"، ما يعني أن الحركة لا تعتزم الاشتراك مع حركة الإصلاح وحركة النهضة بقوائم وطنية مثلما فعلت عام 2012.
ويرى محمد حديبي، الناطق الرسمي باسم حركة النهضة الجزائرية، أن "التيار الإسلامي هو التيار الوحيد القادر على إحداث نقلة نوعية في ديناميكية مسار الدولة للأحسن".
وعبّر حديبي، في تصريح لـ"عربي21"، عن اعتقاده بأن "التزوير كثابت من الثوابت الرئيسية في كل استحقاقات الانتخابية أضر بالأحزاب الإسلامية؛ من حيث إن السلطة في الجزائر ترسل رسائل سلبية للشعب من أجل نشر اليأس في صفوف الإسلاميين"، وفق تقدير.
وأضاف: "بالرغم من كل هذا، نجح هدا التيار (الإسلامي) في إنشاء ما يسمى ائتلاف الجزائر الخضراء، الذي أعاد الأمل للشعب الجزائري، كما أعاد التوازن للساحة الوطنية التي تئن تحت القبضة الحديدية للسلطة خارج إرادة القانون والشعب، بل تحت استعمال منطق الاستبداد والدكتاتورية وتمييع العملية السياسية"، بحسب تعبيره.