نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تقريرا؛ تحدثت توتر العلاقات بين جهازي المخابرات الأمريكي والباكستاني، بلغ ذروته مع عملية اغتيال زعيم تنظيم القاعدة أسامة
بن لادن في
باكستان، ثم سحب مسؤول المخابرات الأمريكية في هذا البلد بعد تدهور صحته مع اتهامات بأن المخابرات الباكستانية قد سممته.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، إن العديد من المسؤولين، السابقين والحاليين، في الإدارة الأمريكية يؤكدون أن مارك كيلتون كان قد بلغ مراحل خطيرة، حتى أصبح علاجه خارج البلاد أمرا ضروريا. وهو ما زاد في شكوك تعرضه لتسمم متعمد، خاصة وأن سبب مرضه لا زال غامضا.
وكيلتون هو المسؤول الأول عن ملاحقة وكشف مكان زعيم القاعدة إسامة بن لادن؛ الذي أعلنت الولايات المتحدة عن قتله في باكستان، قبل خمس سنوات.
وذكرت الصحيفة أن كيلتون الذي تقاعد من وكالة المخابرات المركزية؛ تحسنت صحته بعد أن أجرى عملية جراحية في البطن، ولكن بعض العاملين في الوكالة يؤكدون، على الرغم من صعوبة إثبات ذلك، أن مرض كيلتون تقف وراءه وكالة الاستخبارات الباكستانية، والتي تعرف باسم "آي آس آي".
وقد أثار الكشف عن تفاصيل العملية ضد بن لان، الحديث حول التعاون المشترك في محاربة الإرهاب بين باكستان وأمريكا.
ورأت الصحيفة أن مجرد توجيه أصابع الاتهام للمخابرات الباكستانية، حتى وإن كانت شبهة التسمم لا أساس لها من الصحة، يدل على أن الثقة بين وكالة المخابرات المركزية والمسؤولين في الاستخبارات الباكستانية قد انهارت، وبلغت أدنى مستوياتها.
ورغم رفض كيلتون، البالغ من العمر 59 سنة، إجراء حوار مع صحيفة واشنطن بوست، إلا أنه تبين من خلال حوار سريع معه عبر الهاتف أن تسممه من قبل المخابرات الباكستانية لم يتأكد بعد، وقال إنه ليس أوّل من يُشتبه في تسممه.
كما رفض كيلتون أن يجيب على أسئلة تتعلق بمرضه أو بفترة عمله في باكستان، وقال للصحيفة: "أفضّل أن أنسى كل تلك الفترة الحزينة". وأضاف "أنا سعيد جدا وفخور بهؤلاء الذين عملت معهم والذين قاموا بأشياء رائعة لبلادهم في وقت صعب. فعندما تُروى القصة الحقيقية، ستفخر بلادهم بهم".
ونقلت الصحيفة عن المتحدث باسم الوكالة، دين بويد قوله: "لأسباب تتعلق بخصوصية موظفينا، لا يُسمح لنا بقول الكثير، ولكن لم نعثر على دليل واحد يثبت تورط السلطات الباكستانية في تسمم مسؤول أمريكي يعمل في باكستان".
ورغم هذا، فإن العديد من الموظفين الحاليين والسابقين في المخابرات الأمريكية يرون أن المخابرات الباكستانية لها صلة بعدد من المؤامرات ضد صحفيين ودبلوماسيين ومستشارين أمريكيين. كما أن عداوة المخابرات الباكستانية لكيلتون كانت في أوجها خلال تلك الفترة، حتى أن رئيس المخابرات المركزية الباكستانية، أحمد شوجا باشا، يرفض منذ زمن وبشكل متكرر التحدث مع كيلتون أو حتى التصريح باسمه، وكان يكنيه "بالجيفة".
وذكرت الصحيفة أن مرض كيلتون لم يتجاوز السبعة أشهر، ولكنه في كل الحالات مثّل إهانة للدولة التي استضافته. فبعد 48 ساعة من وصول كيلتون لباكستان، اعتقل أحد عناصر "
سي آي إيه"، وهو رايمند دافيس، لتورطه في عملية إطلاق نار في لاهور.
كما ساهم تخطيط كيلتون لعشرات الغارات لطائرات دون طيار على مواقع بباكستان في زيادة التوتر بين البلدين. وما زاد الطين بلة، هو مشاركته في التحضيرات الأخيرة لعملية القضاء على بن لادن في منطقة أبوت آباد، والتي أظهرت ضعف المخابرات الباكستانية، ما وضعها في موقف محرج.
وقالت الصحيفة إن وكالة الاستخبارات المركزية طلبت من كيلتون عدم الكشف عن هويته للعموم. ولكن منذ تقاعده، وضع كيلتون اسمه وجزءا من سيرته الذاتية على أحد مواقع الإنترنت بطريقة متاحة للعموم. ولكنه لم يكشف عن عمله في باكستان، واكتفى بوضع بعض الكلمات المفاتيح عن دوره في عملية القضاء على بن لادن.
من جانبه، علق المتحدث باسم السفارة الباكستانية نديم هوتيانا، على الاتهامات بتسميم كيلتون بالقول: "إن رواية المخابرات الأمريكية هي من نسج الخيال"، نافيا "هذه التهم التي وُجّهت لنا".
غير أن مسؤولين في الإدارة الأمريكية يؤكدون توتر العلاقة مع باكستان قبل عدة سنوات من وصول كيلتون لإسلام أباد، ففي سنة 2009 قالت المخابرات الأمريكية إنها تمتلك أدلة على تورط المخابرات الباكستانية في هجمات بومباي في الهند، وأن المخابرات الباكستانية دبّرت العملية لإخفاء مقتل المسلحين في السجن، وأنها تورطت أيضا في إبلاغ أشخاص تم التخطيط لاستهدافهم من طرف الطائرات الأمريكية دون طيار.
وأشارت الصحيفة نقلا عن مسؤولين في "سي آي إيه" أن كيلتون كان قد بدأ بحملة لتصنيف المخابرات الباكستانية تحت ما تُعرف بـ"قواعد موسكو"، أي تصنيفها كعدو بدل "حليف إشكالي".
وكان كيلتون قد عُيّن، بعد عودته لأمريكا، نائبا لمدير فرقة مكافحة التجسس، في مهمة لحماية وكالة الاستخبارات المركزية من التجسس الخارجي.
وبيّنت الصحيفة أن كيلتون، بعد تقاعده العام الماضي، كتب عددا من المقالات عن الأمن القومي في موقع "سيفر بريف"، تحدث فيها عن دور الكرملين المشبوه في مقتل الجاسوس السابق في المخابرات الروسية سنة 2006، والذي سُمم في لندن بجرعة مميتة من مادّة "البولونيوم" المشع.