مقالات مختارة

إشارات غير مطمئنة

1300x600
ثمة إشارات غير مطمئنة تلقيناها خلال الأسبوع الحالي تنسج المحاذير حول فكرة العفو الرئاسي عن المصريين المحبوسين ظلما؛ إذ انطلقت تلك الإشارات بشكل مواز مع الأخبار التي أذيعت عن قوائم أعدتها اللجنة التي شكلتها الرئاسة لدراسة الموضوع، بعد إثارته في مؤتمر الشباب، ذلك أنني تابعت أكثر من لقاء تلفزيوني أثير فيه الموضوع من زاوية المعايير التي يفترض الاستناد إليها لإصدار العفو في تقرير مصير المحبوسين. 

ومما لاحظته أن السؤال تكرر في تلك الحوارات حول من منهم يستحق أن يشمله القرار، وكانت الإجابة التي تكررت بدورها أن من بين أولئك الشبان من اشترك في قتل رجال الشرطة والجيش، وإن أبسط مقتضيات الوفاء لدماء أولئك الشهداء ألا يرى النور أي واحد من أولئك القتلة. وهي فكرة لا تخلو من وجاهة، لكن تكرارها في أكثر من حوار أثار شكوكي، ورجح لدى احتمال أن يكون الأمر مرتبا، لتعبئة الرأي العام ضد موضوع العفو.

أستند في مخاوفي إلى عوامل عدة في مقدمتها ما يلي:

< إن طرح الموضوع على الرأي العام من الزاوية التي أشرت إليها بعدما قطعت اللجنة الرئاسية شوطا في بحثه قد يستهدف التشويش على عمل اللجنة، أو الضغط عليها للتخويف من النتائج المترتبة على العفو.

< إننا نعلم أن البرامج الحوارية لا تخلو من توجيه و«تنسيق» مع جهات معروفة خارج القنوات. ومنع الحوار الذي أجرته إحدى القنوات مع المستشار هشام جنينة رئيس جهاز المحاسبات السابق قبل 20 دقيقة من موعد بثه يؤيد ما أدعيه.

< يتصل بما سبق أنه بات معلوما للجميع أن السلطة توجه اهتماما خاصا للبث التلفزيوني، وأن هناك إعلاميين أمنجية -بعضهم أعلن ذلك صراحة- وهؤلاء يستضيفون ضيوفا أمنجية أيضا يحملون الرسائل المطلوبة للجمهور. ولم تكتف أجهزة السلطة بذلك، ولكنها تتجه الآن إلى إطلاق مجموعة قنوات أمنجية بالكامل، تملأ إعلاناتها شوارع القاهرة.

< إن الادعاء بأن المحبوسين اتهموا في قضايا قتل الشرطة وتخريب الممتلكات له أصل في تحريات الشرطة التي تم الاعتماد عليها. ولكن الجميع يعرف أن أغلب تلك الادعاءات ليست صحيحة، وأنها صارت بنودا تقليدية في مختلف القضايا. وقد ذكرت من قبل أن القضاء المصري لا يعترف بها كدليل في الاتهام، ولكنها مجرد شهادات لا يؤخذ بها إلا إذا أيدتها قرائن أخرى.

ما سبق يسوغ لي أن أطرح فكرة عززت شكوكي في حملة التحذير والتخويف أتحدث عنها، ذلك أننا لا نستطيع أن نتجاهل حقيقة تعدد الاتجاهات وتباينها داخل الأجهزة الأمنية، وهو ما لمسناه في ملفات عدة؛ لذلك لا أستبعد أن يكون موضوع العفو من بين تلك الملفات، بمعنى أن يكون هناك تيار يؤيد صدور العفو لتخفيف الاحتقان القائم من خلال رفع المظلومية عن البعض، وبالمقابل يكون هناك تيار آخر (من الصقور) يؤيد فكرة استمرار العين الحمراء والقبضة الحديدية. وهذا التحليل قد يفسر المضي قدما في فحص الحالات وإعداد قوائم المرشحين للاستفادة من العفو، وفي الوقت ذاته يتحرك الاتجاه الآخر من خلال الإعلام لإفشال المحاولة.

هناك سيناريو آخر أسوأ، يتخلص في أن تكون الجهة التي قررت العفو وشكلت لجنة لأجله أرادت أن تتراجع عنه استجابة لضغوط معينة؛ لذلك أرادت أن تهيئ الرأي العام لذلك، من خلال التخويف من الآثار «الخطيرة» التي يمكن أن تترتب على خروج المحبوسين وعودتهم إلى محاولات إشاعة الفوضى وإسقاط الدولة.

هذه استنتاجات أرجو أن تثبت الأيام خطأها وجنوحها إلى التشاؤم، وإذا حدث ذلك فاعذرونا؛ لأن الغيوم التي تلوح في الأفق حينا بعد حين سحبت الكثير من رصيد الثقة والبراءة لدينا، وأوقعتنا في محظور إساءة الظن.

الشرق القطرية