على الرغم من مرور سبعة أيام على غرق مركب الهجرة غير الشرعية بالبحر المتوسط، شمال شرقي بوغاز رشيد، بمحافظة البحيرة، وارتفاع عدد الضحايا إلى أكثر من 202 من
المصريين، بخلاف الأجانب، وفق أرقام وزارة الصحة المصرية، فإنه لم تتم محاسبة مسؤول حكومي عن الحادث، ما أثار استنكار إعلاميين موالين لرئيس الانقلاب عبد الفتاح
السيسي، في وقت تكبر فيه كرة الثلج نحو اتهام قادة الجيش بالتباطؤ في التحرك لإنقاذ الضحايا، بل واعتقالهم من بقي على قيد الحياة.
يأتي ذلك في ظل تجاهل حكومي للدعوات المتصاعدة إلى أداء صلاة الغائب، وإقامة سرادق عزاء جماعي، وإعلان الحداد الرسمي، في سائر أنحاء البلاد، مع تعويض ذوي الضحايا، ومد يد العون لهم، ومع استمرار حالة الحزن المخيمة على الشارع المصري منذ وقوع الحادث، فجر الأربعاء الماضي.
وبإعلان الحكومة انتشال المركب الغارق مساء الثلاثاء، سيتم تلقائيا وقف أعمال انتشال جثث جديدة، بشكل رسمي، ومنع الأهالي من انتشال المزيد، بعدما تمكنوا منفردين، بإلإمكانات المتواضعة لمراكب الصيادين، من انتشال غالبية تلك الجثث.
ومن جهتهم، نشر نشطاء بمواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو رفض عرضه الإعلامي وائل الإبراشي عن مأساة غرق المركب، إذ يكشف بوضوح على ألسنة الأهالي: من المتسبب في الحادث بشكل رئيس، وتشير أصابع الاتهام فيه إلى قوات حرس الحدود، بحسب الأهالي، في مقطع الفيديو.
تفاصيل الحادث وغرق المركب
وكانت منطقة رشيد بالبحيرة، على موعد مع كارثة المركب المسافرة بالمهاجرين إلى الخارج، في الساعات الأولى من صباح الأربعاء 21 أيلول/ سبتمبر الحالي، ولكن على بعد 12 كيلومترا من شاطئ "مطوبس- رشيد"، غرق المركب، وعلى متنه قرابة خمسمائة مهاجر غير شرعي، من جنسيات متعددة، وغالبيتهم مصريون.
ومع تباطؤ الأجهزة الرسمية والحكومية في التحرك لإنقاذ الناجين، وانتشال الغرقى والمصابين، فقد تمكن الأهالي من انتشال أكثر من 150 جثة، فيما صدر بيان من قبل المتحدث باسم الجيش، محمد سمير، ينسب فيه انتشال هذا العدد إلى القوات البحرية وحرس الحدود، ما كذبه الأهالي صراحة، في وقت أخذ فيه هذا الرقم يتزايد، مع امتداد الأحداث، ليصل عدد الضحايا إلى 202، حسبما أعلنت وزارة الصحة، مساء الثلاثاء.
وغلب على المشهد الدامي تحركات الأهالي، إذ أكدوا أنهم تلقوا اتصالات من ذويهم حال غرقهم، مما أدى إلى تحركهم لإنقاذ أكثر من 160 شخصا بينهم 117 مصريا و43 من جنسيات أجنبية.
ولاحقا اعتقلت أجهزة الأمن مالكي المركب اللذين يستخدمانها في الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا، لكنهما قاما بتحميل حمولة زائدة للأفراد، عن طريق نقلهم بمراكب صيد صغيرة، بمنطقة برج مغيزل ومطوبس، ما أدى إلى غرق المركب.
وبحسب صحيفة "الفجر"، المقربة من السلطات، الأربعاء، فإنها لم تتفاعل الحكومة مع وقوع الكارثة، كما ينبغي، وتحركت بعد حدوثها بثلاثة أيام، وهو ما كان محل نقد شديد لها، خاصة من قبل الأهالي، الذين أكدوا أن الحكومة من ضمن الأطراف التي تسببت في وقوع الحادث، فمن ناحية تتخذ إجراءات عدة، تتسبب في تضييق عيش المواطن، فضلا عن تقصيرها الكبير في متابعة الحادث، والتعاطي معه.
السادات يسأل وزير الدفاع: من المسؤول؟
ووجه رئيس حزب الإصلاح والتنمية، وعضو مجلس نواب ما بعد الانقلاب، محمد أنور السادات، الثلاثاء، سؤالا لوزير الدفاع والإنتاج الحربي، الفريق صدقي صبحي، لتوضيح دور مركز البحث والإنقاذ التابع للقوات المسلحة إزاء كارثة غرق المركب.
