قضايا وآراء

جاستا (2)

1300x600
ذكرنا في المقال السابق أن المملكة ومنذ نشأتها وحتى اليوم لم تتخذ مواقف مناوئة أو مغايرة للتوجهات الأمريكية، خصوصا في السياسة الخارجية إلا في فترات استثنائية، على رأسها الموقف التاريخي للملك فيصل في حرب أكتوبر 1973.

هذا التوجه كان ضمن اتفاق مفهوم، وإن كان غير مكتوب لأننا لم نطلع عليه، ولكننا نحكم بما يتم رصده من مواقف على مدار عقود، وبالتالي فالسؤال المطروح هو: لماذا صدر هذا القانون ضد دولة حليفة وصديقة لأمريكا؟

في تصوري المتواضع أن المسألة تحكمها قاعدة سياسية أمريكية مهمة وهي "المصالح أولا"، وقد ترد عليّ وتقول: ولكن مصالح أمريكا مستقرة وراسخة، وأن السعودية ومن ورائها دول مجلس التعاون الخليجي قدمت الكثير والكثير لدعم سياسات أمريكا في المنطقة بل والعالم، كما ذكر الكاتب الأمريكي بوب وودوورد، في سلسلة مقالاته عن علاقة آل سعود بأمريكا في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، فلماذا سمحت أمريكا بمرور مثل هذا القانون؟ والعكس قد يكون هو الصواب، فمصلحة أمريكا أن تحافظ على علاقاتها مع السعودية لا أن تعرضها للمخاطر.

هنا لا بد من الحديث عن المستجدات السياسية في المنطقة في العقود القادمة، وعلى رأسها أن المنطقة بأسرها تتعرض لإعادة هيكلة، وبالتالي لابد لأمريكا ليس التخلي عن السعودية ونظام الحكم فيها، ولكن الضغط بكل قوة على المملكة لكي تعيد هيكلة طريقة الحكم فيها استعدادا للمرحلة المقبلة أولا، ويبدو أن ذلك لا يروق للمملكة، وهو الأمر الذي يعني أن عليها أن تواجه ضغوطا من أجل بقائها جزءا متماسكا من المستقبل الذي يتم تصنيعه حاليا في معامل أبحاث مراكز السياسة والاقتصاد والحروب الدولية.

بمعنى أن كلفة العلاقة مع السعودية ما عبر عنها دونالد ترامب عالية، والمردود قليل، وهذا ليس قول ترامب وحده، بل كثيرين ومنهم أوباما الرئيس الأمريكي، الذي كان ولا يزال يرى أن على الدول الخليجية أن تحمي نفسها وألا تنتظر من أمريكا أن ترسل بفلذات أكبادها لحمايتها من أخطار، كما يرى أوباما أنها ليست خارجية بل داخلية في المقام الأول.

يعتقد الأمريكان، وبعد فحص العلاقة الأمريكية السعودية بعمق، أن المصالح ليست على ما يرام، وأن بمقدور أمريكا أن تحصل على خدمات أفضل بكلفة أقل، فلماذا تضطر الإدارات الأمريكية للدفاع عن السعودية طوال الوقت إذا كان بمقدورها أن تعيد صياغة وهيكلة هذه العلاقة بطريقة لا تكلفها عناء الدفاع أو حماية النظام بكلفة مرتفعة كما هو الحال. 

أعيد تذكيرك عزيزي القارئ بأن السعودية حاولت وقبل عام ونصف تقريبا إنشاء قوة عسكرية عربية وإسلامية تكون بديلا عن الحماية الأمريكية للمنطقة، ولكنها فشلت لأسباب ليس هذا وقت شرحها، ولكنه القلق من تخلي أمريكا عن السعودية، خصوصا بعد توقيع اتفاق إيران النووي، والذي تم على إثره اعتماد إيران كقوة إقليمية لها كلمة في عموم المنطقة، من العراق إلى سوريا مرورا بلبنان ووصولا إلى اليمن ومسقط والإمارات العربية المتحدة وبالتماس مع مصر الانقلاب حاليا.

ما يحدث ليس خطرا على المملكة وحدها، بل على المنطقة بأسرها، وهنا يجب الانتباه إلى أن الشماتة في مواقف المملكة، ليس فقط متهاويا أخلاقيا، بل إنه متهاو سياسيا أيضا، لأن الأمر إن حدث وتم التعرض لوحدة أراضي المملكة يعني أن إيران والعدو الصهيوني هما الوريثان الوحيدان والمستفيدان الرئيسيان من ذلك. 

الموقف جد صعب، فمواقف المملكة العربية السعودية، إن كانت إيجابية في المجمل كما يعتقد كثيرون، فإن جراح الشعوب وعلى رأسها الشعب المصري من موقف الملك عبد الله من الانقلاب ودعمه وتأييده له مثل جرحا غائرا يصعب التئامه، ولكن ورغم ذلك فالأمر ليس شهوة في انتقام أو مكايدة سياسية بل مصير أمم ودول ومنطقة بأسرها كانت يوما ما محركا لأحداث عظيمة انتهت في لحظة تاريخية بفتح الأندلس وحكمها ثم أخرج قادتها من الأندلس بعد أن ضلت القيادة طريقها.

الأمر هنا لا يتعلق بما قررت أمريكا فعله، بل بما يتعين على السعودية والقادة السياسيين في المنطقة أن يفعلوا، وإن كان ظني أنهم لن يفعلوا الكثير والشعوب أيضا لم يعد بمقدورها أن تتفاعل مع مثل هذه القضايا، لأنها لم تكن في يوم من الأيام شريكة في صناعة القرار السياسي فلماذا يتم استدعاؤها اليوم؟