لا خلاف في لبنان على وجود حالة إسلامية ملتزمة، الخلاف هو حول حجمها وتأثيرها. ففي حين يحاول البعض التقليل من أهمية هذه الحالة والإيحاء بعدم قدرتها على التأثير والتغيير في بلد متعدد الطوائف ومعقد التركيب، يدرك البعض الآخر أهمية حضور الإسلاميين وتأثيرهم، لكنهم يبذلون ما يستطيعون لمحاصرتهم، ومحاولة ضبطهم، والسعي لحجبهم عن الحياة السياسية.
الملفت أنه رغم الخلافات الكثيرة بين الطبقة السياسية، إلا أن الجميع متفق على تحجيم الحالة الإسلامية وعدم السماح لها بالخروج إلى الضوء، سواء كان ذلك من خلال قانون انتخابي يشتت قواهم ويحول دون إيصال من يمثلهم إلى قبة البرلمان، أو من خلال الترغيب والترهيب الذي أفلح في شراء ذمم البعض وتهميش البعض الآخر.
اليوم، وفي ظل عهد رئاسي جديد يمثله الرئيس ميشال عون، من مصلحة الحالة الإسلامية التوقف عن نكء جراح الماضي وتجاربه المريرة مع السلطة وأجهزتها المختلفة، ومحاولة نسيان الإساءات ومحاولات التضييق التي مارستها السلطة بحق خيرة أبناء الساحة الإسلامية، والسعي للانخراط في الأجواء الإيجابية السائدة ومشاركة الجميع فتح صفحة جديدة في التعاطي مع الآخرين.
نجاح الإسلاميين بذلك مرتبط بنجاحهم في التكيّف مع العهد الجديد، ومحاولة نسج علاقات طيبة مع رئيس الجمهورية وإبداء حسن نية بعيدا عن الانطباعات السلبية المسبقة والاتهام والكيدية. نجاح الإسلاميين مرتبط كذلك بقدرتهم على التعامل باستقلالية مع موقع الرئاسة والفريق المحيط بالرئيس بعيدا عن استغلال الآخرين لهم واستخدام عواطفهم وحميتهم الدينية لتحقيق مآرب ضيقة من خلال الزجّ بهم في معارك لا مصلحة لهم فيها ولا يراد منها سوى تحقيق مصالح السياسيين. واجب ثقيل يقع على عاتق الإسلاميين في لبنان، لاسيما عقلاؤهم الذين عليهم حسن التوجيه وتنبيه القواعد الإسلامية من المتصيدين في الماء العكر، الذين لن يناسبهم أن تكون العلاقة واضحة بينهم وبين مؤسسة الرئاسة.
الإيجابية في التعاطي والابتعاد عن الصورة النمطية والأحكام المسبقة ليست مطلوبة من الإسلاميين فقط، بل هي مطلوبة كذلك من الرئيس ميشال عون والفريق المحيط به. فعلى الرئيس أن يقابل التعاطي الإيجابي من جانب الإسلاميين بإيجابية أكبر، ليس فقط من باب حسن الخلق والحنكة السياسية، بل من باب المصلحة الوطنية والأمن والاستقرار، خاصة أنه حريص على إنجاح عهده ويسعى لترك بصمة في تاريخ لبنان ونفوس اللبنانيين.
على الرئيس ميشال عون أن يكون فعلا لا قولا، "بيّ الكل"، وهو الشعار الذي رفعه مناصروه عند انتخابه، وعليه أن يسعى لتقديم أداء جديد ومختلف في التعاطي مع الحالة الإسلامية مبني على العدالة والمساواة وتطبيق القانون أسوة ببقية اللبنانيين، وألا يحصر علاقته بهم من خلال من يمثلهم في البرلمان وزعمائهم السياسيين. فرئيس الجمهورية يدرك جيدا أن القانون الذي جرت على أساسه الانتخابات النيابية لا يعكس القوة الحقيقية للشارع، ويدرك كذلك أن أمما وخلائق كثرا يبحثون عن وسيلة لإيصال صوتهم، وهم لا يجدون في كل الطبقة السياسية التي تتحدث باسمهم من يعبّر عن أفكارهم وتطلعاتهم وينقل مشاكلهم.
يشكل العهد الرئاسي الجديد والأجواء الإيجابية المصاحبة له فرصة قد لا تتكرر لإذابة حائط جليدي من الجفاء والسلبية بين رئاسة الجمهورية ومؤسسات السلطة المختلفة وبين الساحة الإسلامية، وعلى المعنيين والعقلاء من الجانبين استغلال الفرصة، والاستفادة منها بما يحقق مصلحة الجميع، وبما يحقن دماء اللبنانيين ويريح نفوسهم.
الشرق القطرية