وقال السادات إن التحقيقات الأولية بينت أن المركب خرج بغرض الصيد، وسافر إليه راغبو الهجرة على مدار خمسة أيام، على عمق 12 كيلومترا في عمق البحر.
وتساءل عن كيفية عبور مئات الأشخاص للسواحل المصرية المحمية بقوات حرس الحدود ودعم القوات البحرية، والذهاب إلى عرض البحر دون اكتشاف للكارثة قبل حدوثها؟
وأردف: "ماذا لو كان هؤلاء الأشخاص ينتمون إلى منظمات إرهابية أو يحملون أسلحة أو مخدرات في عرض البحر؟".
وطالب وزير الدفاع بسرعة الإفادة بمدى استعدادات وتغطية قوات حرس الحدود للسواحل المصرية لضمان عدم تكرار هذه الكارثة، خصوصا بعد وجود اتهامات موجهة للجميع، وكذلك سرعة البدء في التحقق من هذه الإدعاءات، وإعلان النتائج لتوضيح الحقيقة لأهالي المنكوبين، وللشعب المصري، بحسب قوله.
صحفي: معلومات جديدة تؤكد تورط الجيش
ومن جهته، كشف الكاتب الصحفي أحمد نصار، عن معلومات جديدة عن حادث غرق المركب، مؤكدا أن الجيش لم يتدخل لإنقاذ المركب بسبب رغبة "قيادة كبيرة" بالجيش في الحصول على مبلغ أكبر من الرشوة، وفق رواية الأهالي للأحداث.
وذكر نصار، في تدوينة له، بصفحته الشخصية، عبر موقع "فيسبوك"، سبع معلومات عن الحادث هي أن المهاجرين كان فيهم أسر كاملة بزوجاتهم وأطفالهم الرضع، وكان عددهم 600 مهاجر، من أماكن مختلفة من مصر، وكان من المفترض أن يهاجروا على قاربين.
واختلف صاحب القارب الثاني على "الأجرة" (ما بين 25 و30 ألف جنيه)، فقام صاحب القارب الأول بشحن الستمائة راكب جميعا في قارب واحد.
وانطلق القارب من منطقة "برج رشيد"، التي تقع ضمن سلطات حرس الحدود وخفر السواحل، وعلى بعد نحو 12 كم فقط من الشاطئ (أي داخل السواحل المصرية)، وأطلق القارب نداء استغاثة نحو الساعة الرابعة صباحا..
ولكن امتنعت قوات حرس الحدود وخفر السواحل عن مد يد العون للقارب، فيما حاول بعض الصيادين الانطلاق لإنقاذ الأهالي بقوارب الصيد التي يعملون عليها، لكن حرس الحدود رفض إعطاءهم تصاريح صيد، بدعوى أنه لا يعطيه قبل الساعة السادسة صباحا.
وقد تسببت هذه الساعات الفاصلة في غرق مئات الأهالي، علما بأن من قام بانتشال الجثث هم أهل رشيد، لا قوات الجيش، بحسب أحمد نصار.
واختتم تدوينته بقوله: "يعني الجيش: لا أنقذهم، ولا ساب الأهالي تنقذهم، ويبدو أن السبب كان أن قيادة كبيرة كانت تريد مبلغا أكبر من الرشوة".
وأضاف: "لولا الاختلاف على الرشوة لما دري أحد بالأمر"، مستدركا بأن "أهالي رشيد يؤكدون أن عمليات الهجرة تتم بشكل يومي، وتتحكم فيها عصابات تهريب على علاقات بقيادات في حرس الحدود".
برلماني سابق يتهم قيادات الجيش
ومن جهته، قال عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في برلمان 2012، عامر عبدالرحيم، في مداخلة مع فضائية "مكملين"، إن الجيش الانقلابي العسكري متورط في هذا الحادث، وإن الأموال التي تمت جنايتها من المهاجرين دخلت في جيوب الجنرالات، بحسب وصفه.
وأكد أن حرس الحدود المصري متواطئ في هذه الكارثة، لأنه لا يُسمح لأي شخص بأن يبحر في البحر متجها لأي مكان دون أن يعلم الحرس.
وأضاف أنه لن يتم التحقيق في الاتهامات التي أسندت لحرس الحدود، لأن التحقيقات ستطال من يسيطرون على الحكم في مصر، على حد تعبيره.
