في تقييم دورة الانعقاد الأولى لمجلس النواب في مصر، قيل لنا إنه عقدت 94 جلسة استغرقت 266 ساعة. وناقش وأقر 342 قانونا خلال ثمانية أيام، احتوت على 1326 مادة، وهو أعلى معدل أداء لأي برلمان سابق في دورة واحدة. قيل لنا أيضا إن المجلس نظر 82 مشروع قانون قدم منها النواب (الستمائة) قانونين فقط، في حين قدمت الحكومة 80 مشروعا. ولإثراء معلوماتنا أحطنا علما بأنه خلال الجلسات تمت 3449 مداخلة. وأن اللجان الفرعية عقدت 686 اجتماعا، استغرقت 1698 ساعة. وكان رئيس البرلمان ــ حماه الله ــ قد ذكر في وقت سابق أن النائب يكلف الموازنة العامة 28 ألف جنيه شهريا، شاملة تكلفة المكان والأوراق وراتبه الشهري، منوها إلى أن تلك أرخص تكلفة للبرلماني إذا قورن بغيره في أي مكان آخر.
هذه المعلومات وأمثالها كثيرة لا تجيب على السؤال: ماذا فعل البرلمان إزاء مسؤولياته التي حصرها الدستور في الرقابة على السلطة التنفيذية والتشريع؟ ناهيك عن أنها لا تهم المواطن العادي في شيء، حيث يفترض أن «ممثليه» انتخبوا لكي يؤدوا عملا، وليس لكي يسجلوا أرقاما على أصعدة ساعات الانعقاد وعدد القوانين التي مرروها بسرعة البرق، أو المواد التي يرجح أن بعض أعضاء المجلس وافقوا عليها دون أن يقرؤوها. وإذ خلت البيانات من أي معلومات عن عدد المرات التي صفق فيها أعضاء المجلس (ربما لأنها تفوق الحصر)، أو عن عدد فناجين القهوة أو وجبات الغداء التي قدمها المقصف أو المطعم خلال الدورة، فإن كل ذلك يدخل في باب العلم الذي لا ينفع. فلا هو أفاد ولا أضر، وإنما هو يذكرنا بما درج عليه النقاد الرياضيون حين يرغبون في مداراة فشل فرق كرة القدم في إحراز أي أهداف، بقولهم إن الفريق اكتفى «بشرف المحاولة»، ولأننا لم نجد شيئا من ذلك القبيل، لأن رئيس المجلس كان يسارع إلى إسكات وقمع كل عضو حاول أن يسجل ذلك الشرف. فإن «المحاولة» التي يمكن ذكرها في هذا المقام هي أن أعضاء المجلس كلفوا خاطرهم وذهبوا لحضور الجلسات العامة أو جلسات اللجان، وتقاضوا عن ذلك المكافأة المستحقة.
يذكر للمجلس أنه قال «لا» مرتين: الأولى اعترض فيها على قانون الخدمة المدنية، لكن الحكومة لم تأبه باعتراضه ومضت في تنفيذه. وفي المرة الثانية اعترض على نسبة القيمة المضافة التي أرادتها الحكومة 14% في حين رأى المجلس أن 12% تحقق الهدف وتلبي المراد. وأخيرا تم الاتفاق على إقرار نسبة 13% في العام الحالي، على أن يستجاب لرغبة الحكومة بحيث تصبح 14% في العام المقبل. إلا أنه لم يحرك ملف العدالة الانتقالية أو يتطرق إليه من أي باب، وبذل جهدا كبيرا حيث أنفق يوما كاملا في مناقشة مشروع تغليظ عقوبة ختان الإناث!
إن قضايا الاختفاء القسري والتضييق على الحريات العامة، والغلاء الفاحش والفساد وكارثة التعليم وعسكرة الاقتصاد والسياسة والتفاوت الفادح في الأجور والمعاشات بين موظفي الدولة، وأزمة العلاج والدواء التي يعاني منها ملايين المرضى. كل هذه العناوين المهمة لم يكن لها مكان في جدول الأعمال. ومنع بعض النواب من التطرق إليها. وكانت النتيجة أن المجلس فقد دوره وهيبته. وتحول إلى صدى للحكومة وليس رقيبا عليها. وكانت برقية ختام الانعقاد التي بعث بها رئيس المجلس إلى رئيس الجمهورية، وعدد فيها إنجازات سيادته وأشاد بها نموذجا لذلك الموقف. إذ أكد فيها وقوف المجلس خلف الرئيس والقوات المسلحة والشرطة الوطنية، ولم يشر فيها إلى تمثيله للأمة وحمله لأمانة الدفاع عن أشواقها.
حين تابعت حماس رئيس المجلس الزائد للحكومة طول الوقت وموافقته على كل ما صدر عنها، تذكرت قول الشاعر الذي أراد أن يمتدح كرم أحد الحكام فقال إنه «لم يقل لا إلا في تشهُّده». وهو ما أحسبه أبلغ وصف لموقف الدكتور المذكور إزاء الحكومة منذ بداية انعقاد المجلس.
إن السؤال الكبير الذي يستدعيه المشهد هو: من يراقب السلطة التنفيذية إذن، إذا كان ذلك حال البرلمان، وإذا كان جهاز المحاسبات قلمت أظافره وجرى العصف باستقلاله ليكون عبرة للأجهزة الرقابية الأخرى؟
الشروق المصرية