نشرت مجلة "إيكونوميست" تقريرا في عددها الأخير، تقول فيه إن الرئيس
المصري عبد الفتاح
السيسي قام في الوقت الحرج وتحت الضغط ببعض الأمور الصعبة والضرورية.
وتقول المجلة: "عندما لم يتبق لديك أي خيار، فإنك تجبر على الرضوخ للأمر المحتوم، وهذا ما فعله السيسي هذا الأسبوع، مع عجز الميزانية بنسبة 12% من الدخل القومي، ونقص في الدولار بشكل دفع سعر الجنيه المصري في السوق السوداء إلى أقل من نصف سعره الرسمي، ولم يتبق للسيسي أي خيار، ففي آب/ أغسطس عرض صندوق
النقد الدولي على الجنرال السابق 12 مليار دولار كشريان حياة، إلا أنها جاءت بشروط مشددة، وأخيرا طبق الشروط، وستصل أموال صندوق النقد الدولي قريبا، لكن يجب أن يكون هذا هو بداية الإصلاح وليس نهايته".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن السيسي حاول القيام بثلاثة أمور صعبة لكنها ضرورية، كما طلبها صندوق النقد الدولي، ففي 3 تشرين الثاني/ نوفمبر، سمح بتعويم الجنيه المصري، ويتم تبادله الآن بسعر 18 جنيها مقابل الدولار، وكان الجنيه قد دعم في السابق بقيمة مبالغة، بحوالي 8.8 جنيه للدولار، ولا يعرف بعد إن كان هذا التعويم حقيقيا، فقد يتعرض الجنيه لضغوط جديدة، ولا توجد هناك ضمانات تمنع الحكومة من التعويم بشكل يؤدي إلى عودة السوق السوداء من جديد، ولا تزال التعاملات ببطاقات الائتمان مقيدة، ولهذا فإن السوق ليست حرة الآن".
وتبين المجلة أنه "على نحو مشابه، فإن مطلبي صندوق النقد الدولي تم الوفاء بهما إلى درجة معينة، ففي آب/ أغسطس، أقر البرلمان قانونا طال انتظاره، يتعلق بقيمة ضريبة القيمة المضافة، وهي تخضع للكثير من الإعفاءات، لكنها لا تزال كافية لأن تقدم الموارد المالية التي تحتاجها الحكومة بشكل عاجل، ومن المتوقع أن ترتفع في العام المقبل، بالإضافة إلى أنه تم العمل بتخفيض الدعم الحكومي الأسبوع الماضي، وبزيادة بنسبة 50% في العملة المحلية لسعر الوقود، وذلك بعد الزيادة في سعر الكهرباء، ومع ذلك يظل سعرهما أقل من القيمة الحقيقية لأسعار السوق، ولم يتم تخفيض دعم المواد الغذائية، رغم التكلفة والتعقيد والتعرض للغش، وبدلا من دعم المواد الغذائية، فإن الحكومة ستساعد الفقراء المصريين أفضل لو قدمت لهم أموالا نقدية لشرائها".
ويعلق التقرير بأنه "يجب إعطاء الجنرال ما يستحق، حيث إنه وفى بمطالب صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على المال، ومن الصعب اعتباره الرئيس الأول الذي قام باتخاذ قرارات مؤلمة حين لم يجد أمامه أي خيار، لكن الأمور العصيبة حدثت في الفترة اللاحقة؛ أولا من الضروري ألا يكون هناك تراجع عن الإصلاح، فقد يبدأ
الاقتصاد بالتعافي بسرعة، خاصة أن سعر الجنيه قد انخفضت قيمته إلى النصف، وفي هذه الحالة ستكون مصر أكثر جاذبية للاستثمار الأجنبي، وحتى للسياح، طالما استعدوا لنسيان ما حدث العام للطائرة الروسية، التي غادرت شرم الشيخ وفجرها تنظيم الدولة، (ولا ننسى ذكر تعذيب وقتل الباحث الإيطالي)، ولو خف الضغط على ميزانية السيسي، فإنه قد يحاول إعادة الدعم".
وتورد المجلة أن "الأمر الثاني، وهو أنه يجب على الحكومة ألا تتخيل أن عملها انتهى الآن، فلا تزال مصر بلدا محبطا لمن يريد إدارة شركة فيه، وهي في المرتبة 122 في مؤشر البنك الدولي حول الدول التي يسهل فيها الاستثمار، ولن يصلح الكشف الشهر الماضي عن آلاف الأطنان من السكر (المخزن) من شركة بيبسي وعدد من المصنعين المحليين صورة البلد، ولا يزال الجيش يتدخل في الاقتصاد، وهي عادة زادت سوءا منذ وصول السيسي إلى السلطة، بعد انقلابه عام 2013، وهي مؤسسة ذات تقاليد راسخة من رأسمالية المحسوبية لعدد كبير من الشركات، التي تحظى بأفضلية من عدة طرق، من الرخص إلى الحصول على رأسمال، ما يجعل من الصعوبة أمام الشركات الجديدة التنفس بسهولة".
ويلفت التقرير إلى أنه "يجب أن يكون هدف السيسي الهجوم الكامل على البيروقراطية، كونه بذر الكثير من المال العام على مشاريع ضخمة، من مثل توسيع قناة السويس، التي فشلت في تحقيق الكثير من المنافع، وكان الأولى لو أنفقت الأموال على إصلاح البنية التحتية المتداعية، وتحسين الخدمات العامة".
وترى المجلة أن "ما يهم هو الطريقة التي سيتعامل فيها السيسي مع رد فعل الناس على إصلاحاته، الذين سيعانون من شدة تأثيرها، حيث ارتفع التضخم الآن إلى 14%، وسيؤدي الوقود المستورد بمبالغ عالية إلى زيادة الأسعار أكثر، وكان الخوف من السخط حول زيادة الأسعار، وأنها ستقود إلى حالة من عدم الاستقرار هو ما جعل السيسي يتردد طويلا، ولا يمنع هذا من احتمال وقوع احتجاجات، ويجب ألا يرد عليها بإفراط وباستخدام الغاز المسيل للدموع والضرب بالعصي والاعتقالات الجماعية".
ويجد التقرير أن "تخفيف الدعم غير الفعال عن المواد الأساسية، واستخدام الأموال لتقديمها مباشرة إلى الفقراء هو النهج الأفضل، ويجب على المحتجين أن يعبروا عن احتجاجاتهم بطريقة سلمية".
وتختم "إيكونوميست" تقريرها بالقول إنه "أمر مدعاة للحنق، عندما تطلب حكومة غير ديمقراطية تقديم تضحيات، إلا أن المستثمرين والسياح لن يعودوا إلى بلد يبدو أنه يقف على حافة الفوضى، ولو استمرت مصر على إصلاح مؤلم قصير الأمد، فإنها ستحصل في النهاية على منافع نمو طويلة الأمد".