نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا للمتخصص في شؤون
الملاذات الضريبية نيكولاس شاكسون، يقول فيه: "إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المدى المذهل الذي وصل إليه استخدام الملاذات الضريبية من آيسلندا إلى بيونغ يانغ، الذي كشفه تسريب
بيانات الزبائن من شركة محاماة بنمية متخصصة (في هذا النوع من الاستثمارات)، فإنه من غريب الصدف أن يأتي هذا الكشف في الوقت المناسب لمنظمة التعاون والتنمية".
ويضيف شاكسون أن هذه المنظمة، التي تمثل البلدان الثرية، تقوم بتطوير مبادرات شفافية عالمية للقيام بحملة ضد سرية الملاذات الضريبية، حيث وافقت معظم بلدان الملاذات على التعاون، وستبدأ من عام 2017 بالمشاركة في البيانات المالية بشكل تلقائي؛ كي تقوم كل دولة باقتطاع الضرائب من مواطنيها بالشكل المناسب.
ويستدرك الكاتب قائلا إن هناك من يصر على المخالفة، حيث ترفض
بنما المشاركة بشكل جاد، مشيرا إلى أن مسؤول الضرائب في منظمة التعاون والتنمية باسكال سينت-أمانز، يسميها منطقة "ترحب بالمحتالين وغاسلي الأموال".
ويقول شاكسون، مؤلف كتاب "جزر الكنوز: الرجال الذين سرقوا العالم"، إن بنما قامت، ولسنوات عديدة ببيع السرية، وغضت الطرف عن قوانين البلدان الأخرى، وسمحت لشركات مثل شركة "موساك فونسيكا" بالاستهانة بقوانين البلد الضعيفة للحماية من الجرائم المالية، حيث تشير تسريبات بيانات الزبائن إلى علاقات مع تجار المخدرات والمافيا والإرهاب وشركات بيع الأسلحة والدول المارقة.
ويجد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أن حقيقة أن شركة "موساك فونسيكا" تستطيع التصريح بأنه لم يسبق لها أن اتهمت أو وجهت إليها تهمة رسمية تتعلق بعمل إجرامي، تثبت أن أجهزة الرقابة المالية والشرطة والقضاء والنظام السياسي كلها جزء من هذا النظام، حيث تم إفسادها أو التأثير عليها بالأموال المتدفقة من آلة الأموال القذرة.
وتشير الصحيفة إلى احتمال الضغط بشكل كبير على بنما؛ للقيام بعملية تطهير، مستدركة بأنه يجب النظر إلى الصورة الأكبر، وتجد أنه من الصعب مكافحة نظام مترامي الأطراف، ويتألف من عدة طبقات من الملاذات الضريبية وشركات التمويه الخارجية، حيث ستواجه أي محاولات بأعداد كبيرة من الشركات التي تبحث عن ثغرات في القوانين من شركات محاسبة إلى وكلاء تشكيل شركات خارجية وشركات ائتمان وبنوك، وفي هذه الحالة عملت شركة المحاماة المعنية مع بعض أكبر بنوك العالم، بما في ذلك بنك "أتش أس بي سي" و"سوسيتيه جنرال" و"كريدت سوزي" و"يو بي أس" و"كوميرز بانك"، لإنشاء آلاف الشركات الخارجية التي استطاعت أن تخدع مؤسسات تطبيق القانون على مستوى العالم.
ويرى الكاتب أن هناك حاجة لمساعدة منظمة التعاون والتنمية، ويقول إنه يمكن مثلا لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، الذي يستضيف مؤتمرا لمكافحة الفساد في أيار/ مايو، أن يعلن عن إجراءات تفرض على المناطق التابعة للمملكة المتحدة أن تنشئ سجلات عامة لملكيات الشركات، وأن تفتح المؤسسات وشركات الائتمان للتحري.
ويلفت التقرير إلى أن هناك طرقا كثيرة للضغط على البنية التحتية الخاصة التي تساعد على التهرب الضريبي، مشيرا إلى أن أنجح نظام هو الذي تشغله الولايات المتحدة، حيث إن لديها برنامجها الخاص لمكافحة التهرب الضريبي، ويغطيه "قانون الامتثال الضريبي المتعلق بالحسابات الأجنبية"، الذي يقوم بعمل جيد لمكافحة التهرب الضريبي.
وتذكر الصحيفة أن مؤسسة "فاتكا" تقوم بفرض ضريبة بنسبة 30% على أي مدفوعات محولة من الولايات المتحدة إلى أي مؤسسة مالية لا تلتزم بالقانون، ولذلك تقوم المؤسسات المالية، التي لا تريد أن تحرم من السوق الأمريكية، بالضغط على الحكومات الأخرى؛ لتسمح لهم بمشاركة البيانات المتوفرة لديها، أي أن هذا القانون جعل من المؤسسات المالية نفسها ناشطة في الضغط لأجل الإصلاح.
ويعتقد شاكسون أنه "مع أن مشروع منظمة التعاون والتنمية مبني على هذا القانون الأمريكي، فإن أمريكا ذاتها لن تشارك بشكل مباشر، وبدلا من ذلك فإنها تعد بأن تشارك المعلومات مع الدول الأخرى، من خلال اتفاقيات ثنائية مع مؤسسة (فاتكا) الأمريكية، لكن الكونغرس الأمريكي لم يوافق بعد على التعهد المتبادل المنصوص عليه في الاتفاقية، وهذا يعني أن الأمر سينتهي بألا تقدم أمريكا سوى المعلومات القليلة للآخرين، خاصة أن أمريكا بدأت تتحول بشكل سريع إلى ملاذ ضريبي، وهذا أمر تعرفه منظمة التعاون والتنمية، لكنها لم تكن بالشجاعة الكافية للدعوة إلى اتخاذ موقف تجاهه".
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن الكيان الوحيد الآخر القادر على مواجهة واشنطن هو
الاتحاد الأوروبي، الذي "عليه استجماع شجاعته لفرض ضريبة حجب على أي دفوعات تخرج من الاتحاد إلى مناطق غير ملتزمة، مثل الولايات المتحدة، مستنسخا بذلك ما تقوم به (فاتكا)، وهذا سيلغي ما يعتقد البعض أنه أقوى راع للسرية المالية في منظومة التهرب الضريبي".