دواعش سرت لا خلاف حول وصفهم بالإرهاب أو ضرورة قتالهم، وإذا أخذنا بالظواهر فالجميع يعتبرهم خطرا داهما وينبغي مقاتلتهم، وحتى أحمد قذاف الدم غير موقفه، وعند جهينة الخبر اليقين. فلماذا تتحمل مدينة واحدة العبء الأكبر في قتالهم؟! وهل يبرر كونها المدينة المستهدفة بهجمات تنظيم الدولة أن تكون وحدها في مواجهته؟
الاستقصاء البسيط يكشف أن أعداد كبيرة من الذين انضموا لعملية الكرامة منذ انطلاقها في مايو 2014 قدموا من خارج بنغازي لمحاربة "الإرهاب" المختلف حوله، والخلاف ليس بين سكان المدينة فحسب بل بين المدن والأقاليم إن صح التعبير، ومع التأكيد أن الأغلبية تصنف مجلس شورى بنغازي كإرهابيين، ولكن هناك شريحة ليست بالصغيرة تعتبرهم ثوارا يواجهون انقلابا، بينما لا خلاف على الإطلاق حول دواعش سرت.
أشرنا إلى أن تردد مصراتة في مواجهة تنظيم الدولة في سرت عائد إلى جملة من الأسباب ،منها الخلافات والانقسامات التي وقعت في المدينة حول المسار السياسي، وأولويات المرحلة ودور مصراتة في السلم والحرب. لكن العامل المتفق عليه بين الفرقاء في المدينة هو أن خطر التنظيم يتسع ليهدد البلاد وليس فقط مصراتة، وبالتالي فإن على الدولة أن تتحمل المسؤولية وعلى الجميع أن يشارك في الغُرم والغُنم.
لكن صبر مصراتة لم يطل وذلك بعد الضربات المتتالية من التنظيم في داخل المدينة، مثل ما وقع في الكلية الجوية العام الماضي وخارجها في تمركزات ونقاط تفتيش عدة، كان آخرها تفجير "أبوقرين" الذي غير الموقف والمزاج العام، وجعل المدينة تدفع بقوتها في مواجهة التنظيم وهي إلى اليوم تنجح في احتوائه.
هجوم أبوقرين يمكن تفسيره على أنه واقع ضمن خطة توسع وأيضا تأمين، فالتنظيم يدرك أن الحرب عليه قادمة وأن حكومة الوفاق معنية بهذا، ولهذا بادر بالهجوم والتمركز عند نقطة تبعد عن سرت ما يزيد عن مائة كم، ليجعل المعارك تدور خارج المدينة وليس داخلها. بالمقابل فإن مشروع توسعه واجه ضربة قوية بطرد عناصره من درنة، وبالتالي من الطبيعي أن يفكر في التركيز حول المنطقة الوسطى والتوسع في محيطها.
وبالعودة إلى موقف مصراتة وقرارها خوض الحرب ضد التنظيم، فإنها بذلك يمكن أن تحقق ما يلي:
-إعادة اللحمة إلى المدينة وتحقيق التضامن بعد الخلافات التي وقعت خلال العام الماضي.
-تأمين نفسها من خطر التنظيم الذي ربما يخطط لاستنزاف قدرات المدينة وفرض حالة الخوف، ومن ثم التقوقع عليها.
المشكلة الرئيسية هي أن المعركة ربما لن تكون قصيرة أو سهلة، ومصراتة ربما ستواجه خطرا من نوع آخر في حال طالت المعركة وتعاظمت الخسائر في الأرواح والعتاد، حيث يصف البعض حرب سرت بأنها استدراج للمدينة للنيل من قدراتها العسكرية والقتالية من مقاتلين وسلاح وذخيرة، الأمر الذي يسهِّل ضربها لاحقا.
هذا الخطاب يمكن أن يكون له أثره السلبي في حال تعثرت عملية البنيان المرصوص وارتفع أعداد ضحايا المعركة ضمن مقاتلي مصراتة.
أما إذا كانت الأخرى، وهي نجاح مصراتة في أن تكون رأس الحربة ومن قاد إلى النصر وحققه، فإنه سيكون من الصعب أن يُملى عليها اشتراطات تتعلق ببناء الجيش أو "الحرس الرئاسي" بشكل يحقق التوازن والمشاركة المتكافئة من المدن كافة، فلن يكون من المنطقي ذلك، أي لن يقبله أهل مصراتة وسيساندهم في موقفهم كثيرون. بمعنى لن يكون مقبولا أن تتأخر الحكومة والمكونات العسكرية الأخرى عن تحمل مسؤولياتها، في مواجهة خطر يتفق الجميع على أنه داهم البلاد ويهددها، ويقع العبء الكامل أو الأكبر على مصراتة، ثم يقال: سلموا سلاحكم الثقيل، وانضموا بالمعايير نفسها التي تُلزم الجميع!
وبالتالي، فإن المطلوب هو أن يتحمل الجميع المسؤولية، وأن يتصدر المجلس الرئاسي المعركة، ليس فقط بتشكيل غرقة خاصة، بل بتوفير الدعم اللوجستي وتأمين السلاح والذخائر، والتعبئة للمعركة لتكون معركة الجميع، وليست معركة مصراتة وحدها.