يحمل أيوب سرور الأربعيني
الفلسطيني المتحدر من قرية نعلين القريبة من رام الله هاتفه لإحياء ما يمكن إحياؤه من
التراث الشعبي الذي بات عرضة للسرقة
الإسرائيلية لتثبيت تاريخ مزعوم.
سرور الذي لا يملك من وسائل التكنولوجيا سوى هاتف محمول تمكن خلال فترة وجيزة من الوصول إلى آلاف الفلسطينيين في الداخل والشتات عبر مقاطعه القصيرة التي خصصها لتصوير أكلات تراثية نسيها الجيل الجديد المولود خارج الوطن.
وحصد سرور آلاف الإعجابات على صفحته التي أنشأها على موقع "فيسبوك" لاستعراض مقاطعه المصورة وهو يقوم بإعداد أطعمة تراثية شارفت على الانقراض ولم يعد يسمع بها الجيل الجديد من اللاجئين.
ويقول سرور لـ"
عربي21" إن الفكرة جاءته بعد حديثه مع العديد من الفلسطينيين الذين يعيشون في الخارج والذين نسوا بفعل الغربة واختلاف البيئات التي عاشوا فيها تفاصيل حياة الفلسطينيين التراثية وطبيعة عاداتهم وأكلاتهم.
وأشار إلى أن الشعب الفلسطيني يواجه احتلالا يريد سرقة تراثه على كافة المستويات حتى تراثه في الأكل، ولذلك كان لا بد من مبادرة لإحياء هذا التراث بطريقة عفوية بسيطة محببة إلى الناس تذكرهم بأرضهم التي سلبت منهم.
ويظهر سرور في المقاطع المصورة بشكل دائم في أرضه التي جهزها على النمط التراثي بموقد النار و"الطابون" وصخور عصر الزيتون البدائية.
ويساعد سرور ابنه في تصوير المقاطع وبثها على شبكة الإنترنت.
وعلى الرغم من أن سرور لم يكمل تعليمه، إلا أن مقاطعه المصورة تكشف عن شخص يعرف هدفه ويسعى لربط الفلسطينيين بتاريخ ولو عبر إعداد أكلات مثل "الملاتيت" أو "الكراكيش" أو"كراديش الذرة" أو"المملوح" أو عبر عصر الزيتون لاستخراج "زيت الطفاح" بواسطة الصخور.
وأوضح سرور أنه لا يعتمد على أحد في تصريف شؤونه اليومية أو حتى مصاريفه، مؤكدا أنه لولا الأكل لما عمل عند اليهود لكسب قوت يومه.
ويرى سرور أن جزءا من الفلسطينيين سواء في الداخل أو الخارج شغلتهم الحياة والرفاهية عن الحياة البسيطة التي عاشها آباؤهم وأجدادهم في فلسطين، لذلك كان لا بد من عمل ينبههم إلى ضرورة معرفة كيف كانت الحياة تسير قديما وأن "الزمن دوار وربما تعود حياة البؤس التي مرت سابقا على جيل اليوم وعليه الاستعداد لها لا انتظار مساعدة الآخرين".
خيرات الأرض
وحول أطعمة تراثية اشتهر بإعدادها يقول إنها من ناتج الأرض وخيراتها، أطعمة انقرضت ونسيها الفلسطينيون بسبب تطور الحياة والاعتماد على الأطعمة الجاهزة والتي يقول إنها "غير صحية وجالبة للأمراض".
ويكثر ظهور زيت الزيتون في "أكلات" سرور ويقول: "زيت الزيتون مبارك ومذكور في القرآن وله العديد من الفوائد للجسم"، وأضاف: "عمري 45 عاما ولا أذهب إلى الأطباء مطلقا وأي مرض يصيبني أتداوى بشكل طبيعي وطبقا لموروثنا في العلاج الشعبي".
