قضايا وآراء

مشكلة عون أنه خاصم بري

1300x600
تكمن خطورة الأزمة الجديدة بين رئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري؛ في أنها بين رجلين عنيدين. فأجواء الأعياد الإيجابية السائدة في لبنان لم تدفع بري لـ"بلع" محاولة رئيس الجمهورية تمرير مرسوم منح دورة ضباط عام 1994 أقدمية لمدة سنة؛ دون الحصول على موافقته.

كان يمكن لبري أن يمرّر الأمر بصمت، فعون وبري في جبهة سياسية واحدة، وإذا كان متوقعاً معارضة المرسوم، فكان ذلك منتظراً من جهة رئيس الحكومة سعد الحريري. لكن الواضح أن عون استغل اللحظة التي شعر فيها الحريري أنه مدين له لوقوفه إلى جانبه في أزمة توقيفه في السعودية، فوافق الحريري على توقيع المرسوم، لكن الرفض جاء من حيث لم يتوقع عون.

الكيمياء الغائبة بين الرئيسين عون وبري لم تكن يوماً سراً، فالأزمات بين الرجلين كثيرة، ومن المعروف أنه لولا الجهود الجبارة التي يبذلها حزب الله، واضطرار السيد حسن نصر الله في أحيان كثيرة للتدخل والوساطة بين الرجلين، لخرجت خلافاتهما إلى العلن. فإضافة لعناد الرجلين، يستند الجفاء بينهما على أبعاد تاريخية وطائفية. فدورة الضباط التي أراد رئيس الجمهورية تمرير أقدمية سنة لأفرادها؛ هي الدورة التي كان أثناءها ميشال عون رئيساً للحكومة العسكرية الانتقالية عام 1989، بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل.. كان المطلوب حينئذ من عون تأمين انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لكن عون حلّ مجلس النواب، واعتصم بالقصر الرئاسي في بعبدا، وأعلن حرباً على النظام السوري؛ أطلق عليها اسم "حرب التحرير". وفي ذلك الحين، كان الرئيس نبيه بري أحد أهم حلفاء هذا النظام، وساند الجيش السوري في مواجهة عون، لطرده من قصر بعبدا.

أما في البعد الطائفي، فإن الدورة التي يريد عون تمرير مرسوم منحها أقدمية قوامها 195 ضابطاً، 179 منهم مسيحيون، و16 مسلما، وهذا يخلّ بالتوازن الطائفي، بالإضافة إلى أن جميع ضباط هذه الدورة هم من الموالين لعون.

الجانب الطائفي الآخر للمشكلة؛ أن تجاهل رئيس الجمهورية الحصول على توقيع وزير المالية (الشيعي) على المرسوم سيكرس سابقة يحارب رئيس مجلس النواب (الشيعي) لمواجهتها، وهي إمكانية صدور مراسيم دون الحصول على موافقة الشريك الشيعي في الدولة. فالشرط الوحيد للرئيس نبيه بري عند تشكيل الحكومة هو أن تكون وزارة المالية من حصته، لضمان وجوب الحصول على توقيع وزير المالية (الشيعي) على جميع المراسيم. لكن رئيس الجمهورية (المسيحي) تجاهل توقيع وزير المالية، واكتفى بتوقيع رئيس الحكومة (السني) ووزير الدفاع التابع له، وهو أمر لن يسمح بري بحصوله. ومن الواضح أن حزب الله يسانده في هذا الموقف وإن كان حريصاً على التزام الصمت حرصاً على عدم إحراج رئيس الجمهورية.

مشكلة الرئيس عون هي أن خلافه مع الرئيس نبيه بري الذي كرّس أداء فريداً في العمل السياسي في لبنان. فرغم وضوح بري في تموضعه السياسي، إلا أنه يحرص دائماً على عدم قطع العلاقة مع الآخرين، حتى مع ألدّ خصومه، مع احتفاظه الدائم بمركز المفاوض بين الجميع. فهو في أوج التشنج الطائفي والاحتقان المذهبي في الشارع، حافظ على علاقة مع الجميع، وشكلت هذه العلاقة مدخلاً للحوار والتوافق في كثير من المحطات.

مشكلة الرئيس ميشال عون أن خلافه هو مع شخصية تكاد تكون الوحيدة في لبنان التي حافظت على مكانتها ومكتسباتها، وعلاقاتها مع الحلفاء والخصوم، رغم تبدل الظروف وانقلاب الأحوال منذ الحرب الأهلية وحتى يومنا هذا. أزمة ميشال عون هي أنه لن يجد حليفاً يقف إلى جانبه في مخاصمة نبيه بري.