كتاب عربي 21

بين الجولاني ونصر الله: هل تتقدم هموم الناس على الصراعات الكبرى؟

1300x600
خلال الأسبوع الماضي؛ استمعنا إلى خطابين لشخصيتين تشغلان موقعا مهما في الصراع الدائر اليوم في سوريا والمنطقة، الأول لأمين عام حزب الله وقائد المقاومة الإسلامية في لبنان، السيد حسن نصر الله، والثاني لقائد جبهة النصرة (قبل أن يتم تغيير اسمها إلى جبهة فتح الشام) أبي محمد الجولاني، والذي أعلن فيه الانفصال عن تنظيم القاعدة.

وبغض النظر عن صحة المقارنة بين نصر الله والجولاني، وتقييم أدوار حركتيهما والموقف من الرؤية الفكرية والسياسية والعقائدية التي حملاها، ومن دور كل منهما في الصراع والمواجهة في المنطقة، إن على صعيد سوريا أو في مواجهة العدو الصهيوني أو قضايا المنطقة، فإن ما أود التعليق عليه في هذا النص هو موقع قضايا الناس وهمومهم في خطابيهما الأخيرين، واللذين تزامنا في التوقيت.

فالسيد حسن نصر الله وفي خطابه الأخير، بمناسبة تأبين أحد قادة المقاومة الإسلامية إسماعيل الزهري (أبو خليل)، والذي توفي بسبب إصابته بالسرطان بعد تاريخ طويل من المقاومة والجهاد، ركز في قسم كبير من الخطاب على القضايا الداخلية في لبنان وعلى هموم الناس، مع أنه أعطى الاهتمام في الخطاب أيضا للهجوم على المملكة العربية السعودية ودورها في المنطقة، لكن اهتمام نصر الله بهموم الناس المعيشية في لبنان كان واضحا ومن هذه القضايا (تلوث نهر الليطاني، ملف الإنترنت، رفض فرض ضرائب جديدة، الأوضاع المعيشية، مشاكل البلديات ودورها، المياه والفساد)، واعتبر في خطابه أن قضية تلوث نهر الليطاني (وهو أطول نهر في لبنان ويبلغ طوله 160 كلم، ويمتد من البقاع إلى الجنوب) يؤدي إلى كارثة وطنية ويساهم في قتل المواطنين وتضرر مئات الألوف منهم.

وأما أبو محمد الجولاني، فقد أعلن في خطاب تغيير اسم جبهة النصرة إلى جبهة فتح الشام قطع العلاقة مع أية جهة خارجية (ويقصد تنظيم القاعدة)، وإعادة إعطاء الأولوية للقتال من أجل سوريا أو بلاد الشام، مع أن المراقبين اعتبروا أن هذا القرار قد يكون جزءا من محاولة تحسين صورة جبهة النصرة لإزالة اسمها عن لوائح الإرهاب، وتمهيدا للمتغيرات التي قد تحصل في سوريا في المفاوضات المقبلة، مع أن آخرين شككوا في مدى إمكانية خروج النصرة عن العلاقة مع تنظيم القاعدة وبقية المنظمات الإسلامية ذات البعد العالمي، وذلك نظرا لوجود عدد كبير من القياديين والمقاتلين غير السوريين في صفوفها، وبينهما "أحمد سلامة مبروك" الملقب بـ"أبي فرج المصري" والذي ظهر إلى يمين الجولاني عند إعلانه فك الارتباط عن القاعدة، وأبو فرج من قادة تنظيم القاعدة ومن مساعدي أمير تنظيم القاعدة الدكتور أيمن الظواهري.

لكن ما يعنينا في قرار الجولاني وجبهة النصرة أنه يريد إعادة الاعتبار لأولوية مهمتها المحلية في سوريا، واعتبار دورها في سوريا يتقدم على علاقتها بالقاعدة، وأنها قد تدخل لاحقا في المفاوضات حول مستقبل سوريا ويكون لها دور داخلي.

ومن خلال هذه المقارنة بين خطابي السيد نصر الله وأبي محمد الجولاني؛ نشير إلى عودة حضور الجانب المحلي والداخلي في خطابي شخصيتين تلعبان دورا مهما في صراعات المنطقة، مما يؤكد أنه لا يمكن لأي حزب أو تنظيم أو حركة، مهما كبر دورها الخارجي أو الإقليمي، أن تتجاوز عن هموم الناس أو المواطنين في البلد الذي تعمل أو تنشط فيه. وإذا كان هدف أية حركة أو تنظيم الدفاع عن مصالح وحقوق الناس في البيئة التي يعمل فيها، فإنه من الأولى إعطاء الاهتمام لهذه المصالح والهموم؛ لأن الدفاع عن الناس لا يقتصر على "مواجهة الأعداء الخارجيين" أو "السلطات القائمة في البلد الذي ينشط فيه الحزب او التنظيم". وبغض النظر عن صحة توصيف من هم الأعداء الخارجيون، أو مدى صحة المواجهات مع السلطات القائمة، فإن إعادة الاعتبار لهموم الناس ومعيشتهم يجب أن تعود إلى واجهة الاهتمام لدى القوى والحركات الإسلامية، وعندما تعود مصالح الناس كي تكون هي الحاسم في المواقف والأداء؛ يمكن أن يشكل ذلك مدخلا لإعادة تصويب الأداء أو تغيير، أو حتى الوصول إلى مساحات مشتركة بين الذين يتصارعون في المنطقة.

فهل تشكل هذه الإشارات الواردة في خطابي السيد حسن نصر الله وأبي محمد الجولاني؛ إشارات إلى تغييرات ما في مشهد الصراع في سوريا والمنطقة في المرحلة المقبلة؟ هذا ما نأمله وما نتمناه.