عيسى: هل حاسبتم أي مسؤول أمني؟
وغير بعيد، علق الإعلامي إبراهيم عيسى، على اجتماع السيسي مع القيادات الأمنية لمناقشة وبحث أسباب الحادثة، قائلا: "القرارات التي صدرت قرارت أمنية، والدولة بتتكلم في قانون الهجرة غير الشرعية".
وتساءل عيسى: "إذن حدوث هذه الكارثة أمر أمني.. هل أي من المسؤولين الأمنيين اتحاسب؟".
وأضاف، في برنامجه "مع عيسى"، عبر فضائية "القاهرة والناس"، أن ما حدث كارثة، وليس حادثة، كما تتعامل معها الدولة، مضيفا أن "هذه ظاهرة منتشرة".
وتابع: "مراكب المهاجرين منتظرة في السواحل المصرية الركاب من القرى من أجل تكرار المأساة مرة أخرى".
وقفة لذوي الضحايا أمام "الصحفيين"
ومن جهتهم، نظم عشرات الأهالي، مساء الثلاثاء، وقفة بالملابس السوداء والشموع أمام نقابة الصحفيين حدادا على الضحايا، مطالبين الدولة والحكومة بإعلان الحداد.
ورفع المشاركون بالوققة لافتات: "دم الشباب في رقبة مين.. حرس الحدود كان فين.. افتحوا باب الهجرة".
ورفع المشاركون لافتات مطالبة بإعلان الحداد بينها: "أعلنوا الحداد.. بنموت من الفقر بنموت من الجوع.. من عبارة السلام لمركب رشيد يا قلبي لا تحزن".
وتساءل الدبلوماسي السابق، المشارك بالوقفة، يحيى زكريا: "لم تكلف الحكومة نفسها إعلان الحداد حتى الآن.. هل لأنهم مدنيون، وليسوا عسكريين؟".
بيان الجيش وتعليق السيسي يثيران الغضب
وكانت القوات المسلحة أعلنت الخميس، مشاركتها في إحباط محاولة هجرة غير شرعية في البحر المتوسط، وانتشال 42 جثمانا بمحافظة البحيرة، بعد غرقهم في مياه البحر شمال شرقي بوغاز رشيد.
وقالت الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري للقوات المسلحة، في بيان لها: "في إطار الجهود التي تبذلها الدولة لمكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، نجحت عناصر قوات حرس الحدود بالتعاون مع الأجهزة المعنية بمحافظة البحيرة في إحباط محاولة هجرة غير شرعية نتج عنها إنقاذ عدد 163 فردا، وانتشال عدد 42 جثمانا بالمنطقة شمال شرقي بوغاز رشيد بمسافة 12 ميلا بحريا، وذلك على أثر تعرض المركب التي كانت تقلهم للغرق".
وأثار البيان غضب نشطاء بمواقع التواصل، إذ اعتبروه بمثابة اعتراف رسمي بإغراق المركب، الذي كان يقل مئات المواطنين، في حين أن الجيش يصف ما حدث بـ"إحباط هجرة غير شرعية".
وعلق الناشط "عوض علي عوض" بالقول: "يعنى إيه "أحبطت".. يعني لقيتها غرقانة، ولا انت اللي غرقتها.. لو لقيتها غرقانة يبقى انت أنقذت، ولو انت اللي أغرقتها تبقى مصيبة سودة لأنك تبقى قتلت الأعداد الكبيرة دي، وأنت المنوط بك إنقاذهم، والحفاظ عليهم، قبل حفاظك على القانون".
وفي السياق نفسه، أبدى الأهالي اندهاشهم من تعليق السيسي، خلال كلمته، الاثنين، بافتتاح منطقة غيط العنب بالإسكندرية، على الحادث، إذ قال: "بلدنا أولى بينا، بتسافروا ليه؟ بلدنا ما فيهاش شغل؟.. لأ فيها".
وأكد السيسي أنه "لا مبرر لسقوط ضحايا مثلما حدث في حادث مركب رشيد"، مشيرا إلى أن الدولة بمؤسساتها والمجتمع مسؤولون عن عدم تكرار ما حدث.
وخاطب المهاجرين بالقول: "سايبني وماشي ليه؟ سايبها وماشي ليه؟ تزعلنا وتزعل أسرتك، وتزعل مصر عليك ليه؟ وأنا بتكلم كده مش سايبينك خالص، مش أنا اللي مش سايبك، بلدك مصر اللي مش سايباك"، وأضاف: "ليه نترك بلادنا.. مصر فيها شغل"، ما اعتبره الأهالي تسطيحا للأزمة، وتدليسا بإدعاء ما ليس حقيقيا.