ولا يكتفي سرور بالظهور وحده في المقاطع المصورة بل تظهر والدته الثمانينية معه في بعض المقاطع، حيث يشير إلى أنها أيضا تعتمد على الأطعمة الطبيعية وزيت الزيتون وكل ما ينتج عنه في الغذاء والتداوي، ولذلك "فهي بصحة جيدة ونظرها حاد"، على حد قوله.
وعن دور والدته في المقاطع والمعلومات التراثية التي يقدمها، يقول سرور إنها تقف وراءه وتساعده فيما يقدمه من وصفات وأطعمة لأنها "عاشت فترة النكبة وتعرف حياة البؤس والاعتماد على النفس بأبسط المتوفر والتي عاشها الفلسطينيون منذ احتلال فلسطين".
وينقل سرور عن والدته أن النساء قديما لم يكن يملكن مواد لتنظيف الأواني بعد تناول الطعام لكن "كانت لديهن عشبة يحضرونها من أريحا وتوضع على النار حتى تصبح مادة شبيهة بالصابون لتنظيف الأواني وتعقيمها".
وأشار إلى أن رماد النار كانت النساء تستخدمنه قديما لإزالة "رائحة زفر اللحوم قبل الطبخ وهي من الطرق التي انقرضت منذ زمن ولم يعد أحد يسمع عنها".
شغف للتراث
وعلى صعيد التفاعل الكبير مع صفحته على موقع "فيسبوك" يقول سرور: "هناك شغف لدى الفلسطينيين خاصة ممن لم ير فلسطين بتراثها، والأعداد الكبيرة التي تتابع الصفحة أبدت إعجابها بما أقدمه بلهجة فلاحية بسيطة محببة للجميع".
وأوضح أن عشرات الاتصالات ترده يوميا من بلاد شتات الفلسطينيين وكلها تشيد بما يقوم به، وجزء منهم يبحث عن وصفات التداوي الشعبية التي كان يسمعها من آبائه وأجداده لكنها اندثرت مع الوقت.
ويرى أنه قدم خدمة كبيرة للقضية الفلسطينية ولو بأدوات بسيطة وبما يملك من معلومات، لأن فيما يقدم تحديا لمحاولات
الاحتلال سرقة التراث الفلسطيني وتزويره وتقديمه للعالم على أنه تراث اليهود.
ولفت إلى أن سبب اندثار جزء كبير من التراث الفلسطيني هو الاحتلال والشتات الذي فرض على الفلسطينيين لكنه يؤكد أن على جميع اللاجئين مسؤولية حمل هذا التراث وتقديمه للعالم وتعليمه لأطفالهم ليبقى حيا.
أهمية توثيق التاريخ
من جانبه يقول الباحث في التراث الفلسطيني من لبنان محمود دكور إن التراث الفلسطيني ينبغي أن يكون موثقا بأي شكل، سواء بصريا عبر مقاطع فيديو مصورة أو عبر الكتب والوثائق، أو ملموسا من خلال القطع التراثية لما قبل نكبة فلسطين.
وأشار لـ"
عربي21" إلى أنه بدأ مشروعا مع مجموعة من أصدقائه لحفظ التراث الفلسطيني وعمل على جمع 3 آلاف قطعة تراثية فلسطينية بعضها يرجع للعصر الروماني، وكان الشرط فيها أن يكون تاريخها قبل عام 1948.
وشدد دكور على أن الاجيال الجديدة من الفلسطينيين "تواجه خطر نسيان تاريخها وتراثها إذا قام الآباء والأجداد الذين اتصلوا بفلسطين في فترة من الفترات بإهمال هذا التاريخ وعدم تعليمه لهم ووضعه أمام أعينهم صباح مساء لحفظه".
وأضاف: "لكن ما رأيته من الفلسطينيين في الخارج أنهم أشد حرصا على التراث والتاريخ الفلسطيني ولديهم شغف بحفظه ومشاركاتهم في الفعاليات التي تذكر بفلسطين ملموسة".
وقال إن "التراث والتاريخ الفلسطيني يجب أن يكون الصحن الذي يجلس أمامه الفلسطينيون صباحا ومساء حتى يعودوا إلى بلادهم".