نشر موقع "جون أفريك" الفرنسي تقريرا تحدث فيه عن العلاقة بين رجال السياسة ووسائل
الإعلام في
تونس، ذلك أنه بعد سقوط نظام بن علي لم يعد هؤلاء يتورعون عن توظيف الإعلام لخدمة أغراضهم السياسية الخاصة.
وقال الموقع، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنه بعد سقوط نظام بن علي سنة 2011، تحرر الإعلام التونسي، حتى صدر المرسومان 115 و116 سنة 2012، اللذان ينظمان عمل قطاع الإعلام، ولكنهما بقيا حبرا على ورق؛ بسبب الفوضى والمال السياسي اللذين يديران كواليس المحطات الإعلامية.
وذكر الموقع أن لطفي مرايحي، الأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، نبه في سنة 2011 عن وجود تجاوزات عدّة يمارسها الإعلام التونسي، وقال: "لقد اخترق المال السياسي التحول الديمقراطي، ووجّه الإعلام والرأي العام وشكّله لصالح وجوه سياسية محددة".
هذا التناغم بين المشهد السمعي البصري والسياسي أثناء
انتخابات 2011، تواصل لاحقا.
وذكر الموقع أن المشهد الإعلامي لم يكن متناسقا مع تطلعات الشعب التونسي ما بعد الثورة، فرغم تخلص القطاع الخاص من إملاءات النظام القديم، ولكن بعض الوجوه النافذة سيطرت عليه، لتحقيق أغراضها الخاصة.
ويورد الموقع -في هذا السياق- ما قام به العربي نصرة، المالك السابق لقناة حنبعل، الذي لعب دورا مربكا أيّام الثورة وقُبيل انهيار نظام بن علي، عبر نشره معلومات مضللة عن الوضع الأمني في تونس وقتها. وكان مقتنعا، بعد بيعه محطته سنة 2013، بأنه سيفوز بمقعد قرطاج في انتخابات سنة 2014، ولكنه لم يحصل إلا على 0.2 في المئة.
وأشار التقرير أيضا إلى وجه إعلامي آخر، وهو نبيل القروي، المدير السابق لقناة نسمة، الذي استخدم القناة لأغراضه السياسية، فقد عملت بكل جهدها خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية لصالح الباجي قائد السبسي وحزبه نداء تونس.
وقال الموقع إنه رغم أن نبيل القروي لا يخاطب الجماهير كثيرا، إلا أنه منذ أن أصبح عضوا في المكتب السياسي لحركة نداء تونس، كان من المفترض، باسم القانون، أن ينسحب من إدارة قناة نسمة، ولكنها ما زالت لليوم تحت إشرافه، حتى إنه ظهر في حفل ذكرى وفاة بورقيبة، في 6 نيسان/ أبريل، في شكل القيادي الذي يحيي الجماهير.
ورغم المخالفات القانونية الواضحة، كما يقول الموقع، لم يتم تتبع أي أحد منهم.
وقد قالت إحدى الصحفيات العاملات بالقناة إن نبيل القروي لم يكن يوما ما بعيدا عن محتوى البرامج التي تُبث. كما ذكر سفيان بن فرحات، أحد الصحفيين التي تعتمد عليهم القناة في تقاريرها، أن "المناقشات على القناة موجهة وتتدخل فيها قوى ظلامية"، وفق ما ينقله الموقع.
وبحسب الموقع، فإن أغلب مقدمي برامج القناة، مثل إلياس الغربي وحمزة البلومي ومريم بالقاضي، غادروا القناة؛ بسبب الخلافات التحريرية للبرامج المُذاعة. وآخر هؤلاء كان برهان بسيس، المساند السابق لنظام بن علي، وكان يُعد ليدافع عن وجه سياسي آخر.
وتساءل الموقع: "هل هي الصدفة أم الفرصة أن يعود فتحي الهويدي، المدير السابق للإذاعة والتلفزة التونسية في عهد بن علي، لإدارة قناة نسمة".
وأشار الموقع إلى استثناءين لهذا التوظيف السياسي، وهما: طاهر بن حسين، مؤسس قناة الحوار التونسي، الذي باع أسهمه في القناة عندما بدأ السباق الرئاسي، والثاني محمد العياشي العجرودي، الذي انسحب من السياسة كليا ونقل قناته "الجنوبية" إلى باريس، على إثر خلاف مع الهيئة المستقلة للاتصال السمعي البصري.
ولفت الموقع إلى أن البعض قلب الموازين، فلم يصلوا للسياسة عبر الإعلام، بل العكس، مثل سليم الرياحي، رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر، ورئيس أحد أكبر نوادي الرياضية التونسية. فبعد محاولته شراء أسهم في قناة نسمة سنة 2013، اشترى ترددات قناة التونسية، ولكنه لم يستطع أن يضع يده على برامج القناة، لصاحبها سامي الفهري. وللهروب من سلطة سليم الرياحي، غيّر سامي الفهري ترددات قناة التونسية لقناة الحوار التونسي.
كما أشار الموقع إلى أن الهاشمي الحامدي، مؤسس حزب العريضة، الذي أصبح اليوم تيّار المحبة، حصل في انتخابات المجلس التأسيسي عام 2011 على 26 مقعدا؛ بسبب حملته الانتخابية التي قام بها عبر قناته الخاصة: قناة المستقلة. وقد أعاد الكرّة في الانتخابات التشريعية سنة 2014، ولكنه لم يحصل إلا على مقعدين. ثم شارك في الانتخابات الرئاسية، ولم يصل إلا للمرتبة الخامسة، مع 5.75 في المئة من الأصوات.
ونقل الموقع عن حسن زرقوني، مدير مؤسسة سيغما كونساي، التي تعمل في مجال الإحصاء واستطلاعات الرأي، قوله إن "الرابط بين المال والإعلام كان قويا أثناء الحملات الانتخابية سنة 2014، ولكن اليوم أصبحت الضغوط أكبر، ولم تعد مالية فقط".
كما تعرضت بعض الوجوه السياسية والقيادية المشهورة في تونس للهجوم والتشويه من بعض المؤسسات الإعلامية، من خلال طريق تعامل مقدمي البرامج التلفزيونية، من أمثال سمير الوافي ونوفل الوتاني، في قناة الحوار التونسي، عبر تعرض الضيوف لطريقة مهنية في طرح الأسئلة، وبشكل يصل في بعض الأحيان إلى "خطاب كراهية".
كما تعرض بعض الأشخاص لفبركة مقاطع فيديو بحقهم، حيث تعرضوا للابتزاز.
وفي الختام، ذكر الموقع عددا من التجاوزات الأخرى التي تعاملت معها هيئة الاتصال السمعي البصري بليونة؛ لأن القنوات التي صدرت منها التجاوزات لها جمهورها، ولم تقم الهيئة بتطبيق القانون عليها.