قضايا وآراء

رفع الظلم لا يكون بالعفو العام بل بالعدالة

1300x600

بعد شهرين؛ هو الموعد الذي ضربه رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري لأهالي الموقوفين الإسلاميين لإصدار قانون العفو العام عن أبنائهم. الحريري يحرص في الآونة الأخيرة، على بعد أشهر قليلة من الانتخابات النيابية - خاصة في استقبالاته الشعبية - على التذكيربأنه يولي قانون العفو أهمية كبيرة، وهو جاد في الوصول إليه، وأن رئيس الجمهورية حريص على إنجازه كذلك.

كما في كل مناسبة، تتهرب السلطة اللبنانية من تصحيح أخطائها، ومحاولة وضع الأمور على سكتها الصحيحة، وتلجأ عوضاً عن ذلك لإجراء عمليات جراحية كل حين. فقانون العفو العام ربما سيُخرج الموقوفين الإسلاميين من السجون، لكنه لن يبرئهم، ولا يكشف الظلم الذي لحق بهم طوال سنوات. فتوقيفهم تمّ إما بناء على تقرير كتبه مخبر رخيص أراد الإيقاع بهم وإرضاء مشغله، وإما لأنهم ناصروا أو أيّدوا فلاناً، أو كانوا يصلون في مسجده وأعجبوا بأفكاره، دون أن يرتكبوا أي جرم، وإما بسبب أخطاء ارتكبوها لكن بقاءهم في السجن زاد سنوات عن المدة التي يمكن أن يحكم عليهم بها. هؤلاء مظلومون، ويجب أن يخرجوا من السجن دون منّة من أحد، ودون الحاجة لصدور عفو عنهم. ورفع الظلم عن هؤلاء لا يكون بإخراجهم من السجون دون محاكمات، بل بالتسريع بمحاكماتهم بعد إخلاء سبيلهم، وأن يصار بعدها تسريع إجراءات المحاكمة وإصدار الأحكام بحقهم؛ التي ستبيّض صفحتهم وتعيد إليهم بعضاً من كرامتهم. أما السنوات التي سلبها السجن من حياتهم فلن يعيدها إليهم أحد.

 

 

قانون العفو العام ربما سيُخرج الموقوفين الإسلاميين من السجون، لكنه لن يبرئهم، ولا يكشف الظلم الذي لحق بهم طوال سنوات



مفهومة لهفة أهالي الموقوفين الذين يريدون الإفراج عن أبنائهم بأي طريقة، لكن حق الموقوفين لا يُسترد بمنحهم عفوا عاما، بل بإجراء محاكمات سريعة وعادلة وهم خارج السجون؛ يتابعون حضور محاكماتهم. وكان حريا بالحريري، عِوض السعي لإصدار عفو عام يستثمره في حملته الانتخابية، أن ينشغل بإصدار قانون يجبر الضرر الذي لحق بشباب بعمر الورود؛ قضوا سنوات طويلة من أعمارهم في السجون، يدفعون ثمن استنسابية قضائية، وبطء في إجراءات المحاكمة.

على فرض أن العفو العام صدر كما وعد الحريري، وخرج من السجون عشرات الموقوفين المظلومين، فمن الذي يضمن عدم تكرار ما حصل، وأن يتم استغلال مشكلة أمنية في مكان ما (كما حصل في مرات سابقة) ليتم الزجّ بعشرات الشباب في السجون، ولتتكرر المأساة نفسها، ويعود الأهالي للمطالبة مرة أخرى بإصدار عفو عن أبنائهم، ويتم استغلال هذه المأساة انتخابياً وشعبياً كما هو حاصل اليوم؟

 

العدالة تكون بتطبيق القانون على جميع اللبنانيين، بأن يتم التشدد أو التساهل في إصدار الأحكام بناء على الجُرم المُرتَكَب، وليس على هوية المرتَكِب أو طائفته أو مذهبه


لا مبرر لإصدار عفو عام، وهو لا يحقق العدالة، بل يلتف عليها ويتجاوزها، ويؤسّس لظلم يأتي من بعده. فالعدالة تكون بتطبيق القانون على جميع اللبنانيين، بأن يتم التشدد أو التساهل في إصدار الأحكام بناء على الجُرم المُرتَكَب، وليس على هوية المرتَكِب أو طائفته أو مذهبه. العدالة تكون حين لا تكون هناك استثناءات فوق القانون، وحين يتم التعامل مع الجميع بعين واحدة. العدالة تكون بأن تطال الملاحقات الجميع، لا أن يتم استثناء طرف أو جهة والتعامل معها وكأنها فوق القانون. العدالة تكون حين يخرج الموقوف من السجن لأنه بريء، لا لأن على علاقة بالمسؤول أو الزعيم الفلاني، أو لأنه ينتمي إلى هذا الحزب أو ذاك.

صدور العفو العام سينهي معاناة الموقوفين الإسلاميين وذويهم، لكنه لن ينهي الظلم.

 

الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع